الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

يوسف لهلالي: هل تفوز مارين لوبين بالانتخابات الرئاسية بفرنسا

يوسف لهلالي: هل تفوز مارين لوبين بالانتخابات الرئاسية بفرنسا يوسف لهلالي
هل تفوز ممثلة اليمين المتطرف مارين لوبين بالانتخابات الرئاسية المقبلة بفرنسا؟ هذا السناريو لم يعد مستبعدا، فقد بدأت هذه المرشحة في الأيام الأخيرة تقلص الفارق الذي يفصلها عن الرئيس المنتهية صلاحيته إيمانويل ماكرون بشكل كبير، ولم تعد تفصلها عنه الا ثلاثة نقط في الدور الثاني وهو ما أكدته مختلف الاستطلاعات الأخيرة. وهو ما يعني ان إمكانية الفوز أصبحت ممكنة اذا تواصلت هذه الدينامية لصالح ممثلة اليمين المتطرف.
هذه الوضعية، اثارت الخوف لدى فريق الانتخابات الذي يشرف على حملة الرئيس المنتهية عهدته، الذي قال في اخر تجمع له بباريس امام تلاثين ألف من أنصاره: "لقد حان وقت التعبئة"، مطالبا الفرنسيين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع في ظل احتمال هزيمته التي كانت مستبعدة في السابق، أي قبل أسبوع، عندما كان متقدما بفارق 12 نقطة مئوية على منافسته مارين لوبين.
ففي الوقت الذي انشغل فيه باقي المرشحين بالحرب الروسية الأوكرانية، كانت زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي تتحدث عن القدرة الشرائية للفرنسيين. وقادت حملتها الميدانية بعيدا عن المدن الكبرى، واستثمرت في مناطق بعيدة عن المركز والتي يشعر سكانها أحيانا بالإهمال والتهميش من طرف النخب التي تحكم بباريس.
هذه الفئة من الناخبين الفرنسيين تعتبر ماكرون "رئيسا للأثرياء" وانه مرتبط بأوساط المال. واضطر الرئيس في الأسبوع الأخير، إلى مواجهة جدل نشأ عن كشف معلومات تفيد بلجوء السلطات العامة بشكل مكثف في عهده إلى خدمات مكاتب استشارات خاصة مثل "ماكينزي" الذي رافق الرئيس اثناء تأسيس الجمهورية الى الامام، وكابجيني وبوسطون كونسيلتين، و اكسنتير. McKinsey, Accenture, Capgemini PwC
وصدر كتاب مؤخرا يدعى "المندسون" الذي يتحدث عن مكاتب الاستشارة الخاصة التي كلفت الدولة حوالي مليار هذه السنة حسب تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي، والتي تم اللجوء اليها لتدلي بدلوها في السياسات العمومية. هذه المعطيات استعملت ضد الرئيس المرشح الذي رد ان كل هذه الصفقات تمت في إطار ما يسمح به القانون الفرنسي. لكن نشر هذا التقرير اثناء الحملة كان له وقع سلبي على الرئيس المرشح.
من المشاكل التي تواجه الرئيس المنتهية صلاحيته، انه بدأ حملته بشكل متأخر جدا، نتيجة انهماكه بالحرب الروسية على أوكرانيا وما يحيط بها من جهود دبلوماسية، مما عزز في البداية من مكانته في السباق الانتخابي. بل أصبح الاعتقاد سائدا انه يمكنه الفوز في الدور الأول من هذه الانتخابات.
لكن الحرب الروسية على أوكرانيا التي كانت في صالح الرئيس المرشح، أصبحت اليوم متجاوزة، لتحل محلها القدرة الشرائية وارتفاع الأسعار والتضخم بفرنسا والتي اشعلت جيوب الفرنسيين. وبالتالي تجاوز الفرنسيون انشغالات الحرب للعودة الى مشاكل حياتهم اليومية.
ومن اجل الحد من تصاعد منافسته، قام الرئيس هو الاخر بتحركات في الميدان من اجل اللقاء بالفرنسيين في عدة مدن، وقام يوم السبت الماضي، بجمع أنصاره في تجمع انتخابي حاشد قرب باريس لتعزيز موقعه في السباق الرئاسي في مواجهة ازدياد شعبية المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن في استطلاعات الرأي.
لا يزال ماكرون متصدرا لنوايا التصويت حتى الان، لكن أعضاء فريقه قلقون من تراجع الفارق مع لوبن في الدورة الثانية، إذ توقعت عدة استطلاعات حصوله على 53 بالمئة من الأصوات مقابل 47 بالمئة لغريمته.
وما يثير القلق، انه رغم وجود منافس على يمين المرشحة وهو أريك زمور( مرشح من أصول اجنبية)، ورغم انه اكثر عنصرية ومعادات للهجرة والإسلام منها، فان مارين لوبين لم تتأثر بهذه المنافسة ومازالت تتقدم بالتركيز على مشاكل الفرنسيين. في حين يركز منافسها زمور على قضايا الهجرة والاستبدال الكبير ومعادات الإسلام والأجانب.
وعملت لوبن في السنوات الأخيرة على تحسين صورتها وترديد خطاب سياسي ومواقف أكثر اعتدالا، وتركت مواقف التطرف المعتادة والمزايدة للمرشح إريك زمور. وأثار زمور جدلا مرة أخرى السبت الماضي، عند زيارته سوقا للسلع الرخيصة والمستعملة في منطقة للطبقة العاملة في مدينة مرسيليا، اعتبر أنها توضح "الاستبدال العظيم"، وهي نظرية مؤامرة عنصرية لكاتبها رونو كامي ترى أنه يجري استبدال السكان الأوروبيين بآخرين مهاجرين وخصوصا من إفريقيا.
وقال زمور أمام السوق "هنا قمنا باستيراد العالم الثالث"، في تهكم على الفقراء من الفرنسيين والأجانب الذين يرتادون هذا السوق للمتلاشيات، والذين يبيعون متلاشيات او يشترون ما يبحثون عنه من حاجيات. فهذا المرشح رغم اصوله الأجنبية يقضي وقته في الهجوم على الأجانب وتمجيد تاريخ الاستعمار.
أما المرشح اليساري الراديكالي جان لوك ميلانشون الذي تضعه استطلاعات الرأي في المركز الثالث بنحو 15 إلى 16 بالمئة من نوايا التصويت، فقد هاجم السبت كلا من إيمانويل ماكرون ومارين لوبن. وقال إن "لوبن تقترح نموذج الهشاشة نفسه الذي يقترحه ماكرون، ويظهران عدم اكتراث عميق بالظلم الاجتماعي"، لذلك "سنعمل على الإقناع، سيتغير كثير من الأمور" و"التصويت مفتوح أكثر مما يعتقد كثيرون". ممثل اليسار هو الاخر يصبو الى الرفع من عدد نقطه من اجل المرور الى الدور الثاني، ويعول هو الاخر على الناخبين المترددين والذين يشكلون الثلث، وكذا على ناخبي اليسار.
الرئيس المرشح ايمانيويل ماكرون شعر بخطر تقدم ممثلة اليمين المتطرف، وإمكانية فوزها، لهذا دعى الفرنسيين من أنصاره الى التعبئة العامة لقطع الطريق على ممثلة اليمين المتطرف. لكن الضبابية التي يعرفها المشهد السياسي، وانهيار الأحزاب الكلاسيكية باليمين واليسار مند 2017 تجعل نتائج هذه الانتخابات مفتوحة على كل السناريوهات والمفاجئات ومنها وصول ممثلة لليمين المتطرف العنصري مارين لوبين الى قصر الاليزيه.