الأربعاء 24 إبريل 2024
مجتمع

أحمد نورالدين:بعد سنة على اغتصاب الجزائر لواحة "العرجة".. ما أكثر انتظارات فكيك!!

أحمد نورالدين:بعد سنة على اغتصاب الجزائر لواحة "العرجة".. ما أكثر انتظارات فكيك!! أحمد نورالدين ومشهد من احتجاجات أهالي فجيج على اغتصاب "العرجة"

مرت سنة على الأحداث التي عرفها إقليم فكيك بشرق المغرب، إثر إرغام الفلاحي المغاربة من قبل السلطات الجزائرية على إخلاء واحة “العرجة" بأولاد سليمان، في 18 مارس 2021، وهو استفزاز النظام العسكري الجزائري الذي خلف رجة كبيرة بين مختلف الأوساط المغربية، في هذا الإطار أجرت "أنفاس بريس" مع المحلل السياسي المختص في القضايا المغاربية أحمد نور الدين الحوار، التالي:

 

ما هي دلالة اختيار الجزائر ذلك التوقيت بالذات للاعتداء على واحة العرجة بفكيك؟

*في تلك الفترة كان النظام العسكري الجزائري قد تلقى انتكاسات متتالية سواء على الصعيد الدبلوماسي أو العسكري في صراعه مع المغرب حول الصحراء المغربية، فقد تمكنت القوات المغربية من تطهير معبر الكركرات على الحدود مع موريتانيا، في عملية عسكرية خاطفة نفذتها القوات المسلحة الملكية بكيفية إحترافية عالية وبتنسيق مع الأمين العام للأمم المتحدة، مما أظهر التفوق العسكري والاستخباراتي للمغرب بحيث أن الجزائر لم تعلم بالعملية إلا بعد نجاحها في صبيحة الجمعة 13 نونبر 2020. وبعد ذلك بأقل من شهر جاء الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على كامل أقاليمه الجنوبية، مما شكل زلزالا جيو- سياسيا حقيقياً أصاب النظام الجزائر بهستيريا دبلوماسية وعسكرية ترجمت إلى سلسلة من الاستفزازات ضدّ المغرب في محاولة لجره إلى حرب كان جنرالات الجزائر يدقون طبولها منذ فترة طويلة في محاولة منهم لاستعادة الشرعية التي فقدها النظام الجزائري أمام مطالب حراك الشعب الجزائري بإسقاط النظام العسكري التوتالتاري وقيام دولة مدنية ديمقراطية على أنقاضه. بالإضافة إلى الشيخوخة والإفلاس الذي يعيشه النظام الجزائري على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتزايد مطالب الاستقلال أو الحكم الذاتي في منطقة القبائل شمالا ومنطقة الطوارق جنوباً ومنطقة المزاب في الوسط. كلّ هذه العوامل، وفي إطار سعي النظام الجزائري إلى اختلاق مشاكل على الحدود مع المغرب، وفي محاولة لتكرار سناريو حرب الرمال 1963 الذي كان عدواناً جزائرياً على المغرب من أجل توحيد فصائل جيش التحرير الجزائري التي كانت متناحرة على السلطة، كل ذلك أدى إلى العدوان الجديد على واحة العرجة في 18 مارس 2021 واغتصابها من أهلها، كما تم اغتصاب أجزاء غالية أخرى من المجال الحيوي لمدينة فكيك ومنها طاسرا وجنان الدار وبني ونيف والمعدر وتاغلا وتامزوغت والمراجي وأمسلو والملياس وسيدي عبد الرحمن وسيدي يوسف وتاغيت وأمغرور والواد الشرقي، وغيرها.


وهل هي فعلا أرض جزائرية حتى تقوم سلطات الجارة الشرقية بالاعتداء عليها؟

أهل فجيج، مارسوا سيادتهم كاملة بانتظام على ممتلكاتهم لعدة قرون أباً عن جدّ قبل أن يصنع الاستعمار الفرنسي كياناً اسمه الجزائر، واستمرت هذه السيادة على الأراضي الواقعة وراء الحدود المصطنعة من قبل فرنسا، ولديهم وثائق ملكيتها بالإضافة إلى الحجة القانونية الدامغة التي تمثلها حيازة واستغلال الأرض لقرون، وأقرت السلطات الفرنسية أهل فكيك على ذلك في اتفاقية 1901 وبروتوكل 1902، وبقي الأمر على ذلك حتى بعد حرب الرمال 1963، حيث أقرت معاهدة إفران لحسن الجوار في15 يناير 1969 تلك الحقوق لأهل فكيك، وكذلك الشأن بالنسبة لتصريح تلمسان المشترك في 27 ماي 1970، وتصريح الرباط المشترك 15 يونيو 1972 ثمّ اتفاقية استغلال منجم غارة جبيلات وترسيم الحدود 1972. كلها اعترفت بحقوق ملكية أهل فكيك لأراضيهم التاريخية خلف الحدود التي سطرها الاستعمار الفرنسي، وأقرتهم على حق استغلالها وحق الوصول إليها دون جوازات سفر. ولم يتم منع أهل فكيك من الوصول إلى أراضيهم إلا سنة 1976 على إثر اندلاع الحرب في الصحراء المغربية واحتضان الجزائر للمشروع الانفصالي وخلقها للكيان الوهمي في فبراير من نفس السنة. وقد صاحب هذا المنع عدة أعمال عدوانية ترقى إلى الجرائم ضد الإنسانية ومنها على وجه التخصيص جريمة طرد 350 ألف مغربي، في صبيحة عيد الأضحى الموافق ليوم 18 دجنبر من سنة 1975، رغم أن أولئك المطرودين كانوا مقيمين بكيفية قانونية ولعدة أجيال في الجزائر قبل استقلالها عن فرنسا.

 

وما ذنب الفلاحين المطرودين من أراضيهم بالواحة بسبب عدم تسوية الحدود بين البلدين؟

أقول بالأحرى أن أهل فكيك يدفعون ثمن الغدر الجزائري ونقضهم لكل العهود والاتفاقيات التي ذكرت آنفاً، ويدفعون ثمن دعمهم للثورة الجزائرية التي احتضنوها، ويدفعون ثمن صمودهم في وجه مؤامرات الاستعمار الذي حاول بكل الوسائل ..اقتطاع فكيك وضمها إلى الجزائر الفرنسية، وأكيد أنّ فكيك تدفع أيضاً ثمن سكوت المغرب عن الأراضي المغتصبة وعن سكوته عن نقض الجزائر للاتفاقيات المبرمة مع المغرب سواء في الحقبة الاستعمارية أو بعد استقلالها، وهذا انعكس بشكل سلبي وفظيع على مصير مدينة فكيك التي فقدت 90% من مجالها الحيوي وواحاتها وتمورها وسهولها وشواهد أركيولوجية ومعمارية من تاريخها المجيد، وأصبحت مدينة فكيك محاصرة من جهاتها الثلاثة، وبالتالي فقدت جاذبيتها للمستثمرين حتى من أبنائها لضيق المجال ومُحصارته، وانعكس ذلك على ساكنتها التي تناقصت بفعل الهجرة حتى كادت تصبح مدينة شبحاً. إن فكيك تختزل لوحدها كل مأساة الوطن المغربي الذي قُطعت أوصاله واغتُصبت أرضه ومازال يتعرض لمؤامرات على وحدته الترابية.

 

وما مصير المتضررين من هذا الاعتداء؟

أصحاب المزارع والضيعات في واحة العرجة متمسكون بحقوقهم، وقد جمعوا ملفات ثقيلة معززة بالوثائق والشواهد ولكنهم ينتظرون أن تتبنى الدولة المغربية قضيتهم وتوصلها إلى المؤسسات الدولية وهيئات الأمم المتحدة ذات الصلة، وأن تدعمهم وتتكفل بمصاريف مكاتب المحاماة داخل المغرب وخارجه للترافع أمام المحاكم الدولية ومقاضاة الدولة الجزائرية، لاستعادة أراضيهم وممتلكاتهم لأنّ الحقوق العينية لا تسقط بتغير السيادة ولا بالترامي والاحتلال، بالإضافة إلى الضمانات القانونية التي تقدمها الاتفاقيات المبرمة في إطار الاتحاد المغاربي والجامعة العربية والإلحاد الإفريقي، فضلا عن الاتفاقيات الثنائية بين البلدين الجارين المشار إليها أعلاه.

 

وهل تم تعويض المتضررين من أهل الواحة عما لحقتهم من خسائر؟

المتضررون من أهل فكيك لازالوا ينتظرون تعويضات جبر الضرر التي وعدتهم بها السلطات المحلية، وينتظرون إنجاز الوعود في توزيع أراضي صالحة للزراعة في مناطق أخرى داخل الإقليم أو خارجه، وينتظرون استثمارات عمومية تنقذ شباب المدينة من البطالة والهجرة القسرية، وينتظرون بناء نواة جامعية طال انتظارها وتمت عرقلتها لعدة سنوات رغم تبرع أهل فكيك بخمسة عشر هكتارا للجامعة وتبرعهم بأزيد من نصف مليار لبناء النواة الجامعية.

أهل فكيك لازالوا ينتظرون مستشفى يُغنيهم عن مشقة قطع الفيافي للاستشفاء في مدن أخرى، وينتظرون نصيبهم في البنيات التحتية حيث لازال التيار الكهربائي ينقطع مخلفاً خسائر اقتصادية للعائلات رغم أنّ فكيك كانت من المدن الأولى التي وصلها الكهرباء، فكيك لازالت تنتظر تمويل مهرجانها الثقافي ليصبح جديراً بإشعاعها الحضاري، ولازالت تنتظر تمويل نوادي الرياضة المتعددة ومنها فريقها في كرة الطائرة الذي حاز كاس العرش بإمكانياته الخاصة والضعيفة. فكيك لازالت تنتظر متحفاً يجمع شتات ذخائرها وكنوزها الفريدة من نوعها والتي هي معرضة للضياع، فكيك لازالت تنتظر إحياء مكتبتها وخزانتها التاريخية "دارالعدة" التي كانت واحدة من أكبر المكتبات في القرن التاسع الهجري على مستوى المملكة، فكيك تنتظر نصيبها كباقي المدن المغربية من المشاريع الكبرى من قبيل المخطط الأخضر الفلاحي، ومخطط الطاقات المتجددة لإنتاج الطاقة الشمسية، والمخطط الأزرق السياحي، ومدينة للإنتاج السينمائي. فما أكثر الانتحارات وما أصغر الإنجازات.