أعتقد أن قرار الملك محمد السادس بإعادة النظر وإصلاح مدونة الأسرة، هو استجابة لمطالب اجتماعية وحقوقية وإنسانية، وينسجم مع المغرب الذي يتقدم ويتطور. ولابد من إصلاح وثيقة المدونة التي مرت عليها حوالي 20 سنة لمواكبة هذا التطور.
أريد أن اذكر فقط بالتقرير السنوي 2022 الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان، لأنه يتضمن ويختزل أغلب المطالب المطروحة للنقاش العمومي.
يقول التقرير إن تعديل مدونة الأسرة أصبح ضرورة ملحة لمناهضة التمييز القائم على النوع الإجتماعي، داعيا إلى مراجعة المدونة، بما يكفل المساواة بين الجنسين داخل الأسرة وحماية السلامة الجسدية للأطفال بإلغاء الاستثناء الوارد في المادة 20 الذي يسمح بتزويج الأطفال.
ووضع المجلس ضمن أولوياته موضوع المساواة ومناهضة التمييز المبني على النوع، وعيا منه بأن تمكين المرأة وتحقيق المساواة الفعلية القائمة على التمتع الفعلي بجميع الحقوق شرط أساسي لبناء مجتمع عادل يصون كرامة كافة أفراده دون أي تمييز. حيث تميزت سنة 2022 بتنوع وتعدد تدخلات المجلس ضمن مجالات عدة تروم تعزيز القدرات والتحسيس بالإشكالات الأساسية في مجال حماية حقوق النساء والفتيات وتأطير النقاش العمومي حولها مع فاعلين مؤسساتيين ومدنين مختصين إضافة إلى أنشطة تهم التحسيس بأهمية الحق في المساواة والمناصفة والمشاركة في الحقل السياسي.
بل إن المجلس أطلق حملة وطنية لمناهضة العنف ضد النساء تحت شعار «ما نسكتوش على العنف»، بهدف تشجيع ضحايا العنف على التبليغ عن العنف ومناهضة الإفلات من العقاب، وذلك خلال الفترة الممتدة من 25 نونبر 2021 إلى 25 نونبر 2022، بهدف التحسيس بخطورة مختلف أشكال العنف وسوء المعاملة ضد النساء والفتيات التي أضحت تتخذ أشكالا متعددة كالعنف الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي والثقافي والرقمي والابتزاز الجنسي والاتجار بالبشر.
وتقول الاحصائيات إن المجلس ولجانه الجهوية تلقوا 152 شكاية، إلا أن العديد من النساء الناجيات من العنف لازلن يفضلن الصمت وعدم التبليغ عن العنف المرتكب سواء في الفضاء العام أو الخاص. وقد تراوحت مواضيع هذه الشكايات بين التعرض للعنف الزوجي وإسقاط الحضانة والطرد التعسفي مع التعنيف من طرف المشغل، والتهديد والاعتداءات الجنسية، فضلا عن نزاعات معروضة على القضاء.
مديرية الأمن توصلت بآلاف الشكايات حول العنف ضد النساء
وحسب المعطيات التي تلقاها المجلس من المديرية العامة للأمن الوطني بتاريخ 24 مارس 2023، بلغ عدد الشكايات المتعلقة بالعنف ضد النساء المسجلة لدى مصالح الشرطة للمديرية العامة للأمن الوطني خلال سنة 2022ما مجموعه 75.434 شكاية، فيما بلغ عدد الشكايات المتعلقة بالأطفال، بما في ذلك الفتيات، ما مجموعه 10502من بينها 2967 قضية تتعلق بالعنف الجنسي. فيما سجلت النيابات العامة خلال سنة 2022 ما مجموعه 96.726 شكاية تتعلق بالعنف ضد النساء، تمت معالجتها، حيث تمت المتابعة في 20.834 قضية.
وهنا لابد من الإشارة إلى أهمية تجريم الاغتصاب الزوجي بنص خاص في مشروع تعديل القانون الجنائي والإعمال الأوسع لتدابير الحماية المقررة في قانون محاربة العنف ضد النساء.
ولاشك أن من بين أهم المطالب، هو الحد من تفشي ظاهرة تزويج الطفلات بمجموعة من الجهات وخاصة جهة درعة - تافيلالت وجهة مراكش - أسفي. ورغم أن الإحصائيات الرسمية تؤكد انخفاض عدد عقود تزويج الطفلات المسجلة بالمحاكم، إلا أن هناك مخاوف جدية من أن تأخذ هذه الزيجات صورا أخرى ملتبسة، من قبيل زواج الفاتحة.
هناك أيضا استمرار العراقيل التي تحول دون فعلية المساواة وعدم التمييز في ولوج الناجيات من العنف إلى سبل الانتصاف نتيجة عوائق قانونية وأخرى ثقافية تتمثل أساسا في الافتقار إلى المعرفة بالحقوق والإجراءات القانونية أو طرق الولوج إلى المساعدة القانونية والقضائية والوصول إلى المعلومات. كما أثار الانتباه إلى الصعوبات المالية التي لا تزال تحول دون جبر الضرر في غياب صندوق أداء التعويضات المدنية المحكوم بها، في حالة عجز المحكوم عليهم على الأداء وعدم وجود ما يحجز.
كما أن إدخال تعديلات على مدوّنة الأسرة أصبح ضرورة ملحة لملاءمتها مع الدستور ومع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة وحذف كلّ النصوص التمييزية بما في ذلك التمييز الذي يعاني منه الأطفال المزدادون خارج مؤسسة الزواج والأمهات العازبات، والتمييز الذي يواجه النساء في موضوع الولاية على الأبناء، والتبعية للأب في الحماية الاجتماعية دون مراعاة المصلحة الفضلى للطفل كما هو منصوص عليه في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، وحذف المقتضيات المتعلقة بتزويج الطفلات ومراجعة نظام المواريث الذي تسهم بعض تطبيقاته في تعميق ظاهرة تأنيت الفقر.
إعلان الرباط..المدونة بين الإصلاح والمدونة
وأود أن أذكر أيضا في هذه الورقة بما سمي ب «إعلان الرباط» الذي نتج عن المناظرة الوطنية حول موضوع «المغرب بالمؤنث» مدونة الأسرة بين استعجالية الإصلاح والمقاومات الثقافية والاجتماعية"، الذي نظمته مؤسسة التواصل الدولي بتعاون مع المركز الدولي للديبلوماسية وبدعم من مؤسسة «فريدريش نيومان» من أجل الحرية، يوم السبت 25 فبراير 2022 بالرباط.
واستحضر الإعلان في ديباجته جميع خطابات محمد السادس بشأن تعزيز حقوق المرأة.
بما في ذلك الخطاب الذي وجهه إلى الأمة بمناسبة الذكرى 23 لعيد العرش المجيد، والذي دعا فيه إلى إصلاح المدونة، من منطلق أن "الأمر هنا، لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية، وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية"، وتأكيده في الخطاب نفسه بأن «مدونة الأسرة ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة، وإنما هي مدونة للأسرة كلها». وهذا ما أبرزه «إعلان الرباط» في ديباجته أيضا بأن روح إصلاح مدونة الأسرة يجب أن تضمن التوازن بين الشرعية الدينية والانفتاح على الحداثة.
ودعا الإعلان ضمن توصياته إلى تشجيع ولوج النساء إلى مواقع القرار وإلى ملاءمة المدونة مع القوانين والمواثيق الدولية ومع دستور 2011 ومع مقتضيات النموذج التنموي الجديد.
كما شدد على ضرورة تكثيف الجهود من أجل محاربة الصور النمطية التي تضر بصورة المرأة، وكذا تغيير بعض مصطلحات المدونة التي تتضمن تمييزا ضد النساء، وذلك بإعمال مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في كل فصول المدونة.
وتضمن "إعلان الرباط" أيضا المطالبة بإضفاء الطابع المؤسساتي على الوساطة الأسرية.
وانطلاقا من الاعتماد على تحليل متقاطع للقوانين وإكراهات تطبيق مدونة الأسرة، دعا الإعلان إلى حذف الفصل 148 من مدونة الأسرة الذي يعتبر النسب غير الشرعي غير ذي أثر بالنسبة للأب. كما طالب بالمنع الكلي والنهائي لتزويج القاصرين دون 18 سنة وحذف الفصلين 20 و21 من مدونة الأسرة.
أما بالنسبة للوصاية الشرعية، فقد أكد الإعلان على ضرورة جعلها حقا مشتركا لكلا الوالدين في حالة الزواج أو الطلاق بما يخدم مصلحة الطفل أولا، داعيا في سياق مرتبط إلى تعويض الفصلين 173 و175 من مدونة الأسرة بفصول تسمح للمرأة المتزوجة مرة ثانية من الحصول على الحضانة المشتركة، مع تحديد تعريف دقيق لشروط الحضانة.
كما اقترح الإعلان وضع إصلاح يحدد بدقة مبلغ النفقة الغذائية باحتساب مداخيل الوالدين بشأن النفقة الغذائية.
وبالنسبة لاقتسام الممتلكات بين الأزواج وبالنسبة لاقتسام الممتلكات بين الأزواج، فقد تضمن الإعلان الدعوة إلى وضع ميكانيزم لضمان حق كل من الزوجين في الممتلكات المشتركة.
وهنا يتأكد أن رسالة الملك في شتنبر 2023 لرئيس الحكومة بتشكيل لجنة لوضع مشروع مدونة جديدة، هو استمرار لخطاب العرش 2022، الذي كان بلا شك استجابة لنبض المجتمع المغربي وتحولاته، وتجاوز كل الاختلالات والسلبيات التي كشفت عنها التجربة السابقة لتطبيق المدونة.