السبت 20 إبريل 2024
فن وثقافة

شرّاد يرصد العشق الممنوع في الأغنية الشعبية "اَلسَّالْبَانِي" أو "سَالْبَةْ سَالْبَةْ"

شرّاد يرصد العشق الممنوع في الأغنية الشعبية "اَلسَّالْبَانِي" أو "سَالْبَةْ  سَالْبَةْ" عبد الرحيم شراد مع تمثل لصورة "السالباني"

نص أغنية "اَلسَّالْبَانِي" أو "سَالْبَةْ.. سَالْبَةْ"

سَالْبَةْ سَالْبَةْ

وَسَالْبَنِي يَا بَنْتْ أمِّي

خَطْرِيهَا لِي

بْلَا حْبِيبِي لَا مَنْ جَانِي

أكْتَبْتْ أبْرَيَّا

 وُ قُلْتْ لِيهَا آجِي لِيَّا. واجْبَتْ لِيَّا

مَا نْجِي لِيكْ. مَا تْجِي لِيَّا

دَايْرَا لَحْنَانِي. دَازَتْ عْلِيَا بَلْعَانِي

بْغَاتْ تَلْقَانِي. حِيثْ عَرْفَتْنِي زَهْوَانِي

طَالْقَةْ سَالَفْ بِينْ رَجْلِيهَا يَتْخَالَفْ

واخذا حالف. فِيهْ بُوتَفْتَافْ وُتَالَفْ

 

دَايْرَا خَاتَمْ مَنْ اَلنُّقْرَةْ اَلْأَصِيلِيَّةْ

وَاخْذَا حَاكَمْ. كَيَحْكَمْ بِالشَّرْعِيَّةْ

مْشِيتْ لَبْلَادِي

بَاشْ نْرَيَّحْ شِي شْوِيَا

شَاغْلَةْ بَالِي

 مْشِيتْ الصْبَاحْ جِيتْ فِي لَعْشِيَةْ

خَالْتِي امِّينَةْ شْرَاتْ امِّكِينَةْ

بِعْيُونْهَا تْبَرَّقْ فِينَا

مَا قَدْهَا حَدْ فِي لَمْدِينَةْ

ﯕَالَتْ اَلنَّاﯕَةْ

 لَا دَبْحُونِي يَا لَعْرَبْ يَا قْلُوبْ اَلْجَاهِلِيَّةْ

الله يَا اَلْعَالِي                    

 شُوفْ مَنْ حَالِي ومَنْ حَالْ اَلزِّينْ

لَا تْعَذَّبْنِي لَا تْشَفِّي فِيَّا لَعْدَا

الأغنية تتحدث بلسان شاب عازب، يقيم عند أخته بالمدينة، و سرعان ما يقع في غرام شابة رآها في الشارع، فيطلب من أخته أن تخطبها له، خصوصا أنها قد سلبت عقله بجمالها. وحسب نص الأغنية فالعاشق يوجه الكلام لأخته قائلا: "سَالْبَةْ ! سَالْبَةْ !". ومعنى كلامه المختصر جدا (لقد تملكتني و أخذت عقلي و جوارحي) .

ينتقل الأستاذ عبد الرحيم شراد في هذا المنشور إلى تفكيك وشرح هذه الجملة الشعرية من الأغنية، حيث أوضح قائلا: "سَالْبَانِي يَا بَنْتْ أمِّي (أي يا أختي). خَطْرٍيها لِي (أي اختاريها لي كعروسة). بْلَا حْبِيبِي .لَا مَنْ جَانِي. (أي لا أريد أن أصارحها بحبي وأربط معها علاقة في السر، فأنا أريدها للزواج). هذا ما قاله لأخته.

 أما الحقيقة ـ حسب الأستاذ عبد الرحيم شراد ـ فقد سبق للعاشق/ الشاب أن سلم للفتاة رسالة، لكن جوابها كان الرفض، ويستند الباحث في ذلك إلى كلام الأغنية حيث قال الناظم: "أكْتَبْتْ أبْرَيَّا. وُ قُلْتْ لِيهَا آجِي لِيَّا. واجْبَتْ لِيَّا. مَا نْجِي لِيكْ. مَا تْجِي لِيَّا". من هنا يتضح أن الفتاة قد صدته في بداية الأمر، لكن في اليوم الموالي مرت متعمدة، من أمامه بكل غنج و دلال، والحناء تظهر على كفيها. حيث تغنى بالقول: "دَايْرَا لَحْنَانِي. دَازَتْ عْلِيَا بَلْعَانِي. بْغَاتْ تَلْقَانِي. حِيثْ عَرْفَتْنِي زَهْوَانِي" .

يمضي الأستاذ عبد الرحيم شراد في شرح مضمون بعض كلام أغنية "السَّالْبَانِي"، والتي هي عبارة عن أغنية دويتو أي حوار بين الأخ وأخته، حيث سيوضح موقف أخته التي لم تعترض على طلب أخيها، و ستذهب لكي تخطب الفتاة لأخيها الملهوف، و عند عودتها للبيت تجده في انتظارها لكن بأخبار صادمة.

بعد عودة أخته من زيارة الفتاة سيتوجه إليها بسؤاله: هل رأيت كم هو شعرها طويل؟ فتجيبه بسخرية قولها: "طَالْقَةْ سَالَفْ بِينْ رَجْلِيهَا يَتْخَالَفْ". وكأنها تقول: هل هذا كل ما رأيت يا أخي؟ لتخبره بالتأكيد على أن هذا الزواج مستحيل. لأن المرأة متزوجة.. ودليل الباحث عبد الرحيم شراد هو ما ورد في الأغنية: "وَاخْذَا حَالَفْ" (أي أن زوجها يشغل منصبا أدى عليه قسَمَ الوظيفة). و الجميل في هذه الأغنية الشعبية أنها وصفت الحالة الاجتماعية للزوجين حين أكد الناظم على أن الزوج رجل طاعن في السن (حقيقة إنه عجوز). "فِيهْ بُوتَفْتَافْ وُتَالَفْ". لكنه زوجها على سنة الله ورسوله: "دَايْرَا خَاتَمْ. مَنْ اَلنُّقْرَةْ الْأَصِيلِيَةْ". والخاتم في أصبع المرأة دليل قاطع على زواجها. لم تكتفي أخته بنقل هذه المعلومات بل أخبرته بمهنة الزوج الذي يشتغل في دار القضاء الشرعي، حيث قالت لأخيه: "وَاخْذَا حَاكَمْ. كَيَحْكَمْ بِالشَّرْعِيَّةْ" .

لقد نزل الخبر على العاشق كالصاعقة، وكل حلمه قد كان سرابا في سراب. لذلك فكر أن يعود إلى قريته لعله يجد راحته و سلوته في النسيان، حيث قال في هذا الشطر: "مْشِيتْ لَبْلَادِي. بَاشْ نْرَيَّحْ شِي شْوِيَا". غير أنه سيعود مسرعا في نفس اليوم لأن باله وقلبه مشغول بالمرأة التي أحبها: "شَاغْلَةْ بَالِي. مْشِيتْ الصْبَاحْ. جِيتْ فِي لَعْشِيَةْ" .

وانطلاقا من مضمون الأغنية، سيصل الخبر إلى الجيران وسيصبح حديثا على كل لسان، فالجارة العجوز، سوف تشتري منظارا Des jumelles كي تترصد حركاته وسكناته وهي معجبة بمنظارها: "خَالْتِي امِّينَةْ. شْرَاتْ امِّكِينَةْ. بِعْيُونْهَا تْبَرَّقْ فِينَا. مَا قَدْهَا حَدْ فِي لَمْدِينَةْ" .

أمام ما تعرض له من طرف الجيران، سيشعر وكأنه ناقة النبي صالح التي عقروها، فيقول: "ﯕَالَتْ اَلنَّاﯕَةْ. لَا دَبْحُونِي يَا لَعْرَبْ. يَا قْلُوبْ اَلْجَاهِلِيَّةْ". حيث يختم كلامه بالدعاء إلى الله بقوله: "الله يَا اَلْعَالِي. شُوفْ مَنْ حَالِي ومَنْ حَالْ اَلزِّينْ لَا تْعَذَّبْنِي. لَا تْشَفِّي فِيَّا لَعْدَا".

أغنية جميلة من زمن افتقدناه، لكن للأسف كل من غناها بتر كلماتها وغير عند إلقاء الكلمات معانيها، بل إن منهم من اكتفى فقط بترديد لازمتها أكثر من مرة وانساق وراء تجاوب الجمهور من غير أن يبرز معنى القصة.