السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

محمد عطير مُولْ "رِيحْةْ اَلدَّوَّارْ" يحكي مسار حياته ببرنامج "هَكْذَا بْدِيتْ" (2)

محمد عطير مُولْ "رِيحْةْ اَلدَّوَّارْ" يحكي مسار حياته ببرنامج "هَكْذَا بْدِيتْ" (2) الفنان محمد عطير

استضاف الإعلامي الزميل سعيد ياسين معد ومقدم البرنامج الأسبوعي "هَكْذَا بْدِيتْ" بالإذاعة الوطنية، الفنان الكوميدي والإعلامي محمد عطير، حيث استرجع في حواره معه، بعض الأمكنة والفضاءات من عالم الدار البيضاء، وبداياته الطفولية بالإضافة إلى مشواره الدراسي والفني ومختلف أنشطته الإبداعية، والوقوف عند ممارسته للإعلام الإذاعي من خلال برنامجه المتميز "رِيحَةْ اَلدَّوَّارْ".

إن تجارب وتراكمات الفنان الكوميدي محمد عطير في الميدان الفني صنعت منه نموذج المبدع الناجح، الذي استطاع أن يلج من باب النجومية ليعانق جمهوره الواسع في كل ربوع المملكة عبر برنامجه الإذاعي المتميز "رِيحْةْ اَلدَّوَّارْ" الذي يستقطب منذ ما يقارب 13 سنة مختلف شرائح المجتمع المغربي.

الصحفي حسن البصري... بوصلتي الإعلامية

في هذا السياق أوضح ضيف برنامج "هَكْذَا بْدِيتْ" للمستمعين بأن الفنان المبدع لابد أن يتأثر بالوسط والمحيط الذي يحتك به ويتفاعل معه، إما سلبا أو إيجابا. لذلك فإن ضيف البرنامج يعتبر نفسه كان محظوظا جدا، بحكم أنه احتك بأعز رفيق وصديق وهو الصحفي الزميل حسن البصري الذي كان له الفضل الكبير على مستوى التعرف عن قرب على الوسط الصحفي والإعلامي، ونسج علاقات صداقة بالعديد من الأسماء اللامعة في الميدان، والاطلاع على مختلف أجناس الكتابة الصحفية وتقنياتها، من خلال تتبعه وإطلاعه على أغلب الجرائد والصحف اليومية والأسبوعية، وقراءة كتابات ومقالات عمالقة وجهابذة الصحافة المغربية في جميع تخصصاتها.

وشدد الفنان محمد عطير في مداخلته عبر الأثير على أن امتلاكه لآليات مهنة الصحافة مكنته من معرفته ماذا يريد الصحفي أو الإعلامي؟ وكيف يوظف أسلحته لتحقيق هدفه؟ وبالتالي صنعت منه الإعلامي الإذاعي المتفوق في مساره الفني من خلال برنامجه الإذاعي "رِيحْةْ اَلدَّوَّارْ".

طبعا الاحتكاك بالصحفي حسن البصري الذي اشتغل بالعديد من المنابر الصحفية كان له الوقع الإيجابي على شخصية الإعلامي معد ومقدم برنامج "رِيحْةْ الدَّوَّارْ" الفنان محمد عطير، الذي كان مواظبا على قراءة جريدة (الاتحاد الاشتراكي) والتي كان مطلعا وملمّا بمحتويات صفحاتها، وبالأقلام التي كان يتابع كتاباتها كل يوم، وعلى وجه الخصوص صفحة الكلمات المسهمة لصاحبها الدكتور عبد القادر وساط (أبو سلمى).

أخشيشن وكمال لحلو وحكاية إدماج محمد عطير ضمن الفريق الإذاعي

يستطرد عطير في سرد مساره على مستمعي برنامج "هَكْذَا بْدِيتْ" ليؤكد بأن المنعطف الحقيقي، ومفترق الطرق في مساره الفني والإعلامي وقع يوم تقديمه فقرة في حفل تكريم الأستاذ أحمد أخشيشن بقصر المؤتمرات بمدينة قلعة السراغنة، علما أنه كان متعاقدا (بمقابل مادي) وملتزما بتنشيط حفل فني أخر في نفس التاريخ بمركب مولاي رشيد بالدار البيضاء (17 نونبر 2007)، لكنه قرر أن يختار التطوع والذهاب إلى قلعة السراغنة.

الجميل في الحدث يقول عطير بأنه لم يكن له سابق معرفة بالمحتفى به الأستاذ أحمد أخشيشن، الذي تدرج في مناصب عدة مؤسسات وطنية وجهوية، وكان من بين فقرات برنامج حفل التكريم، مساهمة كل من الإعلامي عتيق بن شيـر الذي تفضل بإلقاء كلمة بالمناسبة، والفنان عمر السيد (مجموعة ناس الغيوان) أدى أغنية "النَّحْلَةْ شَامَةْ"، والممثل عبد الله فركوس الذي أدلى بدلوه. لكنني بعد أن أنهيت كلمتي تقدم نحوي المدير العام للإذاعة الإعلامي كمال لحلو، وقال لي بالحرف "أريدك أن تشتغل معي في الإذاعة". في تلك اللحظة ـ يقول عطير ـ تعرفت على الأستاذ أحمد أخشيشن، والذي أسر لي بأنه هو من أوعز لكمال لحلو بضمي إلى فريق العمل الإذاعي.

"رِيحْةْ الدّْجَاجْ" ألهمت محمد عطير ليقرر اسم برنامج "رِيحْةْ الدَّوَّارْ"

التحق محمد عطير بالعمل الإذاعي كمنشط مساعد...وبعد قضائه فترة وجيزة رفقة الفريق الإذاعي، اقترح عليه رئيس البرمجة الصحفي خالد الكيراوي بأن يصنع لنفسه برنامجا خاصا به، يليق بمقامه وبمرجعية ثقافته البدوية.

بألق كبير، استحضر ضيف البرنامج كيف عقد اجتماعا أوليا مع الصحفيين خالد الكيراوي وحسن البصري لوضع الخطوط العريضة لتصور وهدف البرنامج الإذاعي والبحث عن اسم يليق بمواضيعه الاجتماعية ذات الصلة بالتراث والموروث الثقافي الشعبي وعمق البادية المغربية.

 الجميل في حكي الفنان والإعلامي محمد عطير، أن اسم البرنامج لم يكن على البال نهائيا، وكان لابد من وضع بصمة خاصة تميزه عن باقي البرامج الإذاعية، لكن بعد أن ودع زميله حسن البصري بالقرب من مقهى الزهور، واجتاز شارع الجيش الملكي إلى حدود مدار درب مولاي الشريف، حيث هاجمته رائحة (الدّْجَاجْ) التي تفوح من جنبات (الْبَاطْوَارْ) فحضرته فكرة اسم البرنامج "رِيحَةْ الدَّوَّارْ"، فسارع إلى مهاتفة الصحفي حسن البصري ليزف له الخبر. حيث وافقه الرأي بقوله "ونعم الاختيار"، فكان التأشير على البداية السهلة الممتنعة، والصعبة المنال. حسب ضيف برنامج "هَكْذَا بْدِيت".

عُدَّةْ التسجيل والبحث عن موضوع الحلقة الأولى

اندهاش وحيرة تملكتا الفنان محمد عطير لما تسلم وسائل عمله الإذاعي الجديد، حيث قال: "تسلمت آلة تسجيل عبارة عن حقيبة، لا أعرف كيف أشغلها، ولا كيف سأشتغل، ورغم ذلك كنت حريصا أن أبدأ وحدي دون أن أخلق متاعب للآخرين. فكانت أول خطوة تتعلق بزيارة أحد عشاق الخيل بنواحي طِيطْ مَلِّيلْ، لكن لما وصل رفقة أحد الأصدقاء لعين المكان فوجئ بأن المعني بتسجيل الحلقة الأولى غير متواجد لأسباب مهنية.

كاد القلق أن يستبد بمحمد عطير، لكنه قاوم هاجس الخوف من الفشل واختار أن يتوجه بنصيحة من أحد أصدقائه نحو سوق الجملة بالدار البيضاء، و بوصوله للنقطة المحددة بادر بمفاتحة أحد الأشخاص عن سبب مجيئه وهدفه...لكن توقيت تواجد "مُولْ رِيحْةْ الدَّوَّارْ" بسوق الجملة (الثانية بعد الزوال) لم يكن مناسبا لتنفيذ مهمته الإذاعية، حيث أوصاه ذلك الشخص بالمجيء في اليوم الموالي على الساعة الثانية صباحا (مْعَ لَفْجَرْ) إن كان يرغب في استجواب مواطنين ينحدرون من البادية. (سِيرْ أَوَلِيدِي حْتَى لِلصْبَاحْ مْعَ الجُّوجْ وُجِي).

من سوق الجملة صوب منطقة لَخْيَايْطَةْ

إصرار محمد عطير على تنفيذ مهمته وتسجيل حلقته الأولى، دفعه بإيعاز من صديقه (رشدي) للتوجه نحو منطقة لَخْيَايْطَةْ، على اعتبار أن الساكنة هناك حديثة العهد بالهجرة من البادية للدار البيضاء، واختار أن ينبش في موضوع "السَّرْحَةْ والسَّارَحْ" ويقدم الحلقة لجمهور المستمعات والمستمعين، علما أن رئيس قسم البرمجة لم يمنح الفرصة لمعد ومقدم "رِيحْةْ الدَّوَّارْ" لكي يراكم تسجيل حلقات للبرنامج ثم يشرع بعد ذلك في البث عبر الأثير، حيث وصف الواقعة الجميلة بقوله أن خالد الكيراوي "لَاحْنِي فِي الَبْحَرْ وأَنَا مَا نَعْرَفْشْ نْعُومْ".

هكذا قرر رئيس قسم البرمجة أن يبث الحلقة الأولى من برنامج "رِيحْةْ الدَّوَّارْ" والتي كان موضوعها "السَّارَحْ"، وتلتها حلقة ثانية حول "الزّْوَاجْ" ثم حلقة ثالثة بعنوان "الْعَرْسْ". وبعدها وقف حمار الشيخ في العقبة حسب إفادة محمد عطير. فبادر بالاتصال بزميله وصديقه الذي كان يستشيره ويواكبه في عمله الإذاعي الجديد الصحفي حسن البصري من أجل نجدته. وقال له عبر الهاتف: "وَاشْ هَذَا هُوَ الْبَرْنَامَجْ الذي سأضع به قدمي في الوسط الإعلامي بعد أربع حلقات...؟". ومن تمة حضرت فكرة النبش في الصراع بين قبيلة دكالة وعبدة حول البئر.

"رِيحْةْ الدَّوَّارْ" و صراع دكالة وعبدة على البئر

اعترف معد ومقدم برنامج "رِيحْةْ الدَّوَّارْ" بأنه لولى محيط زملاءه الصحفيين والإعلاميين لما تحقق هذا الحلم واستمرت حياة هذا البرنامج كل هذه السنوات، واستحضر كيف نبهه حسن البصري بالابتعاد عن توظيف الأسطورة في البرنامج، وأنه لابد من العمل الميداني لمقاربة الظواهر الاجتماعية وتفكيكها وتحليلها ميدانيا عن قرب. لذلك أوصاه بالبحث عن موقع البئر، والاستماع إلى شهادات الناس. وهكذا كان، حيث وجد البئر في منطقة خميس الزمامرة بدكالة على الحدود مع عبدة، ومن طرائف هذه الحلقة أن الرجل الذي حضر لتقديم إفادته في الموضوع، وهو بالكاد يمشي مع كبر السن، ف سأله محمد عطير قائلا: "اَلْوَلِيدْ وَاشْ هَاذْ الْبِيرْ قَدِيمْ؟". حملق العجوز في وجهه بنظراته، ورد عليه قائلا: "ضَنِّيتْكُمْ جَايِّينْ تْصَيْبُوا اَلْبِيرْ. سَاعَةْ أَنْتُمَا جَايِّينْ غَا تْسَوْلُوا عْلِيهْ".

اتساع رقعة وتمدد مجالات برنامج "رِيحْةْ الدَّوَّارْ"

بانتشاء قال ضيف حلقة "هَكْذَا بْدِيتْ" توالت حلقات برنامج "رِيحْةْ الدَّوَّارْ"، بتوجيه من العديد من الزملاء من بينهم الباحث الدكتور حسن نجمي، الذي أحال محمد عطير على أسرة الأستاذ بوزيان بمنطقة بن أحمد، حيث اشتغل مع الرائد الفنان الشيخ وَلْدْ قَدُّورْ، فضلا عن بصمة حسن البصري بمنطقة بن مسكين (عَشْرَةْ فِي عْقَيْلْ)، حيث تم تسجيل حلقات جميلة بمنطقة لبروج بمساعدة أساتذة باحثين.

توالى تسجيل الحلقات وتوالى السفر وقطع المسافات الطويلة من منطقة لأخرى ومن مجال لآخر، فحقق البرنامج نجاحا كبيرا، وتمددت رقعة عشاقه من مختلف أنحاء المملكة وتعدى صيته إلى استقطاب مغاربة العالم، واستمر نبض حياته رغم أن محمد عطير كان يظن أن العمر الافتراضي لـ "رِيحْةْ الدَّوَّارْ" لن يتعدى أربع سنوات. لكنه اليوم يؤكد بقوله: "لا أتصور نفسي خارج هذه التجربة. ومن هنا عرفت سر بقاء عمالقة البث الإذاعي حبيسي المكروفون وسحره الفاتن". لذلك أصبح محمد عطير حبيس المكروفون.

شخصية الكوميدي محمد عطير على مستوى الدراما

في سياق متصل أعتبر محمد عطير، أن الأعمال الدرامية التي شخصها تلفزيونيا، تضحك الناس رغم أنها ليست من جنس الفكاهة، (أَنْتَ تَبْكِي وُالنَّاسْ تَضْحَكْ). لكنه أقر بأنها ذات طابع ولمسة كوميدية. واستحضر بعض الأدوار التي ظلت محفورة في ذاكرته بمشاركة الكبار مثل الراحل الفنان محمد بن إبراهيم (زَايَدْ نَاقَصْ)، وأحمد الردّاني، وإدريس حدادي، وحسن مضياف رحمهم الله. ومن بعد شارك في (كَانُوا هْنَا)، مع الفنان حسن فولان، والكبير نور الدين بكر، وبن عيسى الجراري...وجاءت تجربة (مداولة)، التي اشتغل في العديد من حلقاتها. وتلتها بعد ذلك تجربة (جْوَا مَنْ جَمْ) مع الفنان الكبير محمد الجم وأصدقاء آخرين.

وأثنى محمد عطير في لقاءه الإذاعي على الكبير الناقد السينمائي والأستاذ الجامعي مصطفى المسناوي الذي كان له الفضل في مشواره الفني اللاحق بعد أن اكتشف شخصيته القوية أثناء إحدى محطات التصوير. وفي ختام حلقة "هَكْذَا بْدِيتْ"، استحضر أيضا مسلسل (المستضعفون) الذي شخص فيه إلى جانب الفنان رشيد الوالي والممثل ميكيّات، وعاجل، وفلان، وعائشة مهماه، فضلا عن مسلسل (نَاسْ الْحُومَةْ)، وكان آخر عمل درامي شارك فيه هو مسلسل (دَارْ السَّرْبَةْ). ولم يفت محمد عطير أن يبدي اعتزازاه بالفيلم الوثائقي التراثي (عْيُوطْ وُمْكَاحَلْ).

انتهى