الجمعة 26 إبريل 2024
فن وثقافة

مشروع قراءة جديدة في قصيدة "اَلْعَلْوَةْ" بنفحة صوفية من "علم" الباطن (ح/2)

مشروع قراءة جديدة في قصيدة "اَلْعَلْوَةْ" بنفحة صوفية من "علم" الباطن (ح/2) الباحث عبد الرحيم شرّاد مرتكزا على معيطات ذات الصلة بالسياق التاريخي

هل أغنية "العلوة" هي قَصِيدَةْ صوفية، أم عَيْطَةْ أو سَاكَنْ؟ وهل تعرض النص الأصلي للتحريف والتشويه والبتر والزيادة فيه؟ الجواب عن هذا السؤال يأتي في سياق البحث الذي قام به الباحث عبد الرحيم شرّاد مرتكزا على معيطات ذات الصلة بالسياق التاريخي، وشهادات فنانين، وزياراته الميدانية لمنطقة الشاوية. و اعتمادا على منشوراته وفي سياق بحثه واقتفائه أثر الشاعر الزجال، المتصوف "سيدي امحمد البهلول"، و الذي أدرك الكثير من أسرار عِلْمِ الباطن .وفي هذا الإطار يقول الأستاذ عبد الرحيم شرّاد بأنه كلما توصل إلى معلومة إلا و زاد يقينه بأن (قصيدة العلوة) هي من كلام هذا الشاعر الذي عاش في القرن 17 الميلادي" .

وتعميما للفائدة وفتح نقاش في الموضوع تنشر جريدتي "الوطن الآن" و "أنفاس بريس" أجزاء من منشورات الباحث عبد الرحيم شراد.

 

"يَا وُدِّي. يَا وُدِّي. يَا وُدِّي / يَحْضَرْ وِ يجُودْ اَلَلّه"

يرى الباحث عبد الرحيم شراد أن أغلب المطربين الشعبيين، الذين تغنوا بـ "العلوة"، كانوا دائما يكتفون بترديد ما يعتبرونه "لَازِمَةْ": (وَا اَلْغَادِي لِلْعَلْوَةْ. تْعَالَى نْوَصِّيكْ بَعْدَا. إِلَا لْحَـﯕْتِي سَلَّمْ. فِي اَلْعَلْوَةْ لَا تَتْكَلَّمْ). أو ينتقلون مباشرة إلى أداء أغنية أخرى. و كل هذا حسب رأي عبد الرحيم شراد، "يجافي الصواب و يتعارض مع النص الأصلي، الذي سبق. وإن قلت إنه قصيدة صوفية. إذن، كيف ينتهي إنشاد العلوة؟

من المعلوم أن قصيدة "اَلْعَلْوَةْ" تنتهي بإنشاد جماعي، كله تعبير عن الشوق إلى لقاء الله سبحانه و تعالى: "يَا وُدِّي. يَا وُدِّي. يَا وُدِّي / يَحْضَرْ وِ يجُودْ اَلَلّه". فالياء هنا أداة نداء للقريب، أي لمن هو في حضرة الإنشاد الجماعي. أما كلمة "وُدِّي" فهي عربية فصِيحة و بهذا يكون معنى الكلام، نداء للقريب. (أي: أنت يا من تسود بيني و بينك علاقة وِدِّية. و علاقة محبة). قال الله تعالى في سورة مريم ، الآية 96 "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدّاً " .

بعد هذا النداء تتم الإشارة بشكل صريح إلى أعلى نعيم أهل الجنة وهو لذة النظر إلى وجه الله الكريم و في ذلك تقول القصيدة: "يَحْضَرْ وِيجُودْ اَللهْ". (أي سيجود علينا بلذة النظر إلى وجهه الكريم) . مصداقا لقول رسول الله (ص): "إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله تبارك و تعالى : تريدون شيئا أزيدكم فيقولون : ألم تبيض وجوهنا.. ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال (ص) فيُكْشف الحجاب ، فما أُعْطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز و جل. ثم تلا هذه الآية من سورة يونس ( للذين أحسنوا الحسنى و زيادة ).

وأشار الباحث في منشوراته إلى الإيقاع الذي يرى أنه يناسب إنشاد هذه الخاتمة. لأنه يعتمد على (إيقاع 2 على 4) و يتكون من نصف نبضة وربع صامتة ثم ربع نبضة صامتة يليها نصف نبضة وربع صامتة ثم ربع نبضة صامتة . وهذا حسب رأيه يتناسب مع حالة "الوُجْدِ" التي يكون "المنشدون تحت نشوتها و يذوقون لذة رحيقها لأنها تعبر كما قلت عن أسمى نعيم أهل الجنة وشوقهم إلى لقاء الله إخوانا يجمعهم الود" .

 

العلوة قصيدة صوفية ارتبطت بالإنشاد والذكر والتشوق لزيارة قبر النبي:

"العَلْوَة بِمَّالِيهَا وَ اَلصُّلاَّحْ اَلِّلي فِيهَا"

حين ألقى الباحث عبد الرحيم شرّاد محاضرة عن قصيدة "اَلْعَلْوَةْ" بمناسبة إحدى دورات مهرجان رأس العين للفروسية التقليدية بالشاوية، جالس الفنان عازف آلة الوتار الراحل "قَرْزَزْ" رحمة الله عليه (وهو من منطقة البهالة ). وخلال محاضرته ركز عبد الرحيم شراد على أن قصيدة "العلوة" ليست بـ "عيطة"، و إنما هي قصيدة صوفية ارتبطت بالإنشاد وأن النص الأصلي فيه نفحات من الذكر و التشوق لزيارة قبر الرسول (ص)، و لا مجال فيه للتغني بالسادات و الأضرحة .

في هذا السياق يؤكد عبد الرحيم شراد قائلا: "لقد عقب الفنان (قَرْزَزْ) على كلامي بقوله: (أنا متفق تماما مع الأستاذ السي شراد . نحن عندما فتحنا أعيننا صغارا وجدنا من سبقنا يغني كلاما على هذا اللحن و كل ما قمنا به هو أننا أضفنا إلى ما حفظنا من كلام ، التغني بالولي الصالح سيدي امحمد البهلول و أبنائه).

نفس الحقيقة يؤكد شراد سوف يقر بها عازف الوتار الفنان أحمد ولد قدور من خلال حديث أجراه معه الإعلامي الزميل جلال الكندالي ، (نشر بجريدة الإتحاد الإشتراكي بتاريخ 15 يناير 2018 ). حيث صرح بأنه حفظ بعض كلمات العلوة ولحنها عن الطائفة العيساوية وبأنه بحكم انتمائه لمنطقة مزاب فقد أضاف إليها التغني بسادات المنطقة ومزاراتهم.

انطلاقا من هذه المعطيات خلص الباحث عبد الرحيم شراد إلى أن أصل التحريف في النص الأصلي هي كلمة "الصُّلاَّحْ" والتي بدت إليه "أنها كلمة غريبة عن اللسان المغربي الدارج". وأضاف قائلا: "لقد اعتاد المغاربة أن يقولوا (الولي الصّالح) في حالة الإفراد و(الأولياء الصّالحين)، في حالة الجمع، فمن أين جاء تعبير "الصُّلاًّحْ"؟

وحسب رأيه فإن الكلمة التي وردت في النص الأصلي هي "اَلصَّلَاحْ" وفي ذلك يقول الشاعر: (اَلْعَلْوَةْ بِمَّالِيهَا وُ اَلصًّلاَحْ اَلِّلي فِيهْا". أي أنها (مستقر وموطن يكتسب قيمته من ركيزتين: الأولى هي الأهالي الذين يستقرون بهذا الموطن، والثانية بِصَلاحِهم - أي أنهم يعيشون بما يرضي الله سبحانه و تعالى ولا يخالفون شرعه - و هذا أمر طبيعي فسكان "اَلْعَلْوَةْ" حيث أقام سيدي امحمد البهلول ، كانوا في القرن 17 الميلادي "مجرد عائلة تتكون من الأب الأكبر أي امحمد البهلول ومن أنجب من أبناء" .

وأكد في منشوراته البحثية بأن تغني المطربين الشعبيين بسادات المنطقة ومزاراتهم هو الذي جعلهم يحرفون الحركات الإعرابية و ينطقون كلمة " الصُّلاَّح " بدل الكلمة الأصل و هي "الصَّلاَح". فأصبحنا نجد أن كل قبيلة تتغنى بـ "اَلْعَلْوَةْ" مع ذكر أسماء بعض الأولياء و تجاهل أسماء آخرين و كل قبيلة تحاول أن تنسب " العلوة " إليها