الجمعة 6 ديسمبر 2024
كتاب الرأي

محسن أرفون: القانون 10/23 المتعلق بالسجون.. تخليق الفضاء السجني (2)

محسن أرفون: القانون 10/23 المتعلق بالسجون.. تخليق الفضاء السجني (2) محسن أرفون
في الحلقة الأولى من سلسلتنا حول القانون 10/23، الذي يشكل نقلة نوعية في إدارة المؤسسات السجنية في المغرب، تطرقنا إلى إدارة حديثة للمؤسسات السجنية وحماية شاملة لحقوق السجناء، تمحورت تلك الحلقة حول محاور رئيسية مثل البنية التشريعية للقانون، بالإضافة إلى قراءة تحليلية لأبرز جوانب هذا القانون مع توضيح شامل لمحتوياته الأساسية، فضلاً عن التأكيد على عدد المواد والأبواب والفروع في القانون 10/23، وعلاقته بالمعايير الدولية.
 
اليوم، نواصل الحديث في الحلقة الثانية حول "تخليق الفضاء السجنى"، وكيف يُسهم هذا القانون في تحسين بيئة السجون المغربية، التي كانت تشهد تحديات عدة على مستوى البنية والتدبير.
 
تخليق الفضاء السجني في ضوء القانون 10/23:
في سياق الجهود المستمرة لتحسين القطاع السجنى في المغرب وضمان توافقه مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، جاء القانون رقم 10/23 ليحدث تحولاً جذرياً في مجال تخليق الفضاء السجنى، هذا القانون يمثل خطوة هامة نحو إصلاح حقيقي في إدارة المؤسسات السجنية، حيث يهدف إلى إنشاء بيئة سجنية أكثر إنسانية، تُعزز من كرامة الأفراد داخل السجون.
 
من خلال هذا الإطار القانوني، يتم التأكيد على أهمية الشفافية في جميع جوانب العمل السجني، ويُشدد على ضرورة الاحترام التام لحقوق السجناء. وفي إطار هذه المبادئ، يُولى اهتمام خاص لعملية إعادة تأهيل المعتقلين، وهو ما يسهل إدماجهم في المجتمع بعد انتهاء فترة العقوبة.
 
وبناءً على ذلك، يسعى المغرب من خلال هذا القانون إلى تعزيز حقوق الإنسان داخل المؤسسات السجنية، ويعمل على تحقيق هدف إعادة الإدماج الاجتماعي للمعتقلين، حيث يُعتبر هذا التوجه جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى خلق بيئة أكثر احتراماً للحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية، مما يسهم في تحسين العلاقات بين السجون والمجتمع بشكل عام.
 
تجدر الإشارة إلى أن هذا التحول لا يقتصر فقط على تحسين أوضاع المعتقلين، بل يمتد ليشمل التأثير الإيجابي على المجتمع ككل، إذ يعزز من قيم التضامن والعدالة ويقلل من احتمالية العودة إلى الجريمة بعد الإفراج عن السجناء، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر استقراراً وازدهاراً.
 
تجدر الإشارة إلى أن هذا التحول لا يقتصر فقط على تحسين أوضاع المعتقلين، بل يمتد ليشمل التأثير الإيجابي على المجتمع ككل، إذ يعزز من قيم التضامن والعدالة ويقلل من احتمالية العودة إلى الجريمة بعد الإفراج عن السجناء، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر استقراراً وازدهاراً.
 
ومع كل هذه الجهود الإصلاحية، يظل التساؤل قائمًا حول مدى فاعلية تطبيق القانون في الواقع، خصوصًا في ظل التحديات التي قد يواجهها هذا التحول في التطبيق على أرض الواقع ولذلك، من المهم طرح مجموعة من الأسئلة التي تساعد في فهم النقاط الرئيسية التي يجب التركيز عليها لضمان نجاح هذا الإصلاح وتحقيق أهدافه المرجوة.
أسئلة مترابطة:
 
كيف يمكن تقييم تأثير القانون 10/23 على تحسين بيئة السجون في المغرب؟
هنا نتساءل عن الأبعاد العملية لتطبيق القانون في تحسين الظروف المعيشية في السجون، ومدى التزام المؤسسات السجنية بالمبادئ التي ينص عليها.
هل يحقق القانون 10/23 فعلاً الهدف الرئيسي المتمثل في إعادة تأهيل السجناء؟
كيف يتم قياس نجاح برامج إعادة التأهيل التي يتم تنفيذها في السجون؟ وهل هناك آلية فعالة لضمان إدماج السجناء في المجتمع بعد قضائهم فترة العقوبة؟
ما هي التحديات التي قد تواجه تطبيق هذا القانون على أرض الواقع؟
ما هي ما هي التحديات التي قد تواجه تنفيذ بنود هذا القانون؟ وهل تتوافق الممارسات العملية داخل المؤسسات السجنية مع النصوص القانونية؟
كيف يمكن تعزيز دور الشفافية في إدارة السجون لتحقيق المعايير الدولية لحقوق الإنسان؟
ما هي آليات الرقابة التي يمكن فرضها لضمان تطبيق معايير حقوق الإنسان بشكل متكامل داخل المؤسسات السجنية؟
ما هي الآفاق المستقبلية لتطوير النظام السجني في ضوء تطبيق القانون 10/23؟
هل هناك خطط لتوسيع نطاق هذا القانون أو تطويره لمواكبة التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المستقبلية؟
كيف يساهم القانون 23/10 في تعزيز دور مديري المؤسسات السجنية لتحقيق الأهداف المرجوة؟
في سياق الإصلاحات التي يشهدها النظام السجنى في المغرب، يبرز القانون رقم 10/23 كإطار قانوني محوري يسعى إلى تحقيق نقلة نوعية في تخليق الفضاء السجني وتطوير بيئة السجون بما يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، هذا القانون يفتح الباب لفرص كبيرة في إعادة تأهيل السجناء وتعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي، وهو ما يجعلنا ننتقل إلى دراسة أهم محاور هذا القانون التي سنناقشها في هذا المقال.
في إطار الإصلاحات السجنية بالمغرب، يمثل القانون رقم 10/23 خطوة هامة لتحسين ظروف السجون بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويهدف إلى تخليق الفضاء السجنى وتعزيز إعادة تأهيل السجناء، هذا القانون يفتح الباب لفرص كبيرة في إعادة تأهيل السجناء وتعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي، وهو ما يجعلنا ننتقل إلى دراسة أهم محاور هذا القانون التي سنناقشها في هذا المقال.
 
أولاً، سنسلط الضوء على أهم جوانب تخليق الفضاء السجنى في القانون 10/23، وكيف يمكن لهذا الجانب أن يُحسن من ظروف الاعتقال ويعزز من حقوق السجناء داخل المؤسسات العقابية، من خلال هذا المحور، سنتعرف على المبادئ القانونية الأساسية التي يعتمدها القانون في هذا السياق.
 
ثانياً، ننتقل إلى الإصلاحات الهيكلية والإدارية التي ينص عليها القانون، ودورها في تحسين بيئة السجون، سواء على مستوى التجهيزات أو الترتيبات الإدارية التي تسهم في زيادة الفعالية وتوفير بيئة أكثر إنسانية.
 
ثالثاً، سنتناول التحديات التي قد تعيق تطبيق هذا القانون بشكل كامل، ونناقش آفاق المستقبل في تطوير القطاع السجنى، مع تسليط الضوء على أبرز العوامل التي قد تسهم في تعزيز الإصلاحات وضمان استدامتها على المدى الطويل.
 
تخليق الفضاء السجني: رؤية جديدة لإدارة المؤسسات العقابية
يشكل تخليق الفضاء السجنى رؤية جديدة ومتكاملة لإدارة المؤسسات العقابية، مستندة إلى مبادئ حديثة تركز على الإصلاح والتأهيل كركيزة أساسية، تنبثق هذه الرؤية من القانون 23/10، الذي يسعى إلى إعادة تعريف مفهوم السجن من مجرد مكان لتنفيذ العقوبات إلى فضاء لإعادة بناء الإنسان وتمكينه من حياة جديدة تسهم في تعزيز الأمن الاجتماعي.
 
يرتكز هذا التوجه على تطوير بيئة احتجاز إنسانية تحترم الحقوق الأساسية للسجناء، حيث تضمن توفير ظروف احتجاز تتماشى مع القوانين الدولية لحقوق الإنسان، بما في ذلك الرعاية الصحية المتكاملة والخدمات النفسية والاجتماعية، إن الهدف هو حماية كرامة السجناء وضمان معاملتهم بمعايير إنسانية، تعكس احترام الدولة لالتزاماتها القانونية والأخلاقية.
 
في إطار هذه الرؤية، يُعتبر تخليق الفضاء السجنى من خلال آليات رقابة ومساءلة فعّالة، ليس فقط وسيلة لضمان احترام القوانين داخل السجون، بل أيضًا نهجًا لتعزيز الشفافية في إدارة المؤسسات العقابية، عبر مراقبة الأداء وضمان محاسبة جميع الأطراف الفاعلة في هذا القطاع، وتساهم هذه الرقابة في تحقيق العدالة وتطوير النظام السجنى ليكون أكثر انسجامًا مع قيم المجتمع وحقوق الإنسان.
 
علاوة على ذلك، تتبنى هذه الرؤية برامج إصلاح وتأهيل تهدف إلى إحداث تغيير جوهري في حياة السجناء، من خلال تمكينهم عبر التكوين المهني، والبرامج التعليمية، والدورات التكوينية، والأنشطة الاجتماعية والثقافية، مما يفتح لهم آفاقًا لإعادة الاندماج في المجتمع كمواطنين منتجين وقادرين على المساهمة في التنمية، ويُعد تقليل معدلات العودة إلى الجريمة هدفًا استراتيجيًا لهذه الرؤية، من خلال دعم السجناء وتحفيزهم على تبني نمط حياة جديد قائم على الاستقرار والنمو الشخصي.
 
تخليق الفضاء السجني كرؤية حديثة يعكس تحولًا جوهريًا في فلسفة العقوبات، عبر مقاربة تصالحية تُشرك المجتمع المدني، الأكاديميين، والخبراء في تطوير سياسات السجون، مما يجعل من المؤسسات العقابية منصات للتأهيل الحقيقي والعدالة التصالحية، ويضمن تحقيق أهداف العقوبة ضمن إطار يحترم الإنسان ويدفع نحو تحقيق مجتمعات آمنة ومتوازنة.
 
أهم جوانب تخليق الفضاء السجني في القانون 10/23:
يهدف القانون إلى تحسين بيئة الاحتجاز عبر تعزيز الشفافية والمساءلة، وضمان حقوق وكرامة السجناء من خلال رعاية صحية متكاملة وظروف ملائمة، كما يسعى إلى تحويل المؤسسات العقابية إلى مراكز لإعادة التأهيل، عبر برامج تعليمية وتدريبية تساهم في اندماج السجناء وتقليل معدلات العود، مع تفعيل دور مديري المؤسسات لضمان التنفيذ الفعّال للإصلاحات، سنستعرض أهم جوانب تخليق الفضاء السجني وفقًا لنصوص ومواد القانون.
 
احترام كرامة المعتقلين (المادة 63):
القانون يضمن للمعتقلين حقهم في المعاملة الإنسانية ويمنع أي شكل من أشكال التعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
المادة 63 تنص على أن ممارسة التعذيب بكافة أشكاله يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، وهو جزء من السعي لتخليق الفضاء السجني وجعل المؤسسات السجنية أكثر احتراماً لحقوق الإنسان.
 
التخليق هنا يكمن في:
تعزيز احترام حقوق المعتقلين ومنع التعذيب والمعاملة المهينة.
ضمان أن يتمتع المعتقلون ببيئة إنسانية تحترم كرامتهم، مع فرض عقوبات على أي انتهاكات لحقوقهم.
 
الشفافية والمحاسبة (المادة 162):
المادة 162 تعزز الشفافية في إدارة السجون من خلال التركيز على حفظ الأمن والانضباط بشكل يحترم حقوق المعتقلين ويضمن إعادة تأهيلهم.
إدارة السجون ملزمة بتطبيق نظام شفاف يتيح المحاسبة الفعالة والرقابة الداخلية، سواء على مستوى الموظفين أو المعتقلين.
 
يكمن في:
وضع آليات مراقبة لضمان احترام حقوق المعتقلين.
إنشاء نظام تأديبي عادل وواضح يتم فيه تصنيف الأخطاء وتطبيق العقوبات بما يتناسب مع المخالفة.
 
3- الرعاية الصحية والنفسية (المواد 96-107):
القانون ينص على أن الرعاية الصحية حق مضمون لجميع المعتقلين دون تمييز، بما في ذلك الفحوصات الطبية والعلاج النفسي، كما ينص على توفير وحدات صحية داخل السجون.
يركز القانون على تقديم دعم نفسي خاص للمعتقلين ذوي الحالات النفسية الخاصة، وكذلك المعتقلات الحوامل والأطفال المرافقين لأمهاتهم.
 
التخليق هنا يكمن في:
توفير خدمات صحية ونفسية متكاملة لضمان أن السجون ليست أماكن للعقاب الجسدي فقط، بل للمعالجة والتأهيل.
تعزيز النظرة الإنسانية داخل الفضاء السجني، حيث يتم التعامل مع المعتقلين كأشخاص يحتاجون إلى الرعاية والاهتمام.
 
4- إعادة التأهيل وإدماج المعتقلين (الباب الرابع):
القانون يركز بشكل كبير على إعادة إدماج المعتقلين من خلال برامج تعليمية وتدريبية تساعدهم على العودة إلى المجتمع كأفراد منتجين.
تتناول المواد 135-144 برامج التأهيل المختلفة مثل التعليم، التكوين المهني، والأنشطة الثقافية والرياضية التي تهدف إلى تطوير مهارات المعتقلين وتحسين فرصهم بعد الإفراج.
 
التخليق هنا يكمن في:
الانتقال من فكرة السجن كعقاب إلى السجن كأداة لإعادة التأهيل والإدماج.
تحسين فرص المعتقلين في الحصول على التعليم والتكوين المهني، مما يقلل من احتمالية عودتهم إلى الجريمة بعد الإفراج.
 
5- احترام حقوق المعتقلين في الاتصال بالعالم الخارجي (المواد 67-79):
يمنح القانون المعتقلين الحق في الاتصال بذويهم ومحاميهم وفق ضوابط تضمن حماية حقوقهم.
يتم تنظيم الزيارات والمراسلات بشكل يضمن التواصل مع الأسرة والمجتمع الخارجي، مع مراعاة الحفاظ على الأمن والانضباط داخل السجن.
 
التخليق هنا يكمن في:
تعزيز حقوق المعتقلين في التواصل مع العالم الخارجي، مما يساهم في الحفاظ على علاقتهم الاجتماعية وتقليل آثار العزلة.
تنظيم الزيارات والمراسلات بشكل يحترم خصوصية المعتقلين ويضمن شفافية العملية.
 
6- حماية الفئات الهشة (المادة 1 والمادة 64):
ينص القانون على حماية الفئات الهشة مثل النساء، الأحداث، المسنين، الأشخاص ذوي الإعاقة، والمعتقلين الذين يعانون من أمراض مزمنة، ويتطلبون عناية خاصة.
المادة 64 تؤكد على أن الفئات الهشة تستفيد من رعاية صحية واجتماعية خاصة.
 
يكمن التخليق هنا في:
توفير رعاية خاصة لهذه الفئات لضمان عدم تعرضهم للتمييز أو سوء المعاملة داخل السجون.
توفير وحدات منفصلة لهم وضمان حصولهم على الخدمات المناسبة لاحتياجاتهم الصحية والنفسية.
 
7- التدابير التأديبية العادلة (المواد 188-207):
القانون يحدد آليات التأديب داخل السجون ويصنف الأخطاء إلى درجات (جسيمة، متوسطة، طفيفة) بحيث تتناسب العقوبة مع الخطأ المرتكب.
يُمنع فرض أي عقوبة تأديبية جماعية أو اعتباطية، ويتم توفير ضمانات المحاكمة العادلة داخل المؤسسات السجنية من خلال لجنة التأديب.
 
التخليق هنا يكمن في:
تنظيم العملية التأديبية بطريقة عادلة وشفافة، بحيث يتم احترام حقوق المعتقلين حتى عند ارتكابهم لأخطاء.
تطبيق العقوبات وفق معايير محددة ومنظمة، مما يحد من الانتهاكات أو التجاوزات التي قد تحدث في ظل غياب هذا التنظيم.
 
8- تعزيز النزاهة وحفظ النظام (المواد 169-170):
يمنع القانون إدخال أو تداول المواد الممنوعة بين المعتقلين داخل السجون ويضع آليات لمراقبة ومنع هذه الأنشطة.
تفرض مواد القانون إجراءات صارمة لمكافحة الفساد داخل المؤسسات السجنية، بما في ذلك الرقابة على الموظفين لمنع استغلال النفوذ أو السلطة.
 
التخليق هنا يكمن في:
تطبيق إجراءات صارمة لمكافحة الفساد والتأكد من أن المؤسسات السجنية بيئة قانونية وآمنة.
توفير نظام رقابة داخلي فعال يمنع الأنشطة غير القانونية داخل السجون.
 
الإصلاحات الهيكلية والإدارية: نحو تحسين بيئة السجون
تعتبر الإصلاحات الهيكلية والإدارية حجر الزاوية في أي استراتيجية تهدف إلى تحسين بيئة السجون وتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في إعادة تأهيل السجناء، ينطلق قانون 23/10 من رؤية شاملة تهدف إلى تحويل المؤسسات العقابية إلى مراكز لإعادة الإدماج الاجتماعي، وذلك عبر إجراء تغييرات جذرية في بنية النظام السجني على الصعيدين الهيكلي والإداري.
 
تُعدّ تحسين توزيع الموارد البشرية والمادية داخل المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الادماج من الأولويات الجوهرية لقانون 23/10، إذ يُركز هذا التوجه على ضمان توفير بيئة سجنية تحترم حقوق الإنسان وتلبي احتياجات السجناء الأساسية، من خلال تخصيص الموارد بشكل فعّال، يسعى القانون إلى خلق بيئة صحية وآمنة تتسم بالإنسانية، بحيث تسهم في تحسين جودة حياة السجناء وتعزيز رفاهيتهم النفسية والجسدية.
 
بالإضافة إلى ذلك، يُولي قانون 23/10 أهمية كبيرة لتعزيز التنسيق بين مختلف المصالح والجهات المعنية بإدارة السجون، بما في ذلك الهيئات القضائية، والأمنية، والصحية، والاجتماعية، يهدف هذا التنسيق إلى تحسين التعاون بين هذه الجهات وتبادل المعلومات والخبرات، مما يساهم في تقديم خدمات متكاملة للسجناء كما يسهم في تحديث وتطوير الأطر والكفاءات العاملة بالمؤسسات السجنية، ما يضمن تنفيذ السياسات الإصلاحية بفعالية وكفاءة، من خلال هذا التعاون المتكامل، يتم تعزيز قدرة النظام السجني على تحقيق أهدافه في إعادة التأهيل والاندماج الاجتماعي للسجناء، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
 
حيث تشمل الإصلاحات الهيكلية إعادة تصميم البنية التحتية للسجون لتتناسب مع معايير حقوق الإنسان، ما يسهم في تحسين الظروف المعيشية للسجناء ويحد من الاكتظاظ، على الصعيد الإداري، يسعى القانون إلى تعزيز المساءلة والشفافية من خلال آليات رقابية أكثر فعالية، تتضمن تقارير دورية حول سير تنفيذ البرامج الإصلاحية والتأكد من الالتزام بالمبادئ التي يقرها القانون، مثل احترام كرامة السجناء وضمان حقوقهم.
 
من خلال هذه الإصلاحات، يطمح القانون إلى خلق بيئة سجنية تساهم في تخفيض معدلات العود للجريمة وتعزيز تكامل السجناء في المجتمع بعد انقضاء عقوبتهم، مما يسهم في تحقيق أهداف استراتيجية تنمية اجتماعية طويلة الأمد.
 
ولتحقيق هذه الأهداف الطموحة للقانون 23/10، تم إدراج مجموعة من الإصلاحات التي تهدف إلى تحسين البيئة السجنية، منها:
تحديث البنية التحتية للسجون: يسعى القانون إلى تقليل الاكتظاظ وتحسين الظروف المعيشية داخل المؤسسات السجنية من خلال بناء مرافق حديثة وتحديث البنى التحتية القائمة، بما يضمن بيئة آمنة للسجناء والعاملين على حد سواء.
 
تعزيز التطور الوظيفي للموظفين في المؤسسات السجنية: تضمن القانون برامج تدريبية مستمرة للحراس والموظفين في السجون، بهدف تعزيز قدراتهم في التعامل مع السجناء بطرق تحفظ كرامتهم وتراعي حقوقهم.
رعاية الفئات الهشة: يولي القانون اهتمامًا خاصًا بالسجناء من الفئات الهشة، مثل النساء والأطفال، حيث يتم تخصيص برامج خاصة تلبي احتياجاتهم وتضمن حمايتهم من أي انتهاكات.
 
التحديات وآفاق المستقبل في تطوير القطاع السجنى
على الرغم من أهمية الإصلاحات التي جاء بها القانون 23/10، يبقى التحدي الأبرز هو ضمان التطبيق الفعلي والفعّال لهذه الإصلاحات على أرض الواقع، وهذا يتطلب من المندوبية العامة لإدارة السجون، بكل أطرها وكوادرها، بذل جهود مضاعفة لتفعيل آليات الرقابة والتقييم المستمر للأداء داخل المؤسسات السجنية.
 
إن تحقيق الأهداف الطموحة لهذا القانون يستدعي تعاونًا وثيقًا بين مختلف الفاعلين، بما في ذلك المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، لضمان تعزيز الشفافية والمساءلة، بفضل التزام أطر المندوبية وكفاءاتهم المهنية، تتواصل الجهود الحثيثة لتحسين الظروف داخل السجون، مع التركيز على توفير بيئة آمنة وكريمة تضمن احترام حقوق السجناء، وتتيح لهم فرصًا حقيقية للتأهيل وإعادة الاندماج في المجتمع بعد الإفراج عنهم.
 
آفاق المستقبل تتطلب اعتماد نهج استراتيجي متكامل يعزز من جودة الموارد البشرية داخل المؤسسات السجنية، حيث يُعد الاستثمار في خطط التدريب والتأهيل للعاملين عنصراً أساسياً لرفع كفاءة الأداء المؤسسي، فبدون تطوير مهارات الأطر السجنية وتحسين بيئة العمل، سيكون من الصعب تحقيق استدامة الإصلاحات التي أتى بها القانون 10/23، مما يعكس رؤية شاملة نحو النهوض بالقطاع السجني وتحويله إلى فضاء إصلاحي متكامل.
 
في هذا السياق، يبرز التساؤل حول مدى توافق هذه الإصلاحات مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لاسيما "قواعد نيلسون مانديلا" التي تعتبر مرجعية أساسية في ضمان معاملة إنسانية للسجناء، وهنا يتجلى دور القانون 10/23 في محاولة ملاءمة المنظومة السجنية المغربية مع هذه القواعد، وذلك من خلال تحسين ظروف الاحتجاز وتعزيز برامج إعادة التأهيل.
 
وانطلاقًا من هذه الرؤية، يأتي الانتقال إلى مقارنة القانون الجديد بالقانون القديم 23/98، لفهم مدى التقدم المحرز في التشريعات السجنية، من خلال هذه المقارنة، يمكن إبراز النقاط التي تم تحسينها وكيفية تطبيق المبادئ المستجدة بشكل فعّال لتحقيق أهداف القانون الجديد.
 
القانون 10/23 في سياق "قواعد نيلسون مانديلا"
يتماشى القانون 10/23 بشكل كبير مع "قواعد نيلسون مانديلا" التي أقرتها الأمم المتحدة لضمان معاملة إنسانية للسجناء، تستند هذه القواعد إلى مبادئ احترام الكرامة الإنسانية، توفير الرعاية الصحية الملائمة، وضمان إعادة التأهيل وإعادة الإدماج، وتعد هذه القواعد بمثابة معيار دولي يُلزم الدول بتحسين ظروف الاحتجاز، وجعل السجون أماكن للإصلاح بدلاً من الاقتصار على العقاب.
 
القانون الجديد يسعى إلى تحقيق إصلاح شامل للقطاع السجني في المغرب عبر التركيز على جوانب رئيسية، مثل:
احترام كرامة السجناء: على غرار قواعد نيلسون مانديلا، يركز القانون 10/23 على احترام كرامة الإنسان، ومنع المعاملة القاسية أو المهينة.
 
توفير الرعاية الصحية: يتضمن القانون إجراءات لتعزيز الرعاية الصحية داخل السجون، مع تخصيص موارد لتحسين البنية التحتية الصحية، وهو ما يتفق مع القواعد الأممية التي تشدد على حق السجناء في الحصول على نفس مستوى الرعاية الصحية المتوفر للمجتمع.
 
إعادة التأهيل والإدماج: يهدف القانون إلى تحويل السجون إلى مؤسسات تأهيلية عبر برامج تعليمية وتدريبية، بما يعزز فرص السجناء في إعادة الاندماج في المجتمع، وهو جوهر ما تدعو إليه قواعد نيلسون مانديلا.
 
مقارنة بين القانون الجديد 10/23 والقانون القديم 23/98
عند مقارنة القانون الجديد 10/23 مع القانون السابق 23/98، نلاحظ عدة نقاط اختلاف جوهرية تعكس تطور التشريعات السجنية في المغرب:
التركيز على حقوق الإنسان: في حين كان القانون 23/98 يركز بشكل أساسي على تنظيم إدارة السجون والضوابط الأمنية، جاء القانون 10/23 ليضع حقوق السجناء في صلب الإصلاحات، متماشياً مع التوجهات الدولية.
 
إدراج آليات رقابة مستقلة: بينما كان القانون السابق يفتقر إلى آليات رقابة فعّالة، يضمن القانون الجديد آليات أكثر شفافية للمراقبة الداخلية والخارجية، مما يعزز المساءلة ويسمح بتدخل المجتمع المدني في مراقبة أوضاع السجون.
تحديث البنية التحتية وبرامج التأهيل: القانون 10/23 يركز على تحسين الظروف المعيشية داخل السجون وتطوير برامج تأهيلية متقدمة، مقارنة بالقانون القديم الذي لم يكن يتضمن برامج كافية لدعم إعادة الإدماج.
 
نحو نموذج يحتذى به في التشريعات السجنية
يمثل القانون 10/23 نموذجًا يمكن للدول الأخرى الاستفادة منه عند تحديث تشريعاتها السجنية، خصوصًا في البلدان النامية التي تسعى إلى تحسين أوضاع مؤسساتها العقابية، فالتوجه المغربي يعكس التزامًا حقيقيًا بتحقيق التوازن بين حماية المجتمع وضمان حقوق السجناء، وفي هذا السياق، يلعب الأطر والكفاءات العاملة في المؤسسات السجنية دورًا محوريًا في تنفيذ السياسات الحكومية واستراتيجية القطاع السجني. هؤلاء الأفراد هم القوة الدافعة وراء نجاح هذه الإصلاحات، حيث يسهرون على تنفيذ رؤية الحكومة من خلال التوازن بين المقاربة الأمنية الصارمة والمقاربة الإدماجة المتبعة في برامج إعادة التأهيل.
 
تتطلب هذه المقاربة تنسيقًا عاليًا بين كل الأطر المعنية، وذلك لضمان انسجام السياسات الإصلاحية مع الإجراءات الأمنية داخل السجون، مما يساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في القطاع السجني، مما يعزز قدرة المؤسسات العقابية على التعامل مع التحديات المعاصرة لذلك، يعد الدور الفعّال لهذه القيادات عنصرًا أساسيًا في تنفيذ السياسات السجنية بنجاح، وجعل المغرب نموذجًا يحتذى به في المنطقة في مجال التشريعات السجنية.
 
آفاق تحسين النظام السجني في المغرب
إذا تم تنفيذ قانون 10/23 بشكل فعّال، فإنه يمكن أن يُساهم في تحويل السجون المغربية إلى مراكز تأهيلية حقيقية تتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والإصلاح العقابي، من خلال التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية، والاستثمار في تحسين البنية التحتية للسجون، وتعزيز آليات الرقابة والمساءلة، يمكن لهذا القانون أن يحدث تغييرًا جذريًا في بيئة السجون المغربية.
 
يتطلب تحقيق الأهداف المنشودة في تحسين النظام السجني بالمغرب تحسين مستوى التكوين والتأهيل المستمر للعاملين في المؤسسات السجنية، من خلال برامج تدريبية متخصصة ومُحكمة يشرف عليها خبراء متمرسون في المجال. في هذا السياق، تلعب المندوبية العامة لإدارة السجون، وبالأخص مركز تكوين الأطر بتيفلت، دورًا محوريًا في تعزيز هذا التوجه، حيث يُعد هذا المركز من بين المعاهد الرائدة التي تُضاهي الأكاديميات الدولية بمواصفاتها العالمية، وأصبح يُستقطب من قبل دول جنوب-جنوب لتبادل الخبرات والاستفادة من التجربة المغربية الرائدة في مجال الإصلاحات السجنية.
 
تعتبر المندوبية العامة للسجون مؤسسة ذات كفاءات إدارية وعلمية عالية، تُسهم بفعالية في تعزيز التوجهات الإصلاحية داخل النظام السجني، مما يضمن تطبيق السياسات الإصلاحية بفعالية ووضوح، وبفضل هذه الخبرات المتراكمة والتجارب الناجحة، أصبح النموذج المغربي محل إعجاب، ويُعتبر مرجعًا للعديد من الدول الإفريقية التي تسعى لتحسين أنظمتها العقابية، مما يعكس ريادة المغرب في هذا المجال على مستوى القارة.
 
علاوة على ذلك، يُعدّ الاستثمار في البنية التحتية خطوة جوهرية نحو خلق بيئة سجنية تحترم حقوق السجناء، وتوفر لهم الظروف الملائمة لإعادة التأهيل والاندماج في المجتمع، هذا يشمل تحسين المنشآت والتجهيزات داخل السجون، مما يسهم في تعزيز الراحة النفسية والجسدية للسجناء، ويعزز فاعلية برامج إعادة التأهيل.
 
من الضروري أن يُولي جميع المعنيين والمتتبعين للشأن السجني اهتمامًا خاصًا لتعزيز وتدعيم دور العاملين في القطاع السجني، سواء من الناحية المادية أو المعنوية، يُعد تحفيز هؤلاء العاملين ودعمهم أساسيًا لضمان نجاح المقاربة القانونية المتبعة، ويتطلب ذلك تحسين ظروف عملهم وتقديم المساندة اللازمة في مهامهم اليومية.
 
لا يمكن تحقيق التغيير المنشود إذا كان الموظفون المكلفون بتنفيذ الاستراتيجيات الحكومية يعانون من صعوبات مادية أو اجتماعية؛ فهم يمثلون العنصر الأساسي في رسم السياسات العامة وتنفيذها بشكل فعال لذلك، يجب النظر إليهم كركيزة أساسية لضمان تحقيق الأهداف الإصلاحية، مما يساهم في تحسين أداء المؤسسات السجنية وتفعيل أدوارها في إعادة التأهيل والإدماج الاجتماعي.
 
يمكن اعتبار التجارب والممارسات السائدة في البلدان الناطقة بالإنجليزية أو الفرنسية دليلاً واضحًا على أهمية تعزيز وتحفيز العاملين في المؤسسات السجنية، خاصةً في ضوء المخاطر والتحديات اليومية التي يواجهونها في أداء مهامهم، يُظهر التركيز على رعاية هؤلاء العاملين ودعمهم مدى فعالية السياسات الإصلاحية عندما يكون العاملون في السجون مجهزين ومتحفزين للقيام بدورهم المحوري.
 
يتعامل هؤلاء العاملون مع فئة تحتاج إلى الإصلاح والتقويم، وهو عمل يتسم بصعوبته وتحدياته اليومية. لذلك، فإن توفير بيئة عمل محفزة وداعمة لهم يُعد أمرًا حيويًا لتحقيق الأهداف المرجوة في مجال العدالة الجنائية، تحسين أوضاعهم يضمن تفعيلًا أفضل لبرامج الإصلاح وإعادة التأهيل، ويعزز فعالية النظام السجني في تحقيق التوازن بين العقاب وإعادة إدماج السجناء في المجتمع بشكل إيجابي.
 
ومع ذلك، تبقى الإشكالية الرئيسية هي كيفية ضمان التنفيذ الفعّال والمستدام لهذه الإصلاحات، بهدف تحقيق الأهداف المرجوة وتحويل السجون إلى مراكز إصلاح وتأهيل حقيقية، لتحقيق ذلك، يصبح الاهتمام بالموظفين العاملين في هذا القطاع أمرًا حتميًا، حيث يُعد تحسين وضعيتهم المادية والمعنوية خطوة أساسية نحو تفعيل الإصلاحات على أرض الواقع.
 
توفير الظروف الملائمة والدعم الكافي لهؤلاء العاملين يعزز قدرتهم على تطبيق الاستراتيجيات والسياسات الحكومية بفعالية، مما يؤدي إلى تقييم حقيقي ومستمر للأداء داخل المؤسسات السجنية، ويساهم في تحقيق أهداف النظام السجني الإصلاحي بشكل مستدام، ويضمن التطوير المستمر للبرامج والممارسات.
 
خلاصة:
تخليق الفضاء السجنى في القانون 10/23 يعتمد على مجموعة من الإصلاحات التي تهدف إلى تحسين ظروف الاعتقال، حماية حقوق المعتقلين، تعزيز إعادة تأهيلهم، وضمان معاملة إنسانية تليق بكرامتهم. بشكل يضمن معاملتهم بإنسانية تليق بكرامتهم، يركز القانون على تقليل الاكتظاظ، تحسين البنية التحتية، وتوفير الرعاية الصحية والنفسية للسجناء، مع الاهتمام بشكل خاص بالفئات الهشة مثل النساء والأطفال. بالإضافة إلى دعم برامج التأهيل والتدريب المهني التي جاء بها القانون 23/10 لتمكين السجناء من اكتساب مهارات تسهم في اندماجهم مجددًا في المجتمع وتقليل معدلات العود إلى الجريمة، تُظهر هذه الإصلاحات التزامًا واضحًا بتعزيز معايير حقوق الإنسان داخل المؤسسات السجنية، مما يعزز الشفافية والمساءلة لضمان احترام كرامة المعتقلين ومع ذلك، لتحقيق هذه الأهداف الطموحة، يبرز التخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية كعنصر أساسي في رفع كفاءة المؤسسات السجنية وضمان التنفيذ الفعّال والمستدام للإصلاحات وفي هذا السياق، تظل الإشكالية المطروحة: كيف يمكن للتخطيط الاستراتيجي للموارد البشرية أن يعزز أداء المؤسسات السجنية ويسهم في تحقيق أهداف القانون الجديد؟ ما هي الآفاق المستقبلية لتطوير النظام السجني في ظل تطبيق القانون 23/10، ودور مديري المؤسسات في قيادة هذه التحولات؟
هذا المحور يمثل أحد الركائز الأساسية لاستراتيجية المندوبية العامة لإدارة السجون، وهو ما سيتناوله المقال القادم بشكل مفصل.

الدكتور محسن أرفون/ باحث أكاديمي في القانون العام والعلوم السياسية، متخصص في التخطيط الاستراتيجي وإدارة الموارد البشرية بالقطاع العام.

                                                                                                 يتبــــــع