Thursday 19 June 2025
كتاب الرأي

عبد الله الكوا: كان ينظر إلى الفم الجميل والشفتين .. على أنها كالعورة تستلزم الستر..

عبد الله الكوا: كان ينظر إلى الفم الجميل والشفتين .. على أنها كالعورة تستلزم الستر.. عبد الله الكوا
كنت مدمن دخان، تعلمته زمن كان الدخان يعتبر رمزا للرجولة، وكنت قد بدأت من أعقاب السجائر التي كان يترك الوالد رحمه الله، التبغ الأسود الذي يمنح للجندي، وقد خصص للعلبة غلافا جلديا يحملها، ملون بفنية الصناع التقليديين، بدأت التدخين خفية، وما لبث ان انفضح الأمر، فكم عقوبة خضعت ومن الدار والمدرسة والأقارب، لفظا وضربا أحيانا، رغم الإخفاء لأن كل مخفي في الآخر، لابد أن يفضح، فقد قال بعض المتصوفة " إن السر لايوجد، إذ كل سر بطبعه تواق إلى الإكتمال، فما يسمى سرا هو شيء موجود في الأصل، وكل موجود لايكتمل وجوده إلا إذا أصبح معلوما، وبذلك يصبو السر الى الكشف ليعلن ..".فلا يمكن اعتبار السر المشترك بين اثنين سرا كما قد يوهمك من يسر عليك (سرك في بير) كلام فارغ، أول خرق للسر هو تداوله بين اثنين، أما إذا بقي في ذاكرة واحدة، أو فؤاد واحد فهو موجود يبحث عن وجوده واكتماله الملح الضاغط.. انتصرت على عادة التدخين، لكن سرعان ماكنت أعود إليه، ولكن لما بدأت أدرس، عرفت أن مداعبة عقب السجارة بين الشفتين، ليس في بعض الأحيان سوى دلالة على التوتر، وأن الرغبة في التدخين المتكرر، حسب التحليل النفسي، هو عبارة عن رغبة جنسية لاشعورية صعب تصديقها، ترتبط بلذة الشفتين، ألم يحلل فرويد رغبة الطفل الدفينة في امتصاص ثدي أمه، بعقد فطرية ضرورية بلاشعور المولود الذي يتوجه تلقائية إلى الإمتصاص والمص، تجعل الذكر يميل إلى أمه برغبة لا شعورية، ورغبة في قتل الأب رمزيا أو على الأقل منازعته في حق تملك أمه الأنثى ...لما عرفت أن الدخان متذوقا بحلاوة، رغم أنه مجرد دخان مر قاتل، هو شبيه بالتقبيل لشفتي انثى شبقية محبوبة، رغم ما للفم من رمزية  جنسية، لذلك كان المرابطون يغطون أفواههم بلثام، والنساء تتنقبن أمام الرجال، إذ  كان ينظر إلى الفم الجميل والشفتين في بعض الثقافات الشعبية على أنها كالعورة تستلزم الستر والإخفاء ...
أما وقد، اطلعت وأصبحت أومن بأن المرء عليه أن يقرر ما يريد وما لا يريد بإرادته، وعن وعي، وإلا لماذا سمي الإنسان كائنا عاقلا؟ 
من هنا خاطبت السيجارة ذات سنة 1998، كيف لي أن أعشق الدخان، اأكون غير متزن جنسيا، لأعكس هذه الرغبة في ملامسة عقب السيجارة بفم مشتاق يتلذذ بالسم القاتل، ويحك ايتها السيجارة / الدخان المرة، سأضع حدا لهذا السلوك المتكرر، لأنه إنما يبين ضعفا وليس غير !!! كل الرغبات حتى الجنسية لا ترغب سوى في التلذذ بأماكن هي في الأصل نتانة، أو دخان، أو مرارة، أو برودة لكنها موضع بحث عن الدفء!!
انهيت السيجارة، وقطعت معها قطعا واعيا، بأنهم المدمنون وحدهم، من يعيش رغبة دفينة لا يمكن تفسيرها إلا بما فسرها بها علماء النفس ....