الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

عمر أوزكان: قدسية العلم الوطني.. ملاحظات على هامش فضيحة مديرية التعليم بتيزنيت

عمر أوزكان: قدسية العلم الوطني.. ملاحظات على هامش فضيحة مديرية التعليم بتيزنيت عمر أوزكان
عندما يقدم الانفصاليون على الإساءة لرمز من رموز سيادتنا الوطنية، نهب جميعا مستنكرين ومنددين، بل ومطالبين بإنزال أقسى وأقصى العقوبات عليهم، لأنهم أهانوننا وخدشوا كبرياءنا وأصابوا كرامتنا الجمعية في مقتل. لكن أليس فينا نحن غير الانفصاليين، أناسا عاديين أو مسئولين، من يسيء يوميا إلى هذه الرموز السيادية؟ ألا نصادف يوميا أعلاما ممزقة شاحبة الألوان ترفرف في انكسار وهي حسيرة على كثير من بنايات مرافقنا العمومية؟. 

ها هي ذي أمامنا اليوم مديرية التعليم بتيزنيت تعيد إنتاج ذات الجُرم جهرا نهارا وعلى رؤوس الأشهاد، فماذا نحن فاعلون؟ أندفن، كالنعام، رؤوسنا في رمال اللامبالاة كأن المسئول عن هذا المرفق العمومي لم يرتكب شيئا نُكْرًا، ولم يقترف إثما إِدًّا؟ أم ننتفض ونستنكر ملئ حناجرنا ثأرا لكرامتنا المهدورة، وذَوْدا عن حِيَاضِ شعورنا الوطني المُمَرَّغِ في أوحال المَهَانَةِ؟.
 
الخبر والحدث...
قرأنا في وسائل الإعلام الخبر التالي: في سابقة هي الأولى من نوعها على المستوى الوطني، أقدمت المديرية الإقليمية للتعليم بتيزنيت على إزالة العلم الوطني واللافتة الاسمية من الواجهة الأمامية لمدرسة الوفاء الابتدائية، قبيل تنظيم وقفة احتجاجية أمامها من طرف آباء وأمهات وأولياء التلاميذ والمكتب الإقليمي للجامعة الوطنية للتعليم – التوجه الديمقراطي تنديدا بإقدام المدير الإقليمي على التنقيل التعسفي لأحد المساعدين التقنيين، وذلك بغاية تمويه الرأي العام حول هذه الوقفة.
 
في التعليق على الحدث..
هكذا إذن هي الصورة: كي تتمكن المديرية من تمويه الرأي العام، وكي لا يعرف هذا الرأي العام أن الوقفة الاحتجاجية تتعلق بشطط المدير الإقليمي للتعليم بتيزنيت في استعمال السلطة ضد أحد الأعوان البسطاء، لم تر حرجا في نزع اللافتة الاسمية للمؤسسة حيث ارتكبت "الجريمة"، بل وبكل وقاحة رأي وصفاقة فعل، إزالة العلم الوطني كذلك حتى لا يعرف بأن الاحتجاج كان أمام مرفق عمومي. هكذا إذن هي الصورة حين نستجمع أطرافها، حيث أصبحت "نصاعة" صورة المسئول أمام الرأي العام أولى بالعناية من قدسية رمز من رموز سيادة الوطن.
 
في قدسية العلم الوطني
هل أصبح العلم الوطني لدى بعض المسئولين مجرد قطعة ثوب؟ أهو مجرد خِرْقَة صماء أو قماش مصبوغ باللونين الأحمر والأخضر؟ كلا، إن العلم الوطني هو الرمز الأول من رموز السيادة الوطنية، هو الناطق الرسمي بإسم هذا الوطن، ودونما حاجة إلى صوت، في جميع المحافل الوطنية والدولية. إنه رمز الانتماء والولاء للوطن. فيه أودع المغاربة مجمل تاريخهم، هويتهم وعزتهم وإبائهم.

ولأنه رمز لتضحيات وبسالة وكبرياء الأجداد والأحفاد، فإن جثامين شهداء الواجب والوطن إنما تلف في خشوع بهذا العلم. أليس يرفع في الأعالي ليظل مرادفا للشموخ والعزة؟ ألا ينحني له المغاربة، مهما سفلت أو علت مكانتهم الاجتماعية؟ ألا يكفي، عبرة، أن أعلى سلطة في البلاد، جلالة الملك، ينحني له إكبارا وإجلالا؟ إذا كان الملك نفسه ينحني للعلم الوطني، فمن أين اكتسب هذا المسؤول الإقليمي ومن يدور في فلكه هذه الجرأة الزائدة، لا في الانحناء لرمز الأمة، بل في إزالته أرضا من حيث كان يخفق في شموخ؟.
 
قدسية محصنة بالقانون
إن هذه القدسية التي يتمتع بها العلم الوطني في وجدان المغاربة، لم يكن مسموحا لأي كان أن يخدشها أو يهينها. لذلك خصها المشرع بفصل خاص في الدستور، بل أتبع ذلك الفصل بتشريعات كثيرة قصد تحصين تلك القدسية. 
فمن المعلوم أن القانون الجنائي المغربي يجرم إهانة العلم الوطني ورموز المملكة، نلمس هذا التجريم في منطوق الفصل 267 منه الناص على أنه يعاقب "كل من أهان العلم المغربي أو رموز المملكة سواء بالأقوال، الإشارات، الكتابة، الرسوم أو أي وسائل أخرى"، ليحدد بعد ذلك عقوبات هذا الجرم في الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، مع غرامة عشرة آلاف إلى مائة ألف درهم، أو الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا كانت الإهانة خلال اجتماع أو تجمع، مع التنصيص على عقوبات تبعية أخرى.
 
سوابق في إهانة المقدسات
في الواقع لم تكن هذه الواقعة الشنيعة الأولى بالنسبة للمديرية الإقليمية للتعليم بتيزنيت في الإساءة للمقدسات، ذلك لأن سجل المديرية في هذا الباب مُثْخَنٌ بالسوابق التي يترتب عنها القول بالقصدية في الفعل لثبوت حالة العود.

فقد سبق للمديرية الإقليمية أن أصدرت، قبل شهر من الآن، نشرة تواصلية مقرصنة سمتها "رؤية"، وفي هذه النشرة أدرجت صورة رسمية لجلالة الملك تم العبث بمقاييسها حتى أصبحت صورة مشوهة لا تليق بمقتضى واجب "التوقير والاحترام لشخص الملك الذي لا يجب أن تنتهك حرمته".بل إن الوالج مكتب القائم على تدبير الشأن التربوي بإقليم تيزنيت، سيلاحظ حتما مدى استهتار هذا المسئول بالصورة الرسمية لجلالته، وتعنته بل اصراره على ذلك من خلال تتبيثها في زاوية فيها غير مناسبة، وتعمد نشر صور اجتماعاته المتاتالية بنفس الوضعية. إننا بكل بساطة أمام سلوكات تضرب عُرِضَ الحائط، كل التشريعات الناصة على وجوب احترام الرموز والمقدسات التي ارتضاها الشعب لنفسه. 
 
على سبيل الختم
من الطبيعي أن لا يكون المغاربة كلهم على قلب رجل واحد، فتلك سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا. ومن الطبيعي أن يكون بيننا بعضا من لا يؤمن بالملكية نظاما، ولا بالملك رئيسا وإماما. من الطبيعي أن لا يرى البعض في رايتنا مجرد ذكرى للماريشال ليوطي وطيف للاستعمار الفرنسي. بل من الطبيعي أن يكون بين ظهرانينا بعضا مما في قلبه شيء من حتى تجاه رموز الوطن ومقدسات البلاد. لكن ما ليس طبيعيا ولا مستساغا هو أن نقبل نحن، أو يقبل المسؤولون الذين أوكلناهم حراسة معبدنا ورموزنا ومقدساتنا، أن يستغل ذلك البعض مناصبهم الرسمية، التي يصرف عليها من أموال عامة الشعب، ليهينوا رموز ومقدسات السواد الأعظم من هذا الشعب. تعودنا من المغربي السكوت عن كل المظالم التي تلحق جسده، وقوت يومه، لكن لم يُثْبِتْ في حقه التاريخ يوما أن سكت عن الإساءة إلى هويته ورموزه ومقدساته.