Sunday 15 June 2025
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: هل من حكامة لتدبير العمل السياسي.. نخب ضد التنمية 

إدريس الأندلسي: هل من حكامة لتدبير العمل السياسي.. نخب ضد التنمية  إدريس الأندلسي
نعيش فترة ضياع سياسي بكل ما لهذه الكلمة من معنى. هدر الزمن المتعلق بالشأن العام أصبح مقبولا ومتفق على مردوديته لضمان المواقع والمنافع. تمت السيطرة على كل المؤسسات الترابية بسهولة خرافية. وصل الفاشل دراسيا إلى البرلمان ولرئاسة جهة وإقليم ومدينة. وكل هذا يجري في ظل خطاب متداول في أجهزة الدولة والحكومة والأحزاب على ضرورة تخليق الحياة السياسية واستراتيجية التمكن من فتح الأبواب أمام نخبة شابة وذات تكوين لكي ترفع من شأن التدبير العام إلى مستويات تليق بمضامين التوجيهات الملكية للوصول إلى مستوى اقتصادات الدول الصاعدة. الكذاب الأشر له مطلق الحرية ومطلق التصرف في القرار ومطلق تبخيس الثقافة وقيم التعليم و التربية. مشهد كهذا يمشي الهوينا ولا يبالي.  ولكن الوطن فوق منطق اللامبالاة والحاجة كبيرة إلى وعي عميق بشروط  العبور إلى مرحلة متقدمة وشاملة للتطور والتنمية الاجتماعية والثقافية والفنية والإقتصادية. 
حين أتفحص المشهد السياسي، أفقد كل طموحاتي لأرى بلدي يسارع الخطى في إتجاه الصعود الاقتصادي. أخجل كثيرا حين أتابع ما يجري بالبرلمان الذي كان مصنعا لرجالات السياسة وأصبح مرتعا لأشباه السياسيين وجزء كبير منهم متابع قضائيا و قادة العمل السياسي الذين أصبحوا  وأصبح  الحمد لله غدوا أصحاب قرار. أصبح كذلك رؤساء فرق كرة القدم نوابا للرئيس وتكوينهم الرياضي لا ينم عن وعي بأهمية الرياضة  وبالأحرى بأهمية السياسة. أصبح الجهل بالسياسة الثقافية عنوانا على مسايرة موجات تبخيس الثقافة. وكاد الجهل بالسياسة والثقافة والتاريخ أن يصبح الوسيلة المثلى لتحمل المسؤوليات الوزارية والسيطرة على قيادة العمل الحزبي بالسطوة والمال وتجييش الكائنات الانتخابية الهجينة والبعيدة عن الأصالة. هكذا أستمر النموذج الذي أرساه الوزير الأكبر الراحل إدريس البصري منهجا في تلوين النخب سياسيا وإخضاعها لمسايرة  كل الاختيارات وانخراطها في كل  المناورات وقدرتها على صنع الحدث. قد نستسهل دورها اليوم وقد نفتقد لوسائل ضبطها مستقبلا. 
خضعت شخصيات كثيرة من اليسار  والوسط وشيء مما يمكن أن نسميه اليمين لخطاب سماه أصحابه " بالديمقراطيين الجدد أو القدامى". الأمر تم تسويقه على أنه بناء سياسي لمواجهة المد الإسلاموي. وبعد شهور  تبين أن الأمر يتعلق بتجديد ما مضى من تجارب لإعادة إنتاج "جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية"  و تجربة "التجمع الوطني للأحرار " وتجربة " الإتحاد الدستوري". فشلت قيادات هذه التجارب المصطنعة وغابت عن الساحة كما حصل لأحمد رضا كديرة وللمحجوبي أحرضان  وللخطيب ولأحمد عصمان  ولأرسلان الجديدي وللعديد ممن لبسوا جبة التغيير عبر حزب الأصالة والمعاصرة كبن عدي والدكتور بيد الله والباكوري وبنشماس وإلياس العمري ومن المحامي وهبي واللائحة مرشحة لتتجدد وفقا للقرار... ولصيرورة قد لا تخضع للذكاء الاصطناعي. 
وتستمر الاخفاقات في صنع الأحزاب والكائنات الحزبية  ويستمر معها الفشل في ربط التطور بالتنمية. نعم سجلنا سياسة ملكية غيرت وجه المغرب اقتصاديا. والكل يعترف بالمنجزات في مجال الطرق والموانئ  والمطارات وكل البنيات التحتية. ولكن هذا التطور الكمي لم تصاحبه تنمية الإنسان المغربي. نتكلم هنا عن التعليم و الثقافة وإدماج العالم القروي في منظومة  التثقيف والتربية  والولوج إلى كافة الخدمات. في زمن خلا، كانت القوافل السينمائية تجوب القرى  والمدن. كانت القوافل الصحية تغطي كافة مكونات الخريطة المدرسية وكانت المخيمات الصيفية تستقبل أعدادا كبيرة من الأطفال والشباب وتؤطرهم تربويا ووطنيا.  
وزراء اليوم ينظرون إلى الثقافة  والتربية الوطنية عبر المخيمات بعقلية المدبر التقنوقراطي الذي لا علاقة له بالشأن التربوي. من عاش تجربة المخيمات سوف يقدر كلمة كبيرة وعميقة المعنى وهي أن  المخيم  "مصنع للرجال ". تم مسخ المخيمات ودور  الشباب والأنشطة الثقافية و مشاريع القراءة للجميع وجمعيات الاوراش الشبابية التي لا علاقة لها بمحاربة البطالة.  تم تبخيس ضخامة  ونوعية  عطاءات مسرح الهواة الذي كان منبعا للفكر الخلاق  وللإبداع الفني عالي المستوى. من رحم هذا المسرح ولدت التجربة الغيوانية ومسرح عبد الكريم برشيد الاحتفالي وتعاطى الشباب مع قضايا الوطن بجرأة قادتهم إلى سجن مكناس بعد مهرجان كانت العيون تتصيد  ما يشبه هفواته "الخارجة عن النص". الثقافة يا ساسة هذا اليوم البئيس هي الوسيلة الوحيدة لكي تلتقي مشاريع البنيات التحتية بمشاريع البنيات الثقافية والعقلية والنفسية. حين نبني الطريق نسعى للاستجابة لحاجيات مواطن ولكن أيضا لكي نجعله يتعامل معها ومع كل المرافق العمومية بكثير من الوعي بأهميتها.  وهذا الطموح المشروع لا يمكن أن يحصل في وجود "نخبة" لا تفقه ثقافيا  وهمها اغتناء سريع و وصول أسرع إلى مراكز القرار.  هؤلاء  هم أعداء للوطن ويجب التخلص منهم بالقانون أمام المحاكم وسد الطريق أمامهم لكي لا ينفذوا إلى المسؤولية العمومية. قد نبني كل السدود والقناطر والطرق السيارة وقد نجد صعوبة كبيرة في بناء المواطن. الثقافة والتربية لزرع قيم في عمق تربة الوطن هي الضمان لتحويل الثقافة و التربية إلى آليات للتغيير  من أجل رفعة الوطن. 
وهكذا يمكن خلق الأمل في غد أفضل لتغييب تلك الكائنات الغريبة والمستفزة والمستغلة لخيرات الوطن بدعم من قوى متحكمة في كل القرارات. لقد أصبح من اللازم مناصرة رغبة المواطن في التغيير الحقيقي. المغرب واحد  لشعب واحد وتوزيع عادل لخيراته. كفى من الامتيازات الطبقية وكل ما يعيق التنمية الحقيقية لبلادنا العادلة. كل ما يعيق هذا المشروع لا يمكنه إلا أن يؤجج الاحتقانات الإجتماعية التي تعكس غياب و ضعف العدالة الإجتماعية. بلادنا في حاجة إلى المزيد من الإصلاحات لكي تتم محاربة المتطفلين على السياسة وعلى منظومة العدالة وعلى كل الحالات التي تعصف بالقوة الشرائية للمواطنين. الثقافة الديمقراطية ليست شعارا ولكنها حلا لمواجهة عنف من يستغل الوطن والمواطن.  الخطر على الوطن لا يشكله العامل والطالب والفلاح ولكن العابثون بالوطن هم من يعيشون على الريع  والرشوة والامتيازات  ومقايضة مواقفهم بالاستفادة من الريع. لنا جنود مرابطة على الثغور صامدون ومكتفون بالقليل من الماء والخبز لكنهم يحملون الوطن في قلوبهم ولا يساومون. قال الشاعر عند نهاية فيلم " كفر قاسم " الذي أعاد تمثيل مجزة ضد عزل في هذا " الكفر": إنني عدت من الموت لأحيا وأغني إنني مندوب جرح لا يساوم 
علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي فأقاوم."
فلنقاوم كل من يعبث بالمصالح العليا للوطن  و يعمل على خلق الكراهية في قلب المواطنين المحبين لوطنهم.  لا يريدون الرفاهية  والقصور وإنما حد مشروع للعدالة الإجتماعية. الوعي بضرورة الثقافة أعلى درجات الوعي.