Friday 12 September 2025
مجتمع

عمر الدّاودي: شراء العقوبة سيؤدي إلى اختلال فـي منظومة وفلسفة التجريم والعقاب

عمر الدّاودي: شراء العقوبة سيؤدي إلى اختلال فـي منظومة وفلسفة التجريم والعقاب عمر الدّاودي، الحقوقي والمحامي لدى هيئة المحامين بالرباط
لوحظ‭ ‬خلال‭ ‬23‭ ‬سنة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الإنتاج‭ ‬التّشريعي‭ ‬للقوانين‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بالتجريم‭ ‬والعقاب‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تضخما،‭ ‬وأحيانا‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬العقاب،‭ ‬لا‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬الشكل‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬الموضوع،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬المشرّع‭ ‬أنحى‭ ‬منحى‭ ‬تشديديّا‭ ‬في‭ ‬تجريم‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭. ‬وأخص‭ ‬بالذكر‭ ‬قانون‭ ‬الإرهاب،‭ ‬الغش‭ ‬في‭ ‬الامتحانات،‭ ‬شغب‭ ‬الملاعب،‭ ‬إهانة‭ ‬رموز‭ ‬المملكة،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬والظواهر‭ ‬التي‭ ‬طالها‭ ‬التجريم‭ ‬والعقاب‭.‬
‬إلاّ‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬دائما‭ ‬يصطدم‭ ‬المغرب‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬"قواعد‭ ‬طوكيو‭ ‬،"بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬المغرب‭ ‬مطالب‭ ‬بتقديم‭ ‬بعض‭ ‬التوضيحات‭ ‬حول‭ ‬وقائع‭ ‬محينة،‭ ‬والمشكل‭ ‬يعود‭ ‬للتشريع‭. ‬وما‭ ‬فتئت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحد‮ ‬‭ ‬تطالب‭ ‬بإضفاء‭ ‬الطابع‭ ‬الإنساني‭ ‬على‭ ‬السياسة‭ ‬الجنائية،‭ ‬بخصوص‭ ‬الشكل‭ ‬والموضوع‭.‬
‬والمغرب‭ ‬قد‭ ‬تراجع،‭ ‬تدريجيا،‭ ‬عن‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬القواعد‭ ‬التشريعية‭ ‬التي‭ ‬تجرم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الظواهر‭ ‬أبرزها‭ ‬قانون‭ ‬النشر‭ ‬والصحافة،‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬الحكومة‭ ‬السابقة‭ ‬تسوق‭ ‬له،‭ ‬وأنه‭ ‬منتوج‭ ‬تشريعي‭ ‬جيّد‭ ‬وممتاز،‭ ‬خاليا‭ ‬من‭ ‬النّصوص‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬عقوبات‭ ‬سالبة‭ ‬للحرية،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬القانون،‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الصّحافيين‭ ‬في‭ ‬السّجن‭. ‬كيف‭ ‬سنفسّر‭ ‬هاته‭ ‬الظاهرة؟‭.‬
‬العقوبات‭ ‬السالبة‭ ‬للحرية‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬الغرب‭ ‬يتأخر‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬هاته‭ ‬القوانين‭ ‬التي‭ ‬أُثير‭ ‬بشأنها‭ ‬نقاش‭ ‬مجتمعي‭ ‬بين‭ ‬القانونيين‭ ‬والحقوقيين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬هناك‭ ‬سبب‭ ‬وحيد‭ ‬أخّر‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة،‭ ‬متداخلة‭ ‬ومتعددة‭ ‬ومعقّدة‭.‬
‮ ‬فحينما‭ ‬نرى‭ ‬مشروع‭ ‬قانون‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبات‭ ‬للمؤسسات‭ ‬السجينة‭ ‬والجهة‭ ‬القانونية‭ ‬الرّسمية‭ ‬التي‭ ‬تسهر‮ ‬‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬المندوبية‭ ‬السامية‭ ‬لإدارة‭ ‬السجون‭ ‬وإعادة‭ ‬الإدماج‭ ‬دقت‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬بشأن‭ ‬الإعتقال‭ ‬الإحتياطي‭.‬‭ ‬وهذا‭ ‬مؤشر‮ ‬‭ ‬وإنذار‭ ‬للخطر‭ ‬حول‭ ‬الطاقة‭ ‬الاستيعابية‭ ‬للسجون،‭ ‬وحول‭ ‬الجدوى‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬عقوبات‭ ‬سالبة‭ ‬للحرية‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬الجرائم،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬أغلبها‭. ‬والجهة‭ ‬التي‭ ‬أوكل‭ ‬لها‭ ‬تنفيذ‭ ‬العقوبة‭ ‬السجنية،‭ ‬والطاقة‭ ‬الاستيعابية‭ ‬تفوق‭ ‬نزلاء‭ ‬السّجون‭.‬
‮ ‬والإشكال‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬يصعب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تطبيقه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جهة‭ ‬واحدة،‭ ‬لأن‭ ‬سياسة‭ ‬التجريم‭ ‬والعقاب‭ ‬شأن‭ ‬مجتمعي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكلف‭ ‬به‭ ‬ويتدخل‭ ‬فيه‭ ‬جميع‭ ‬المتدخلين،‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬الضابطة‭ ‬القضائية‭ ‬والجهاز‭ ‬القضائي‭ ‬ككل،‭ ‬وانتهاء‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬السّجينة،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التّعليمية‭.‬
ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬حاليا،‭ ‬أن‭ ‬العقوبات‭ ‬السّالبة‭ ‬للحرّية‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬دافعا‭ ‬لحالة‭ ‬العود،‭ ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬دافعا‭ ‬لإخراج‭ ‬مجرمين‭ ‬آخرين‭ ‬أشد‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬العامّ‭ ‬ممّا‭ ‬كانوا‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬أحكام‭ ‬وعقوبات‭ ‬سالبة‭ ‬للحرية‭.‬
وفي‭ ‬مشروع‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة‭ ‬هناك‭ ‬تغييب‭ ‬للضّحية،‭ ‬والضحية‭ ‬هو‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬الجريمة،‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬الجريمة‭ ‬المباشر،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المجتمع،‭ ‬فتغييب‭ ‬حقوقه‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬مثل‭ ‬هاته‭ ‬القوانين‭ ‬فيه‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الإجحاف،‭ ‬ونوع‭ ‬من‭ ‬الاقصاء‭ ‬من‭ ‬الجريمة‭ ‬التشريعية‭ ‬ككل‭.‬
وبخصوص‭ ‬التأهيل‭ ‬الطبي‭ ‬‮ ‬واستعمال‭ ‬السّوار‭ ‬الإلكتروني‭ ‬وغيره،‭ ‬فلكل‭ ‬سياسة‭ ‬تجريمية‭ ‬ثمن،‭ ‬ضروري‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬تعثرات،‭ ‬وضروري‭ ‬أن‭ ‬ترصد‭ ‬اعتمادات‭ ‬مالية‭ ‬ومبالغ‭ ‬وأغلفة‭ ‬مالية‭ ‬وأطقم‭ ‬طبية‭ ‬ولوجستيكية،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نهيء‭ ‬لها،‭ ‬فعلينا‭ ‬أن‭ ‬نعدّ‭ ‬لها‭.‬
‬مسألة‭ ‬شراء‭ ‬العقوبة‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬اختلال‭ ‬في‭ ‬منظومة‭ ‬وفلسفة‭ ‬التّجريم‭ ‬والعقاب‭. ‬فمن‭ ‬يملك‭ ‬المال‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬"يشتري"العقوبة‭ ‬السّجنية‭ ‬والغرامة،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يملكه‭ ‬سيؤدي‭ ‬به‭ ‬إلى،‭ ‬ممّا‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تكريس‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الطّبقية‭ ‬على‭ ‬حالتها‭.‬
عمر الدّاودي، الحقوقي والمحامي لدى هيئة المحامين بالرباط