الجمعة 19 إبريل 2024
سياسة

بوطوالة: حكومة أخنوش تعكس تحكم الأقلية المسيطرة وهي تقود البلاد نحو الكارثة

بوطوالة: حكومة أخنوش تعكس تحكم الأقلية المسيطرة وهي تقود البلاد نحو الكارثة علي بوطوالة، أستاذ الاقتصاد بالمركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم بالرباط
يرى علي بوطوالة، أستاذ الاقتصاد بالمركز الوطني لتكوين مفتشي التعليم بالرباط، أن المغرب وصل الى مشهد سياسي يعكس تحكم اللوبيات في التوجه الحكومي والبرنامج الحكومي، محذرا من الأرقام التي كشف عنها بنك المغرب بشأن ارتفاع نسبة التضخم.
كما تطرق بوطوالة في حواره مع " أنفاس بريس " الى رفض الحكومة الحكومة لمطلب مراقبة الأسعار ومطلب تحويل أصول شركة " لاسامير " لفائدة الدولة لتأمين المخزون الاستراتيجي من المحروقات، الأمر الذي يكشف – حسب رأيه – أن الحكومة الحالية مجرد لجنة لتدبير شؤون الطبقة السائدة، بدليل أن استجابتها لثمانية مطالب من عشرة مطالب للباطرونا مقابل تجاهل مطالب الشغيلة المغربية من حدوث كارثة اجتماعية.
 
كيف تنظر إلى حالة الاحتقان الذي يعيشها المغرب في ظل توقعات بنك المغرب والتي تشير إلى ارتفاع نسبة التضخم لتصل الى 4.7 في المائة، بينما كانت الحكومة تحاول تقليص المخاوف بشأن ارتفاع التضخم وبأنها لن تتجاوز 1.7 في المائة وانعكاسات هذا الوضع على القدرة الشرائية للمواطنين ؟
في الحقيقة فهذا الوضع المأزوم الذي نعيشه في المغرب، هو نتيجة تظافر عدة عوامل، منها العوامل الخارجية والخارجة عن سيطرة الحكومة، ولكن هناك عوامل داخلية كان المفروض أن يكون متحكم فيها لو كانت هناك فعلا ارادة سياسية حقيقية لإخراج المغرب من هذه التقلبات التي يعيشها طيلة العشرية الأخيرة، فلأول مرة تتظافر تداعيات جائحة كورونا والتي طالت لمدة سنتين وكانت لها تداعيات كبيرة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وخاصة على القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة للمواطنين المغاربة الذين كانوا يعانون أصلا من ضعف القدرة الشرائية، ثم هناك عامل الجفاف الذي طرأ، والعامل الأخير والمتعلق بالحرب الروسية – الأوكرانية التي لها تداعيات عللا واردات المغرب من الحبوب خاصة القمح والقمح الطري والمحروقات..اذا هذه العوامل كلها تظافرت وجعلت عدة بلدان تتأثر، حيث نعيش موجة عالمية لارتفاع الأسعار، ولكن ما زاد الأوضاع تدهورا وسوء هو أن العوامل الداخلية التي كان من المفروض أن تكون مساعدة، وأن يكون المغرب بعد ستة عقود من الاستقلال قد قطع أشواط كبيرة على مسار التقدم الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، كما حدث للبلدان الصاعدة وعدد من البلدان التي كانت أكثر تخلفا من المغرب. مع الأسف فالحكومة الحالية يمكن اعتبارها مجرد لجنة لتدبير شؤون الطبقة السائدة، بدليل أن استجابتها لثمانية مطالب من عشرة مطالب للباطرونا على عكس الشغيلة المغربية التي لازالت مركزياتها النقابية لحد الآن تطالب بتحسين أوضاعها.
 
في هذا الإطار، هناك مخاوف لبعض المراقبين من نفاذ الاحتياطي من العملة الصعبة، وهو ما قد ينعكس على وظائف الدولة، وهي الأدوار التي كانت أصلا متدنية على مختلف الأصعدة، فكيف تنظر  إلى هذه المخاوف ؟
رصيد الموجودات من العملة الصعبة كان في وضع حرج جدا خلال الجائحة، ولذلك اضطرت الحكومة السابقة الى طلب تفعيل الاتفاقية مع صندوق النقد الدولي في إطار ما سمي بالقرض الاحتياطي أو التأميني لمواجهة تداعيات الجائحة، ولكن بعد ذلك خلال 2021 عرف المغرب حركية اقتصادية مهمة وارتفعت نسبة النمو، حيث وصلت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج إلى رقم قياسي، كذلك سجل ارتفاع مبيعات المكتب الشريف للفوسفاط، حيث حقق نتائج قياسية خلال نفس السنة، كما عرفت الصادرات الصناعية هي الأخرى ارتفاعا. اذا رصيد الموجودات الخارجية عرف تحسنا ولم يبقى في ذلك الوضع الحرج الذي كان عليه، وطبعا الآن مع ارتفاع أسعار البترول، وارتفاع حجم الواردات من الحبوب والزيوت والمحروقات سيجعل هذا الرصيد يتآكل، وقد كنا نطالب دائما بتحقيق سيادة وطنية، والسلم الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق بدون تحقيق أمن غذائي وأمن صحي وأمن اجتماعي وأمن ثقافي. للأسف الحكومة بنت قانون المالية الحالي على افتراضات خاطئة وتأكدت الأخطاء الفادحة التي سقطت فيها الحكومة اليوم، سواء تعلق الأمر بنسبة النمو المتوقعة أو نسبة التضخم أو عجز الميزانية، وكان من المفروض أن تشرع الحكومة في تحضير قانون مالية تعديلي لأن الظرفية الاقتصادية والاجتماعية تغيرت وستتغير رأسا على عقب.
 
هل الحكومة تسعى إلى تقليص حجم المخاوف من تهديد السلم الاجتماعي من خلال تقليص من النسب المذكورة خلافا لبنك المغرب؟
فعلا..الأرقام التي كشف عنها بنك المغرب هي أرقام مخيفة جدا، ولكنها أرقام موضوعية في الحقيقة وتعكس الواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي حاليا، بينما الحكومة تسعى من خلال تصريحاتها الرسمية أو من خلال الأرقام المعلن عنها الى إشاعة نوع من الطمأنة والمحافظة ما أمكن على السلم الاجتماعي بدليل لجوئها الى ما يسمى الحوار الاجتماعي، ولكنه حوار لحد الآن لم يفضي الى نتائج والأسوأ من ذلك أنها لم تفعل حتى ما بإمكانها تفعيله، فمثلا قانون المنافسة يسمح لها بمراقبة الأسعار وهي لم تقم بمراقبة الأسعار، وهناك أيضا مطلب تحويل أصول شركة " لاسامير " لفائدة الدولة لتأمين المخزون الاستراتيجي من المحروقات، وهي لحد الآن ترفض بإصرار ذلك، وهذا يكشف في الحقيقة الطبيعة الطبقية لهذه الحكومة، لأنها لا تهمها مصلحة الشعب المغربي ومصالح الأغلبية الساحقة من الطبقات الكادحة، لأن ما يهمها هو خدمة الرأسمال الريعي، وهي حكومة تجسد ما كنا نخشاه أي الزواج الكاثوليكي بين المال والسلطة والذي يخدم الأقلية المسيطرة داخل المجتمع المغربي. الآن الدولة والحكومة مطالبة باتخاذ اجراءات مستعجلة أولا لإيقاف تدهور القدرة الشرائية للأغلبية الساحقة من المواطنين، ولإيقاف ارتفاع الأسعار، فلا بد من مراقبة الأسعار، ولابد من تسقيف أسعار المحروقات. للأسف قرار سابق لمجلس المنافسة لم يجري تفعيله لحد الآن، علما أن أرباح الشركات المسيطرة على سوق المحروقات تجاوزت 45 مليار درهم، وهي أبراح غير مستحقة.
 
في الوقت الذي ترتفع فيع المطالب بدعم فئات اجتماعية معينة وبالرفع من الأجور في القطاع العام والقطاع الخاص، خرجت الحكومة بقانون " مقايسة أسعار النقل الطرقي والمحروقات "، فهل الحكومة الحالية ترتهن لضغوط لوبيات المصالح؟
للأسف، وصلنا في المغرب الى مشهد سياسي يعكس تحكم اللوبيات في القرار السياسي، وفي التوجه الحكومي والبرنامج الحكومي، وهذه اللوبيات لا تهتم إلا بمصالحها الضيقة، فمن المفروض أن يعكس برنامج الحكومة الوعود التي أطلقت خلال الحملة الانتخابية بالنسبة للأحزاب المشاركة أو التي تقود الحكومة الحالية تستجيب لانتظارات ومطالب الشعب المغربي بالأساس، لأنها هي حكومة مغربية ينبغي أن تكون مرجعيتها في اتخاذ القرار هي المصالح العليا للشعب والوطن. للأسف فهذه الحكومة تقوم بتدبير سيء للأوضاع القائمة وتحاول دائما من خلالها خطابها الطمأنة وتقديم مزيد من الوعود للتهدئة.
 
في هذا الاطار هناك من يحذر من خطورة انهيار وإفلاس الدولة على غرار النموذج اللبناني في ظل عجزها عن تلبية المطالب الاجتماعية المتنامية والمعبر عنها عبر المسيرات التي جابت مختلف المدن المغربية أو من خلال ما يروج من احتقان وتذمر من الوضع على مستوى الشبكات الاجتماعية؟
إذا استمرت الحكومة الحالية في تجاهل التدهور المتسارع في الأوضاع الاجتماعية، واذا استمرت في تجاهل تداعيات ذلك على مستوى وعي المواطنين واحتجاجاتهم، فقد يؤدي تفاقم الاحتقان الى احتجاجات أكبر، ويؤدي عمليا الى وضعية إفلاس للدولة، وطبعا نحن لا نتمنى أن نصل إلى درجة ما يحدث في لبنان حيث هناك إفلاس للدولة وللبنك المركزي، ولحسن الحظ أن الامكانيات التي يتوفر عليها المغرب هي إمكانيات كبيرة جدا بالمقارنة مع لبنان، فالذي يسيير لبنان هو المال السياسي، في حين الاقتصاد المغربي هو اقتصاد متنوع، اقتصاد مختلط، اقتصاد بإمكانه أن يمتص الأزمات وأن يتجاوزها، وهو يحتاج أولا إلى ارادة سياسية لوضع حد للأزمة، والى الاستجابة للمطالب المستعجلة، فلا يعقل أن تظل الأجور مستقرة لمدة 10 سنوات تقريبا بدون زيادة، في الوقت الذي تعرف فيه الأسعار زيادات سنوية بشكل مستمر، فالقدرة الشرائية للمواطن تتآكل سنة بعد أخرى، والطبقة المتوسطة تعرف اندحارا وهي التي تشكل ضابطا للمجتمع، وهناك تدهورا مريعا للأوضاع المعيشية لذوي الأجور أو المداخيل الهزيلة نتيجة ارتفاع الأسعار، وهذا هو المقلق، واذا تزامن ارتفاع الأسعار مع ارتفاع نسبة البطالة وهو ما نلاحظه الآن، فعمليا سنصل الى تزامن الكساد والغلاء، واذا تزامن الكساد مع الغلاء في الأسعار فهذا يعني حدوث كارثة اجتماعية، ولهذا كانت المعارضة وأحزاب اليسار دائما تطالب بتوفير التغطية الاجتماعية الشاملة، هذه التغطية الاجتماعية التي تم الاعتراف مؤخرا بضرورتها لا تبدو حاضرة من خلال توجهات الحكومة الحالية، بل هي تسير عكس تحقيق هذا المطلب، علما أن الدول المتقدمة توفر للمواطن ما يسمى بالدخل الأدنى للإدماج وهو الدخل الذي يسمح للمواطن سواء كان يعمل أم لا بضمان الحد الأدنى للعيش والحفاظ على كرامته، ودائما كنا في المعارضة نطالب بتوفير هذا الدخل لعدد كبير من المغاربة والمغربيات الذين لا يستطيعون العمل أو لظروف قاهرة لا يعملون وحتى اذا كانوا يعملون فهم يتقاضون أجور هزيلة جدا لا تكفي لسد الرمق، ولا تكفي لضمان كرامة العيش والعلاج، وخاصة التغذية والسكن والتنقل والعلاج، وكان من المفروض أن يتجسد هذا التلويح بالدولة الاجتماعية وبالتغطية الاجتماعية الشاملة وبالنموذج التنموي الجديد بإجراءات لإحداث دخل أدنى للمواطنين والمواطنات يضمن لهم كرامة العيش.