الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

مراد علمي: الصين تتشبث بعدم إدانة روسيا (2)

مراد علمي:  الصين تتشبث بعدم إدانة روسيا (2) مراد علمي
لذلك تخشى لا الصين ولا الولايات المتحدة ظاهرة التصعيد حتى لا تذهب الامور إلى "ما تحمد عقباه"، لأن الرئيس الروسي هدد باستعمال جميع الاسلحة المتاحة له، لم يفشي سر هذا التهديد، ولكن يقصد في الاساس استعمال الاسلحة النووية إذا اقتضى الحال، وروسيا تعتبر أكبر بلد متوفر على ترسانة نووية مهمة، أكثر من 6200 صاروخ نووي، بيد أن الولايات المتحدة تملك تقريبا 5500، أما الصين 350 فقط، روسيا كانت تدرك دوما أن الضعف الديموغرافي، 144 مليون نسمة فقط، سيشكل نقطة ضعف بالنسبة لها، وهذا العامل هو ما دفعها إلى الاعتماد على الاسلحة النووية أكثر من غيرها.
الصين تتجنب الانزلاق إلى حرب باردة والتي في العمق لن تخدم مصالحها، لأنها في حاجة ماسة للاستثمارات الأوروبية، بالأخص الامريكية، لأن الولايات المتحدة استثمرت أكثر من 120 مليار دولار في الصين في 2020، وفي عام 2019 تقريبا 120 مليار دولار، وفي عام 2018 وعام 2017 أكثر من 100 مليار دولار، بالرغم من حرب الرسوم الجمركية بين البلدين، والمبادلات التجارية بين الصين والولايات المتحدة لا زالت قائمة وجد مرتفعة إذ فاقت 450 مليار دولار في سنة 2020 في ما يخص صادرات الصين للولايات المتحدة، أما الولايات لم تنجح في كسب مبلغ مماثل، حيث استوردت الصين سوى 124 مليار دولار في عام 2020 من الولايات المتحدة، فهذا يعني اعتماد شديد للاقتصاد الأمريكي على الصيني.
الامريكية قوة ضاربة في مجال التشغيل للملايين من الصينيين، مطعم "ماك دونالتس" مثلا يقوم بتشغيل أكثر من 180000 صيني وصينية كما أن مبيعات هذه السلسلة لمطاعم الوجبات السريعة تفوق 20 مليار دولار كل سنة، بالنسبة ل "ستار باكس" نفس الشيء، وهذه المقاهي تستعين بشغيلة فاق عددها 60000، ولو الصينيون مدمنون على شرب الشاي عادة، لكن الشباب الصيني يريد الاحتذاء بنمط الحياة الغربي، وما هذه الظاهرة إلا تأثيرات العولمة التي لم ينجو منها أي بلد، فسياسة الانغلاق ستكون لها تداعيات جد سلبية بالنسبة لجميع اقتصادات العالم، بالأخص الاقتصاد الصيني الذي يعتمد أساسا على التصدير، وهي التي تحتل الصدارة بأكثر من 3 تريليونات دولار في سنة 2021، وتليها الولايات المتحدة وألمانيا بفارق شاسع، كما تحتل المركز الثاني عالميا في ما يخص الواردات بأكثر من تريليونين دولار من نفس السنة، كما تتبضع من أكثر من 150 دولة.
صادرات الصين للسوق الاتحاد الأوروبي فهي أكثر من 440 مليار يورو في عام 2020، أما واردات الصين من سوق الاتحاد الاوروبي بلغت 203 مليار يورو في عام 2020، فهذا يدل على أن كل من مارس التجارة مع الصين إلا وكان الفائض أو الربح الوافر في مصلحة الصين، وهكذا يمكن لنا أن نقول أن الصين دولة عظمى في ميدان الاقتصاد والتكنولوجيا التي نقلتها من الدول الغربية وطورتها في مقاطعاتها بفضل وفرة اليد العاملة المؤهلة والمكونة محليا أو في جامعات غربية مرموقة، أما في الميدان العسكري فهي قوة متوسطة، لذلك يمكن القول أن هناك نوع من التكامل بين روسيا والصين، القوة العظمى عسكريا والقوة العظمى اقتصاديا.
بالنسبة للصين السوق الروسي سوق صغير مقارنة مع الاتحاد الاوروبي أو الولايات المتحدة، فالواردات من الصين لم تفوق 49 مليار دولار في عام 2020، أما صادرات روسيا للصين تقدر ب 54 مليار دولار من نفس السنة، والناتج الداخلي الخام لروسيا 1700 مليار دولار، و الدخل الفردي لا يتجاوز 11000 دولار، ل 144 مليون نسمة، فالناتج الداخلي الخام لإيطاليا يفوق مثلا ناتج روسيا الذي يبلغ 1900 مليار دولار، و الدخل الفردي 31000 دولار، ل 60 مليون نسمة فقط، أما الصين يبلغ الناتج الداخلي الخام 14000 مليار دولار والناتج الفردي 10000 دولار، مع العلم أن الصين تتربع على عرش الدول الاكثر اكتظاظا وكثافة سكانية، أكثر من 1,4 مليار نسمة، والصين لا تعترف بأي شيء آخر من غير لغة الارقام، وثقافة الارقام متجذرة في تاريخ المجتمع الصيني الذي لا يمتثل إلا إلى مبدأ الجدارة، بغض النظر عن بعض النواقص أحيانا.