الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

عبد العالي بلقايد: بين التكنوقراط والمثقف

عبد العالي بلقايد: بين التكنوقراط والمثقف عبد العالي بلقايد

هل يمكن تدبير شؤوننا بالإعتماد على التقني لوحده في غياب لأي دور للثقافة ؟

هل العيش ممكن في فضاء خال من المعاني ؟

كيف يمكن خلق شروط الإلهام والأحلام دون الإعتماد على المعاني ؟

من يعطي للقوى الفاعلة في المجتمع طاقة التفاعل والإنتاج سواء للعلامات المعنوية أو المادية ؟

صحيح أن التخطيط أساسي لكل الاستراتيجيات التنموية، ولكن ما هي المآلات التي تنبثق حين يغيب أي دور للثقافة الحامية من الفراغ المغذي للتفاهة التي تفرمل فعل القوى الفاعلة في المجتمع.

الثقافة نور وتنوير يرسم المسالك التي تخلق شروط أسباب القوة البانية للحضارة .

ألم تكن أنوار أوروبا هي أحد أسباب نهضة الغرب الصناعي وقيم الديمقراطية والحداثة ؟

فبفعل الدور التنويري للمثقف رفض شارل دوغول إدانة سارتر الذي ساند الهبة الشبابية التي عمت أوروبا سنة 1968، والتي عملت على إعادة النظر في الكثير من طريقة اشتغال العديد من المؤسسات .

هل بإمكاننا إلغاء دور المثقف دون إلغاء لدور العقل كملكة متفردة خصها الفكر الإنساني مكانة متميزة على امتداد تاريخ البشرية باعتبارها المحرك للقدرات المنتجة للمثل .

لا عمران بشري يوجد بالإعتماد على العلامات المادية لوحدها دون الإحالة على المعاني الشاحدة للخيال والمغذية للآمال.

فكل مقاربة تقنية هو انزياح عن الكينونة الإنسانية التي تقتضي الحسي والمعنوي .

هل يمكن الإستسلام للمقاربة التقنية حين لا تستحضر المآلات والرهانات، وحين ترهن مصائر الوجود الإنساني لأرقام رياضية جافة من المعاني.

إن كدا شروط يفسح المجال لهيمنة العقل الأداتي التي يقدمها التكنوقراط كوصفة سحرية لكل المشاكل . وبذلك نصبح أمام تقنية عقلانية مغلوطة بتعبير "ماركيوز" فهيمنة التقنية ومن خلالها التكنوقراط بمثابة إعلان السيطرة المطلقة للميتافيزيقا بتعبير "هيدجر" التي تخلق شروط تدمير العالم .

فالتكنوقراط المتشبع بروح التقنية يتعامل مع الواقع كمعادلات صورية دون بوصلة فكرية .

وبذلك يعمل على تنميط أشياء الواقع والمصائر وفق هذه البنية الواحدة، التي لا تنتج إلا الواحدية اللاغية للإختلاف المنتج للتدافع القيمي بين الأفكار والمشاريع التي من شأنها خلق مشاريع ومخرجات بالمجتمع وتعمل على تحصينه من العنف المولدة من الواحدية التي تقتل مناخ الحرية التي بها توجد شروط الإبداع والخلق المجتمع .

إن إخضاع التقنية والتكنوقراط للتفكير من شأنها خلق شروط تجاوز عوائق التنمية وإزالة ألغام الإحتراب المجتمعي التي تولدها الواحدية التي تسعى إخضاع الكل لنمطيتها وهذا لن يتأتى إلا ببروز الفكر الذي يخلق مساحات للنقاش العمومي الذي يجعل الذات محط تفكير ونقاش.

عبد العالي بلقايد باحث في التراث