الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

عبدالله بوشطارت: متى تخرج الأمازيغية من سقف اتفاقيات "الإطار" ؟

عبدالله بوشطارت: متى تخرج الأمازيغية من سقف اتفاقيات "الإطار" ؟ عبدالله بوشطارت
يبدو أن وزراء الحكومة الحالية لم يعد لهم أي شغل، إلا صعود مصاعد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، (ليركام)، الذي قضى عليه قانون المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وقام بتذويبه داخل ذات المجلس بعد أن تم تحويله وتقزيمه من معهد كبير بميزانية ضخمة، إلى مجرد مديرية مركزية بصلاحيات محدودة جدا تحت وصاية المجلس الوطني. في كل أسبوع يظهر لنا وزير في الحكومة يلتقط صورا مع العميد أحمد بوكوس وهما يرفعان ملف "اتفاقية الإطار"، إلى درجة أن العميد بوكوس ظل يشعر بالإرهاق والتعب الشديد جراء هذا الوقوف المتكرر والتصوير الشكلي الروتيني... كيف لا وأنه ظل يكرر نفس الشيء مع الوزراء في قطاعات حكومية مختلفة منذ سنة 2003.
فبعد كل عملية انتخابية، تتشكل حكومة جديدة، يظهر لنا الوزراء يوقعون اتفاقيات الإطار مع المعهد، وتفشت هذه الظاهرة أكثر بعد ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، فقد تم توقيع هذه الاتفاقيات لتفعيل الترسيم بين المعهد وبين وزراء ينتمون إلى جميع الاطياف السياسية والحزبية، فقد تم توقيعها مع الاشتراكيين والاستقلاليين، والاسلاميين، واليمين والوسط، واليسار ومع أحزاب الإدارة... لكن للأسف تبقى مجرد اتفاقيات مسبوكة على الورق، ولم تنعكس ايجابا على أرض الواقع، وظلت الأمازيغية على حالها داخل الوزارات المعنية والقطاعات الحكومية، تعاني من الجمود التام بعد 11 سنة على ترسيمها، وهو الواقع الذي لم يرق إلى تطلعات المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، الذي خرج عميده بوكوس في تصريحات سابقة يؤكد فيها على أن الأمازيغية تحتاج إلى إرادة سياسية فعلية وحقيقية، وأن ما تحقق للأمازيغية إلى حدود 2021 غير كاف، وأن تدريس الأمازيغية يعيش تعثرات كثيرة... (أنظر حوار بوكوس على موقع اصوات مغاربية في أكتوبر 2021). ويتضح لنا أن المعهد يقوم بعمله وفق التخصصات الموكولة إليه، يمضي في سياسة حسن النية مع الحكومات المتعاقبة ومع وزرائها، يوقع الاتفاقيات... لكن حين تشرف الولاية الحكومية على نهايتها، يظهر أن لا شيء يتحقق لصالح الأمازيغية، بمعنى أن الحكومة والوزراء لا يلتزمون بما يوقعون عليه في سبيل تفعيل الأمازيغية، وربما هذا ما نفهم من كلام عميد المعهد في حديثه عن غياب إرادة سياسية... فالوزراء يوقعون دون الالتزام السياسي والأخلاقي والمؤسساتي والمالي لتنفيذ بنود الاتفاق فيما يتعلق بالأمازيغية، وهذا ما يجعل هذه الاتفاقيات تفتقد للمصداقية والفعالية، وتسقط في الشكلية، ويعطي هذا الفشل المتكرر انطباعا عاما حول كيفية تعامل الحكومات مع الأمازيغية كأنها تدخل في نطاق "الشكليات" ضمن برنامج عمل القطاعات الحكومية.
تكرار نفس السيناريو لعدة سنوات جعلنا نتساءل حقيقة ما مقصود بكلمة "الإطار" الواردة في إتفاقيات "الإطار"، كأنه يوجد إطار ما يتم رسمه للأمازيغية لكي لا تخرج عنه!!!
ويتضح لنا ذلك، بشكل أوضح؛ في اتفاق سابق وقعه وزير العدل في الحكومة الحالية مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بداية هذه السنة، ومن مجمل ما تم التصريح به أثناء توقيع مراسيم اتفاق التعاون بين الوزارة والمعهد، أنه سيتم الإعلان عن مباراة لتوظيف مساعدين اجتماعيين في مجموع 100 موظف أمام خريجي شعبة علم النفس وعلم الاجتماع وخريجي الدراسات الامازيغية للعمل في المحاكم في مختلف الجهات للمساعدة على الترجمة من العربية إلى الأمازيغية، لكن بعد الإعلان عن المباراة تم الاقتصار فقط على حاملي شهادة الإجازة في علم النفس وعلم الاجتماع، دون الدراسات الامازيغية. مع العلم أن الوزير صرح على أن الناجحين من هؤلاء الموظفين 60٪ منهم يجب أن يتحدثوا الأمازيغية، وهذا منطق غير سليم اطلاقا، لأن الوزارة يجب أن تخصص نسبة من عدد المناصب لحاملي شهادة الاجازة أو الماستر في الدراسات الأمازيغية للقيام بالترجمة والمساعدة الاجتماعية والثقافية داخل المحاكم إلى جانب خريجي علم النفس وعلم الاجتماع... وبالتالي يظهر على أن وزارة العدل لم تلتزم بما ورد في روح اتفاق التعاون ولم تنسجم مع روح الدستور وحتى مع ما جاء في البرنامج الحكومي، لاسيما أن رئيسها عزيز أخنوش حضر أثناء عقد الاتفاق بين وزارة العدل والمعهد.
اليوم 6 ماي 2022، المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية يوقع اتفاقية إطار جديدة، هذه المرة مع وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات والتنمية القروية، حول نفس الموضوع اي تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وادماجها داخل المؤسسات والمرافق والمديريات التابعة للوزارة، وبالرغم من كوننا لم نطلع بعد على مضامين الاتفاق والإجراءات المتضمنة فيه، إلا أنه من خلال قراءتنا لمتابعات اخبارية بشأنه، يبدو أن ذلك لم ولن يخرج عن النقاش والكلام العام الذي يقال في الاتفاقيات المبرمة سابقا مع قطاعات حكومية أخرى، مع العلم أن وزارة الفلاحة بدأت منذ شهور في تكوين خلية مركزية للتواصل بالأمازيغية ونظمت دورة تكوينية لفائدة أطرها من أجل دعم قدراتهم التواصلية والتفاعلية بالأمازيغية، وهذه المبادرات التي تقوم بها الوزارة مركزيا جاءت بمجهودات شخصية نتيجة وجود أحد كوادر الحركة الأمازيغية ومنظريها بالمغرب بذات الوزارة وهو المهندس موحا أرحال.
على العموم؛ نأمل أن تخرج هذه الاتفاقيات عن "الإطار" المرسوم لها سلفا، وتعطي نتائج ملموسة وواقعية، من أجل أن تتمتع الأمازيغية لغة وثقافة بكافة حقوقها الدستورية، وأن تحظى بكامل العناية في البرامج والسياسات العمومية، والتخلص من ثقافة الاقصاء المؤسساتي غير المبرر الذي طالما عانت وتعاني منه اللغة الأمازيغية على أرضها وفي وطنها.