لا جديد تحت شمس التدبير الأخنوشي. الحكومة، وقد استنزفت ما تبقى من حيل التواصل، قررت أن تلعب ورقتها المفضّلة: طلب اعتماد إضافي رابع، نعم رابع في أربع سنوات من عمرها، وكأننا أمام موسم سنوي للاحتفال بالعجز والتقديرات الخاطئة. أربعة أعوام من الحكم، وأربعة طلبات للتمويل الطارئ. نحن لسنا أمام حكومة، بل أمام مهرجان دوري لإعادة طباعة العجز بـ"مذكرة تفسيرية".
ولأننا في "زمن الكفاءات"، فالمادة 60 من القانون التنظيمي للمالية تُقرأ على طريقة رواية غامضة: نفقات "ملحّة وضرورية"... دون أن يخبرونا ما الملحّ؟ وما الضروري؟ ومن الذي أخفق في توقع ما هو متوقع بطبيعته؟ تمويل المكتب الوطني للكهرباء؟ دعم الشركات العمومية المفلسة؟ الحوار الاجتماعي؟ كل هذه الأمور كانت في التداول العمومي منذ أشهر إن لم نقل سنوات. لكننا أمام حكومة تفضل إدخال الميزانية إلى قسم المستعجلات بدل عرضها على طبيب التخطيط. إنها ميزانية تدار بالمسكنات، لا بالتشخيص.
المؤسسات العمومية: غرفة إنعاش بلا خروج
في دول تحترم المال العام، إعادة هيكلة المؤسسات العمومية تتم وفق خطة، بأهداف، وبأفق زمني. أما في المغرب، فالحل هو ضخ المال العام في جسد مريض دون تشخيص. المؤسسات العمومية تحولت إلى "مدمنات على الدعم"، مدمنات تعرف تماماً أن الحكومة ستأتي كل سنة بـ"الجرعة" المطلوبة منها.
التمويل بلا رؤية أصبح العقيدة الجديدة. لا محاسبة، لا دمج، لا تصفية، ولا هم يحزنون. نعيد نفس الخطأ وننتظر نتيجة مختلفة. الحكومة تُفرغ خزينة الدولة على شركات عمومية فاشلة ثم تتحدث عن "العدالة الاجتماعية"، وتنسى أن العدالة تبدأ بوقف النزيف لا تسويقه. إنها تدابير تؤجل الانفجار ولا تلغيه، وتؤكد أن مفهوم الإصلاح عند هذه الحكومة يُختزل في جملة واحدة: "اصرف ما ليس في الجيب يأتيك ما في الغيب".
في دول تحترم المال العام، إعادة هيكلة المؤسسات العمومية تتم وفق خطة، بأهداف، وبأفق زمني. أما في المغرب، فالحل هو ضخ المال العام في جسد مريض دون تشخيص. المؤسسات العمومية تحولت إلى "مدمنات على الدعم"، مدمنات تعرف تماماً أن الحكومة ستأتي كل سنة بـ"الجرعة" المطلوبة منها.
التمويل بلا رؤية أصبح العقيدة الجديدة. لا محاسبة، لا دمج، لا تصفية، ولا هم يحزنون. نعيد نفس الخطأ وننتظر نتيجة مختلفة. الحكومة تُفرغ خزينة الدولة على شركات عمومية فاشلة ثم تتحدث عن "العدالة الاجتماعية"، وتنسى أن العدالة تبدأ بوقف النزيف لا تسويقه. إنها تدابير تؤجل الانفجار ولا تلغيه، وتؤكد أن مفهوم الإصلاح عند هذه الحكومة يُختزل في جملة واحدة: "اصرف ما ليس في الجيب يأتيك ما في الغيب".
زيادة الرواتب: رشوة ناعمة على حساب خزينة تُستنزَف
في الزمن الذي يئن فيه الاقتصاد، قررت الحكومة أن تشتري صمت الطبقات الوسطى بزيادة في الأجور. لا خطة لتحسين الإنتاجية، لا ربط بين الأجر والمردودية، فقط زيادات تموّل عبر الضرائب من جيب المواطن نفسه. إنها زيادة بيد، واقتطاع باليد الأخرى. لعبة توازن غريبة بين من يعطي ومن يسترجع، الفرق الوحيد أن من "يعطي يدفع من اموال المغاربة".
وبينما تنفخ الحكومة في الأجور، تنكمش القدرة الشرائية. المواطن يدفع ضريبة على الدخل، وعلى الماء، وعلى الهواء إن أمكن، ثم يستيقظ على خبر: الحكومة رفعت الدين العام لتمويل "السلام الاجتماعي". سلام اجتماعي يُستورد بالدَّين، ولا أحد يسأل: من سيسدده؟ الجواب معروف: المواطن ذاته، لكن بعد أن يشيب ويهرم ويورّث الدين لأحفاده.
في الزمن الذي يئن فيه الاقتصاد، قررت الحكومة أن تشتري صمت الطبقات الوسطى بزيادة في الأجور. لا خطة لتحسين الإنتاجية، لا ربط بين الأجر والمردودية، فقط زيادات تموّل عبر الضرائب من جيب المواطن نفسه. إنها زيادة بيد، واقتطاع باليد الأخرى. لعبة توازن غريبة بين من يعطي ومن يسترجع، الفرق الوحيد أن من "يعطي يدفع من اموال المغاربة".
وبينما تنفخ الحكومة في الأجور، تنكمش القدرة الشرائية. المواطن يدفع ضريبة على الدخل، وعلى الماء، وعلى الهواء إن أمكن، ثم يستيقظ على خبر: الحكومة رفعت الدين العام لتمويل "السلام الاجتماعي". سلام اجتماعي يُستورد بالدَّين، ولا أحد يسأل: من سيسدده؟ الجواب معروف: المواطن ذاته، لكن بعد أن يشيب ويهرم ويورّث الدين لأحفاده.
الضرائب: غارة منظمة باسم "العدالة الجبائية"
هكذا، وبكل فخر، دخل المغرب نادي الدول الرائدة في الاقتطاع المباشر من الحسابات البنكية. ما يُعطى في بلاغ رسمي، يُسحب إلكترونياً من حساب المواطن. هذه ليست سياسة ضريبية، بل خطة اغتيال بطيء للطبقة الوسطى. أما المقاولات؟ فقد تحوّلت إلى مشاريع تصفية، إذ كيف تنجو مقاولة صغيرة من نظام ضريبي يُحمّلها ما لا تطيق في مناخ اقتصادي "يشبه المقبرة أكثر من السوق"؟
النتيجة: انهيار للمبادرة، جمود في الاستثمار، وهروب في الصمت. والكل يعلم، لكن لا أحد يتكلم. فمنطق "أنا وبعدي الطوفان" هو القاعدة. لا تحليل للعائد، لا قياس للأثر، فقط سياسة مالية قائمة على فكرة واحدة: لنصرف، ما دامت الطابعة تعمل.
هكذا، وبكل فخر، دخل المغرب نادي الدول الرائدة في الاقتطاع المباشر من الحسابات البنكية. ما يُعطى في بلاغ رسمي، يُسحب إلكترونياً من حساب المواطن. هذه ليست سياسة ضريبية، بل خطة اغتيال بطيء للطبقة الوسطى. أما المقاولات؟ فقد تحوّلت إلى مشاريع تصفية، إذ كيف تنجو مقاولة صغيرة من نظام ضريبي يُحمّلها ما لا تطيق في مناخ اقتصادي "يشبه المقبرة أكثر من السوق"؟
النتيجة: انهيار للمبادرة، جمود في الاستثمار، وهروب في الصمت. والكل يعلم، لكن لا أحد يتكلم. فمنطق "أنا وبعدي الطوفان" هو القاعدة. لا تحليل للعائد، لا قياس للأثر، فقط سياسة مالية قائمة على فكرة واحدة: لنصرف، ما دامت الطابعة تعمل.
نهاية مفتوحة... على الهاوية
البلاد تواجه معدلات بطالة تاريخية، نموًا اقتصادياً هشاً، وديناً عاماً يكبر مثل كرة ثلج تتدحرج. وفي خضم هذه الفوضى المالية، لا تملك الحكومة من الجرأة إلا ما يكفي لإصدار بلاغ مقتضب يطلب مليارات إضافية. ولا بأس، طالما أن الأغلبية الرقمية في البرلمان.. وتمرير القانون لا يحتاج أكثر من جلسة بلا نقاش.
البلاد تواجه معدلات بطالة تاريخية، نموًا اقتصادياً هشاً، وديناً عاماً يكبر مثل كرة ثلج تتدحرج. وفي خضم هذه الفوضى المالية، لا تملك الحكومة من الجرأة إلا ما يكفي لإصدار بلاغ مقتضب يطلب مليارات إضافية. ولا بأس، طالما أن الأغلبية الرقمية في البرلمان.. وتمرير القانون لا يحتاج أكثر من جلسة بلا نقاش.
في النهاية، لم تعد المسألة مسألة أولويات اقتصادية، بل مسألة إدمان سياسي على الإنفاق بلا حدود. والمقلق أن هذا النموذج لم يعد مجرد فشل، بل أصبح عقيدة. حكومة تصرف كما لو أن جيوب المغاربة مشاع مستباح، والشعب... مجرّد توقيع في سجل الديون السيادية.
د. نبيل عادل، استاذ باحث في الاقتصاد والعلاقات الدولية