الخميس 16 مايو 2024
فن وثقافة

الشِّيخْ الحسين السطاتي: لا خوف على موروثنا الثقافي الشعبي وهذا لغز وسر من أسرار تراثنا المغربي (الحلقة 4)

الشِّيخْ الحسين السطاتي: لا خوف على موروثنا الثقافي الشعبي وهذا لغز وسر من أسرار تراثنا المغربي (الحلقة 4) الحسين السطاتي

في الحلقة الرابعة والأخيرة من سلسلة حلقات حوار جريدة "أنفاس بريس" مع الفنان الشيخ المحبوب الحسين السطاتي أكد على أن "هناك علاقة وطيدة بين طقوس وعادات عَلَّامْ الْخَيْلْ على مستوى تراث فن التْبَوْرِيدَةْ وبين الشِّيخْ الْكَمَنْجِي قائد "الرْبَاعَةْ" على مستوى فن العيطة من خلال المشترك بينهما". ولم يفته أن يكشف للجريدة على "مسيرته الأدبية والبحثية في الميدان الفني"، حيث خلص ضيف الجريدة إلى أن فن العيطة "سيظل حيّا تتناقله الأجيال ولن يموت أبدا، رغم ما يصيبه من وكعات صحية في بعض الفترات، لكنه يتشافى ويتعافى، وهذا لغز من ألغازها المحيرة، فهي تستهلك في السر أكثر من العلن".

 

 

هل هناك علاقة تربط بين عروض "رْبَاعَةْ الشِّيخَاتْ" الفنية برآسة الشِّيخْ الْكَمَنْجِي، مع عروض سَرْبَةْ الْخَيْلْ بقيادة الْعَلَّامْ على مستوى السّلوك واللباس والحركات والإيقاع؟

طبعا هناك علاقة متينة بين عروض "رْبَاعَةْ الشِّيخَاتْ" برآسة الشّيخْ الْكَمَنْجِي، وبين عروض "عَلْفَةْ" الخيل بقيادة الْعَلَّامْ على مجموعة من المستويات، أبدأها بمجموعة من الطقوس المشتركة، بما فيها الاحترام التّام لقائد المجموعة الغنائية "الرْبَاعَةْ"، والإنضباط من حيث تنفيذ التعليمات، والإلتزام باحترام التراتبية في السن والأقدمية في الحرفة والصنعة الفنية.

ومن المفروض على كل أفراد المجموعة الغنائية الإلتزام بحضور جلسات التمارين والتداريب الموسيقية الفنية سواء كانت جلسة خاصة لتبادل المعلومات الشفوية أو كانت جلسات فنية تطبيقية، دون التفريط في الإلتزام بعامل الوقت.

جانب آخر لا يقل أهمية فيما يتعلق بالمشترك بين أفراد المجموعة الغنائية وفرسان سربة علام الخيل، وهو المرتبط بالاهتمام بمظهر الشخصية والهندام الموحد المتعلق بالزي التقليدي مثل الجلباب والبلغة والطّربوش الوطني بالسنبة للشِّيخْ الْكَمَنْجِي، والقفطان المغربي وتوابعه بالنسبة للشيخات، دون الحديث عن ضرورة نظافة الجسد، والحرص على الطهارة قبل بدأ العروض الفنية بما فيها الوضوء الكبير والوضوء الصغير، والحرص على الصلاة جماعة، وقراءة الفاتحة والورود، والدعاء ونسميها "الفاتحة" وذلك بالابتهال إلى الله والدعاء لأفراد المجموعة، بالحفظ والسلامة، وللمضيفين وللضيوف، وللرواد من الأشياخ والشيخات المتوفين بالرحمة والمغفرة والتواب. هذا هو المعمول به في الفرق العيطية الحقيقية والذي توارثناه من الأسلاف رواد فن العيطة المغربية، لكن للأسف نجد اليوم الكثير من الفرق العيطية لا تمارس هذه الطقوس.

طبعا هذا هو المشترك، حيث نجد نفس السلوك والعادات يقوم بها "عَلَّامْ الْخَيْلْ" سواء وسط خيمته/لوثاق أو داخل محرك التبوريدة، على اعتبار أن كل فرسان السربة ملزمين بالإنضباط والإلتزام بها. وفي الحقيقة توحدنا أغلب عناوين موروثنا الثقافي الشعبي وخصوصا على مستوى اللباس والزّي التقليدي الموحد، حيث نتقاسم لباس "الْجِلْبَابْ" و "الجَّبَادُورْ" و "السَّلْهَامْ" و "الْقَفْطَانْ" و "الْبَلْغَةْ". وبالنسبة للشيخات فإنهن يفضلن لباس "الْقَفْطَانْ" النسّائي أو لباس "التَّكْشِيطَةْ"، وأيضا نجد "السِّلْهَامْ" النسّائي، ثم حزام "مْضَمَّةْ" و "الشَّرْبِيلْ".

أما على مستوى أنغام وألحان وإيقاع فن العيطة فأغلبها مأخوذة عن فن "التبوريدة" المغربية، بما في ذلك الاستهلال، والتقاسيم، والميازين والإيقاع البطيء، والتدرج في سرعة العزف والإيقاع، وصولا إلى مرحلة الهجمة وينتهي ذلك بـ "الْقُفْلْ" و "الطَّمَّةْ" في محاكاة لأغلب حركات الفرسان والخيل أثناء عرضوهم الفرجوية بدأ بـ "التَّدْبِيبَةْ" أو "التَّشْوِيرَةْ" مرورا برفع الْمُكَحْلَةْ ثم "الْـﮜرْنَةْ" و "الْخَرْطَةْ" وصولا إلى الطَّلْقَةْ.

 

 

ما السبب في غياب الشيخ الحسين السطاتي عن البرامج الفنية بالتلفزة المغربية؟

هناك مجموعة من الأسباب، أولها أن هذا العبد الضعيف لم يلجأ بعد إلى البرامج والسهرات التلفزيونية ذات الصلة بالغناء الشعبي، ولم أتقدم بأي ملف أو طلب للظهور على القنوات التلفزيونية العمومية، ثانيا لم أتوصل بأي طلب أو كان هناك أي تواصل من طرف المهتمين بالشأن الفني والثقافي بهذه القنوات. ربما أنني لست في المستوى الذي يطلبونه، أو أنني مازلت لم أصل بعد لعدد كبير من المشاهدات على قناتي الخاصة بموقع التواصل الاجتماعي "يوتوب"، أو ربما أنني لم أصل بعد لتلك الشهرة التي تسمح لي بالظهور على شاشة التلفزيون العمومي. وهناك سبب آخر، يتعلق بتواجد عدد كثير من الفرق الموسيقية الشعبية والعيطية بالمغرب. لذلك فأنا مازلت أنتظر دوري، لكنني اليوم أركز جيدا على أعمالي الأدبية والبحثية، فضلا على أن الجمهور يتابعني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفي حفلاتي المباشرة في المسارح، وحتى في مهرجانات ومواسم التبوريدة، والسهرات الخاصة والعمومية، وفي الأعراس بمختلف المدن.

 

 

حدثنا عن انتاجاتك وأعمالك الأدبية ذات الصلة بفن العيطة والغناء الشعبي؟

لقد منحتني العيطة المغربية الشيء الكثير، ولم أعطيها إلى حد الآن سوى النزر القليل. العيطة بالنسبة لي أشبهها بتلك الفتاة الحسناء التي فتنتني وسحرتني وأحببتها بعقلي وكيّاني، وتبعتها أقتفي أثرها وأنا مراهق صغير السّن، لكنها صدتني عن عشقها في أول الأمر وأتعبتني. لكن بعد إلحاحي وإصراري طاوعتني، فأكرمتني وأمتعتني. لقد أدخلتني العيطة إلى أماكن لم أكن أحلم بدخولها، وساعدتني في دراستي، وفي مهنتي السّابقة كدركي ضابط شرطة قضائية وعسكرية، ومدت لي يد المساعدة أيضا في أبحاثي القضائية الإجرامية، وعرفتني على أناس مهمّين، وشخصيات وازنة، وعرفتي على أشخاص طيبين ومثقفين، لهذا كنت ومازلت وسأظل وفيا لفن العيطة التي شبهتها بالحسناء الساحرة.

ستجدون العيطة/الحسناء حاضرة معي في الحفلات والأعراس والندوات، وتوقيعات الكتب، وفي المهرجانات والملتقيات الفنية والصالونات الأدبية والمعارض الثقافية. ستجدون العيطة حاضرة في كتاباتي الأدبية بما فيها، المقالة، والقصة القصيرة، والقصة، والرواية والمسرح. ما دمت حيا سأظل وفيا لمعشوقتي المحبوبة التي اعتبرها أول أنثى أحببتها بعد أمي.

طبعا في سياق السؤال اعتبر أن فن العيطة وأجوائها مادة خام للكتابة الأدبية، وحقل أدبي بادخ، لذلك لابد من أذكر بعض مؤلفاتي ومن بينها رواية بعنوان "عيطة بيضاوية" من أربعة أجزاء، ثم مجموعة قصصية بعنوان "العيطة والغيطة"، إلى جانب سيرة روائية بعنوان "عيطة دموع الخيل"، وجزء ثاني من سيرتي الذاتية بعنوان "عيطة الحب وحب العيطة"، وكتاب تحت عنوان "فن العيطة بين نظرة الاحتقار ورد الاعتبار"، والذي يضم مجموعة من المقالات حول فن العيطة نشرتها بعدد من الصحف الوطنية. وعدد من الندوات التي سبق وأن شاركت في ملتقياتها الأدبية، وهناك كتاب بعنوان "المتعة والحذر والحيطة في غابة العيطة". بالإضافة إلى ديوان زجل بعنوان "عيطة سروت الحصبة"، علاوة عن نص مسرحي كوميدي فردي بعنوان "عيطة الكرسي" ويمكن تصنيفه ضمن خانة الكوميديا السوداء، وحاليا معتكف على كتابة رواية تحت عنوان "العين الزرقاء"، استوحيتها من عيطة العين، والتي تنتمي لنمط فن العيطة الْبَلْدؤيَّةْ الْفِيلَالِيَّةْ.

 

 

ما هو السبب في "تعطيل" مخيلة الفنان المبدع في إنتاج نصوص عيطية جديدة تمتح من مواضيع ذات الصلة بقضايا المجتمع في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والانسانية؟

ليس هناك أي تعطيل لمخيلة الفنان العيطي المغربي سواء من حيث إبداع النص الشعري "القصيدة"، أو من حيث الألحان والتوزيع الموسيقي والأداء، فدائما هناك إبداع، وهناك جديد، وهناك خير خلف لخير سلف. بالطبع لدينا شعراء وشاعرات مثقفون ومبدعون، أثبتوا جدارتهم على الصعيد العربي، ولدينا أصوات شبابية طربية شادية، وصار لدينا "أشياخ وشيخات"، متمكنين من الحرفة والصنعة. هناك مثقفين ودارسين للموسيقى والغناء دراسة أكاديمية، نلقبهم ب"الأشياخ الأساتذة"، وأعطيك على سبيل المثال بعض النماذج مثل الفنان بوشعيب الجديدي، والشيخ يوسف بوفلجة، والشيخ عبد الباري قيبو، والشيخ مستور حميد وآخرين، هم في نظري موسيقيين دارسين لآلة الكمان، ومنهم الحاصلين على شواهد علمية فنية عالية، ويُدرِسون في معاهد موسيقية، وأشياخ لفن العيطة.

 

في سياق كل هذه التراكمات... كيف تقرأ مستقبل فن العيطة إلى جانب فن التبوريدة؟

بصفتي فنان "شيخ للعيطة" فأنا جد متفائل لمستقبل العيطة، وهي تسير من حسن إلى أحسن، أيضا هناك تحسن في العنصر البشري الممارس من "أشياخ وشيخات" وتحسن في المادة الفنية الموسيقية،  بما فيها تطور الآلات الموسيقية، إضافة  إلى دور التطور التكنولوجي بما في ذلك عالم الرقمنة... أقول هناك تواصل وتكامل للأجيال وليس صراع أجيال، ونفس الشيء يعرفه فن الفروسية التقليدية "التْبَوْرِيدَةْ"، وما تشهده من نهضة جميلة وراقية لهذا الموروث التراثي اللامادي، سواء على مستوى الزي التقليدي للفرسان أو على مستوى الحرف وصناعة المنتوجات التقليدية ذات الصلة بالخيول. فضلا أننا نلاحظ تطور الوعي بثقافة الفرسان ومستواهم الثقافي والعلمي والمهني لدى الجنسين. فعلا لقد وصل فن "التبوريدة" إلى العالمية بمشاركة المرأة/الفارسة أيضا.

 

 

إن الفن بصفة عامة وليد الظرفية والزمان الذي يعيشه الفنان المبدع، وهناك حنين ونوستالجيا إلى الماضي، فالأغاني العيطية التراثية القديمة، تم إبداعها في مرحلة مريرة جد صعبة، كان المغاربة يعيشون في سياقها التاريخي قهرا واستعبادا واستبدادا، وظلما غاشما، وعاشوا حروبا ومجاعات، وقاسوا الويلات. في هذه الفترة ارتكبت في حق أجدادنا جرائم بشعة، سواء من طرف المستعمر الغاشم، أو من طرف القياد المخزنيين وأعوانهم. لذلك كان إبداعهم يترجم في حمولته الفنية قدر معاناتهم، كان إبداعهم الفني راقيا ومركبا ومعقدا، حيث تلقاه الجمهور بصدر رحب، لأنه يعبر عن معاناتهم.

في يومنا هذا، نحن نعيش عصر حقوق الإنسان، نحيى في أمن وأمان وفي سلم ورخاء، لذلك فنحن الآن نبدع في موضوع الشق العاطفي، لأننا نعيش في زمن الحب ولا نعيش في زمن الحرب، والدليل في ذلك، تعكسه كيفية تفاعل شيخ العيطة مع واقعة معبر "الكَركَرات" بعد أن دحرت القوات الملكية المسلحة فلول عصابات البوليساريو، وفي هذا السياق أبدع الشيخ جمال الزرهوني قطعته الرائعة الموسومة بـ "العيطة الوطنية"، والتي لقيت تجاوبا كبيرا من طرف الجمهور.

أما فيما يتعلق بإبداع فني يمتح من المشهد السياسي والاجتماعي، فليس هناك تحفيز ولا تشجيع أو تحميس للفنان الشعبي المبدع لكي يبادر في هذا الشأن ويحلم بأن إبداعه سيلقى إقبالا وتجاوبا، سواء من الناحية الفنية أو التسويقية، وهنا لابد أن أؤكد على أن فن العيطة يمر بفترات مد وجزر، صعود وهبوط، طلوع وانحدار، لكنها ستظل شامخة، على اعتبار أن العيطة فنّ أزلي وأبدي، أزلي لأن تاريخ بداياتها يبقى تحديده نسبيا من طرف أساتذة مختصين وباحثين أكاديميين، وفن أبدي لأنه سيظل حيّا تتناقله الأجيال ولن يموت أبدا، طبعا أن فن العيطة تصيبه وكعات صحية في بعض الفترات، لكنه يتشافى ويتعافى، وهذا لغز من ألغازها المحيرة، فهي تستهلك في السر أكثر من العلن.

 

انتهى