الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

برنامج "مدارات":محمد بوخزار" صانع البورتريه وموزع الألقاب

برنامج "مدارات":محمد بوخزار" صانع البورتريه وموزع الألقاب

مشاهد من سيرة البدايات :

في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالإذاعة الوطنية من الرباط ، استضاف الزميل عبد الإله التهاني خلال هذا الأسبوع ، الكاتب الصحفي الاستاذ محمد بوخزار، حيث حاوره حول محطات من مساره الثقافي والصحفي ونشاطه التربوي، وانطباعاته عن العديد من أقطاب الفكر والإبداع والإعلام في المغرب، واصفا إياه في كلمة التقديم ، بأنه رجل ظل يقف على خطوط التماس بين الأدب والصحافة، ويواكب بكتاباته الغزيرة في جنس الصحافة الأدبية، تحولات الزمن الثقافي المغربي، مجسدا ذاكرة ثقافية وصحفية وتربوية خصبة، تختزن مختلف تجليات الفعل الثقافي الحديث بالمغرب، منذ نهاية ستينات القرن العشرين .

وأضاف معد ومقدم البرنامج، أن محمد بوخزار عبر في أزمنة ثقافية وصحفية مختلفة، تخللتها أحداث ووقائع وظواهر وتحولات، ومعها ذكريات ودروس وعبر، تستحق أن نصغي إليه، وهو يمتح من ذاكرته الخصبة، ليروي لنا بعضا منها.

واستطرد الاعلامي عبدالاله التهاني يقول عن ضيف البرنامج ، بأنه في مساره المهني الأساسي ، اشتغل لعقود من الزمن أستاذا بالمدرسة العليا للأساتذة ، ثم بكلية علوم التربية بالرباط ، قادما إليهما من ثانوية مولاي يوسف الشهيرة في العاصمة الرباط أيضا ، مشددا على محمد بوخزار يمثل ذاكرة ثقافية وصحفية وتربوية خصبة ونادرة، وخزانا يحفظ تفاصيل ما شهده المجال الإبداعي والاعلامي والثقافي المغربي، وهو الذي واكب بقلمه تشكل الملامح الأولى للثقافة المغربية الحديثة ، وكان شاهدا على مختلف تجليات الفعل الثقافي بالمغرب ، من ستينيات القرن العشرين إلى الآن.

وعن بداياته قال ضيف البرنامج، بأنه يفضل أن يبدأ بلحظة حصوله على شهادة الباكالوريا كمرشح حر، على اعتبار أنها كانت ذات قيمة رمزية وثقافية، حيث أهلته للولوج إلى الجامعة بكلية الآداب التي كان لها فرع في تطوان (الشهادة التحضيرية، موسم 1964/1965).

وعن قراءاته الأساسية الأولى، أوضح محمد بوخزار أنه قرأ للمنفلوطي وجرجي زيدان ولآخرين، مبرزا أنه كان شغوفا بقراءة الجرائد منذ تعليمه الإعدادي، ومواظبا على الاستماع للإذاعة الوطنية، التي اعتبرها مدرسة أساسية، تعلم منها الفصاحة المعلومات، وتتبع أخبار الساحة الوطنية والأجنبية، ومن ثمة كبر لديه هذا الميل إلى الصحافة.

جيل الثقافة في الاذاعة:

وعن كوكبة المثقفين الذين مروا من الإذاعة في تلك الفترة، تحدث محمد بوخزار عن محمد الخضر الريسوني، الذي اشتغل في إذاعة تطوان ثم انتقل إلى الرباط.

واستحضر أيضا محمد الطنجاوي ومحمد العربي المساري، الذي كانت له تجارب إذاعية، ومحمد بن عيسى والدكتور محمد النشناش، ثم محمد برادة في الاذاعة المركزية بالرباط، قبل أن يلتحق بهم عبد الرفيع الجواهري ومحمد العربي الخطابي، واصفا هذه المجموعة بأنهم شكلوا نقلة نوعية في الإذاعة، وكانت لهم إسهامات مهمة في البرمجة الثقافية للإذاعة الوطنية.

وفي هذا السياق، تحدث بوخزار عن مبادرة فريدة في العالم العربي خلال فترة الستينات، تمثلت في رواية إذاعية مسلسلة بعنوان (ضريبة السعادة) كانت تبث في شهر رمضان، يتناوب عدد من الكتاب على كتابة حلقاتها، وكان كل كاتب يكتب حلقته من السلسلة، ولا يدري المآل الذي ستنتهي إليه مع كاتب آخر، حيث كان يحكم السلسلة منطق سردي غريب، مسجلا أن تلك التجربة الفريدة، سبقت التأليف المشترك بين جبرا إبراهيم جبرا وعبد الرحمن منيف.

- الزمن الثقافي للرباط أو من دار الفكر إلى جريدة "العلم" :

وعن الاجواء الادبية بالرباط خلال فترة الستينات، أوضح محمد بوخزار أن العائلة الثقافية كانت محدودة عدديا، وكانت تلتقي في " دار الفكر " بشارع علال بن عبد الله مساء كل يوم أربعاء، وهي الدار التي عمل فيها بنفسه مدة سنتين، حيث تعرف على شخصيات ما كان يحلم برؤيتها، مثل الاستاذ المرحوم عبد الله إبراهيم.

واستحضر بالمناسبة أنه كتب تغطية لجريدة " العلم"، عن الجلسة الفكرية التي قدم فيها الأستاذ عبد الله العروي كتاب "النقد الذاتي" لعلال الفاسي، وكان حدثا كبيرا في ذلك الوقت. وشرح كيف أن عبدالله العروي شرع يفحص ويشرح كتاب "النقد الذاتي " بطريقة جديدة، كأن الحاضرين يسمعون أشياء لا يعرفها أحد، لأن الناس كانوا بنظره، ويقرأون كتاب "النقد الذاتي" قراءة سريعة، لكن عبد الله العروي أخرج من الكتاب، منظومة فكرية رائدة في ذلك الوقت .

وعن بعض إنتاجاته في مجال الصحافة الثقافية، أوضح بوخزار أنه حاور وبشكل جيد، كثيرا من الشخصيات الثقافية المهمة، ضمنهم بيدرو مونتافيس وهو مستشرق إسباني، وغارسيا كوميز الدارس الأندلسي الكبير، وكان عمره إذاك 84 سنة، إضافة إلى المستشرق اليوناني فاتيكيوتز ، فضلا عن العديد من الأدباء العرب والمغاربة ، سواء في جريدة "الشرق الأوسط" أو جريدة "الاتحاد الاشتراكي" .

- الولع بكتابة البورتريه الصحفي :

وعن تجربته في كتابة البورتريهات الصحفي حول شخصيات سياسية، وابداعية ، وديبلوماسية، أبرز محمد بوخزار بأن هذا اللون الصحفي يعجبه كثيرا، وهو يتيح له معرفة الشخص وعندما يقتنع بأنه جدير بالبورتريه، يقوم بطبخ الفكرة في ذهنه، حتى تخرج في أسلوب وفي ثوب لائق ، مشيرا في هذا الصدد إلى ما كتبه عن محمد عزيز الحبابي، ومحمد عابد الجابري، ومحمد بن شريفة، والأخضر غزال الذي كان أستاذا له ، مضيفا أن هناك شخصيات أخرى كتب عنها ولا يعرفها معرفة شخصية، مثل المؤرخ المرحوم عبد الوهاب بنمنصور، ومعتبرا أن هذا اللون الصحفي ، قليل جدا في الصحافة المغربية، منوها بالمناسبة بالكاتب المغربي محمد الهرادي، الذي قال عنه بأنه من الكتاب الجيدين للبورتريه الصحفي، وأنه يكتب بنفس منهجيته، بحيث يقرأ عن الشخص ، ويتعمق فيه ويتقصى أخباره ، ثم يكتب عنه .

وكشف محمد بوخزار عن اعتزازه بهذا اللون من الكتابة، وأنه راض عنها إلى حد كبير، مشددا على أنه يكتب البورتريه، بخلفية الإنصاف والاعتراف.

- محمد بوخزار الاستاذ ورجل التربية :

وعن مساهمته كأستاذ في وضع بعض المناهج الدراسية، أكد بوخزار أن تلك العمل كان ورشا مهما، وأنه مدين به للأستاذ مبارك ربيع، باعتباره رجل تربية ورجل أدب بامتياز وإنسان، واصفا إياه بأنه من الناس الذين يوثرهم في حياته، لأنه هو الذي اقترح اسمه على قسم المناهج بوزارة التربية الوطنية، مستحضرا في هذا السياق أنه كان خلال فترة الثمانينات ، ضمن مجموعة من الأساتذة الجامعيين والمفتشين التربويين، منهم الكاتب مبارك ربيع والشاعر المرحوم مولاي علي الصقلي ، والاستاذ المرحوم إدريس السغروشني، حيث قاموا بإعداد السلسلة التعليمية "قراءاتي" للتعليم الابتدائي ، والتي جاءت بعد سلسلة " إقرأ " للمرحوم أحمد بوكماخ.

 

وعن أثر الثقافة الاسبانية في شخصيته الصحفية والثقافية، اعتبر بوخزار أن الاذاعة ساهمت في تكوينه بالإسبانية إلى حد كبير، حيث كانت الإذاعة مدخلا للمجتمع الإسباني. وهو مجتمع بطبيعة الحال متنوع وتعددي، مسجلا أنه بدأ يهتم بالمشهد الاسباني كمتابع، وأنه لا يدعي كونه متخصصا فيه مثل الأستاذ المرحوم محمد العربي المساري.

وأضاف يقول بأنه متابع يرصد حدثا ويحاول أن يحلله من زواياه، وأن ينجز تركيبة إعلامية بالدرجة الأولى، تفيد القارئ وتطلعه على ما يعتمل في الساحة الإسبانية.

- بوخزار بين الفكاهة والسخرية :

وعن ظاهرة الفكاهة في حياته اليومية، أوضح محمد بوخزار أنه ورثها عن المرحوم والده، الذي كان يعتبر بأن كل من يحيط به، وفيه علامة جاذبة، إلا ويستحق منه لقبا، على أن اللقب دائما لا يكون مؤذيا بطبيعة الحال، معترفا بأنه هو أيضا يسير على نفس النهج، فكل شخصية تعجبه فيها جوانب معينة، إلا ويبحث فيها عن ثنائيات وعن متناقضات. ليخرج منها لقبا، لا يكون جارحا، وإنما يكون فيه نوع من السخرية، مسجلا أنه في غالب الأحيان، يتقبل الشخص المعني اللقب الذي يطلقه عليه، معترفا أنه أحيانا ينتقد بعض الأشخاص، إذا كانت فيهم عيوب، مثل الكبرياء أو شيء من هذا القبيل، وأنه ربما يلسعهم بعدوانية خفيفة مقبولة ولطيفة، مؤكدا أنه قام بإطلاق ألقاب على بعض الناس، فأعجبتهم وصاروا يستعملونها .