الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

جمال العسري: لقاء الوزير مع النقابات التعليمية والأحكام الصادرة عن ابتدائية الرباط.. أية علاقة؟؟ 

جمال العسري: لقاء الوزير مع النقابات التعليمية والأحكام الصادرة عن ابتدائية الرباط.. أية علاقة؟؟  جمال العسري
أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط، يوم الخميس10 مارس 2022 أحكامها بحق 45 من الأساتذة “المتعاقدين” على  خلفية احتجاجاتهم بالرباط ،وفي هذا الإطار  توصلت "أنفاس بريس" من جمال  العسري عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد  بالورقة التالية :
 
يبقى السؤال المحرج..هل ساهمت النقابات التعليمية في إصدار الأحكام الجائرة على الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ؟؟
أي دور لعبه المحضر المرحلي ... أو محضر الإستسلام الموقع بين النقابات التعليمية والوزارة ... في إصدار هذه الأحكام القاسية في حق الأساتذة ؟؟؟ 
أي علاقة بين الأربعاء 9 مارس 2022 ... والخميس 10 مارس 2022 ... أو بين اللقاء الذي جمع بين الوزير ومسؤولي النقابات الخمس ... و بين أحكام المحكمة الإبتدائية ؟؟؟
قبل البداية لا يمكن لأي عاقل إلا أن يستنكر ويدين بأشد عبارات الإستنكار والإدانة الأحكام القاسية بل الجائرة التي صدرت في حق أساتذة وأستاذات ذنبهم الوحيد هو الإحتجاج دفاعا عن المدرسة المغربية، أحكام شكلت بحق سابقة، وسابقة خطيرة في حياة نضالات الأسرة التعليمية، لم يتجاوز قساوتها إلا القرارات التي صدرت في حق رجال التعليم إبان المعركة النضالية التي خاضوها في أواخر سبعينيات القرن الماضي!؟. 
والآن و قد صدرت هذه الأحكام الصادمة، وبعد مرور الصدمة، أرى من حقنا طرح العشرات من التساؤلات ومثلها من الأسئلة حول هذه الأحكام، توقيتها؟ ظروفها؟ غاياتها؟ أهدافها؟رسائلها؟ موقع النقابات فيها؟ وغيرها من الأسئلة التي تعصف ذهننا ونحن نرى الأستاذ تصدر في حقه الأحكام بالسجن و كأنه مجرما، ويصبح فعل الإحتجاج فعلا إجراميا ،و ليذهب الدستور وما يمنحه من حق في هذا الباب للجحيم!! 
ولنبدأ من البداية، والبداية كانت قبل أقل من ثلاثة أشهر وبالضبط يوم 18 يناير 2022 عندما وقعت النقابات الخمس الأكثر تمثيلية ووزارة التربية الوطنية ما سمي ب  " محضر إتفاق مرحلي بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي و الرياضة والنقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية " وهو الإنفاق الذي اعتبرته في حينه محضر الإستسلام و رفع الراية البيضاء، كما اعتبرته يومها إتفاق الخنوع والرضا بالفتات. والقارئ المتمعن لذلك المحضر سيفهم بسهولة معنى هذه الأحكام وتوقيتها الآن. وأنت تتابع المعارك النوعية والبطولية التي يخوضها الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، وتتابع بيانات تنسيقيتهم الوطنية و الإضرابات الطويلة التي أعلنوا عنها ودخلوا فيها و أنجحوها، ثم تقلب عينيك لتقرأ ضمن هذا المحضر الموقع بين الوزارة هذه الجملة/الإلتزام بين النقابات والوزارة والتي تقول بالحرف " الالتزام المتبادل بحق المتمدرس في تعليم منتظم " تدرك بأن النقابات إلتزمت بالقطع مع الإضرابات والإحتجاجات والوقفات في قطاع التعليم، التي تجعل من التعليم "غير منتظم" ؟؟ و تدرك أن الجميع يريد عزل التنسيقية ورفض معاركها و إضراباتها والرغبة المشتركة وإن كانت غير معلنة في وقف هذه الإضرابات، ودفعها لوضع الراية والدخول في مسلسل حوارات لن تسمن ولن تغني من جوع، وهو الأمر الذي ترفضه التنسيقية ومعها أغلبية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد ، فيما أعلنت النقابات عن القبول به، حيث جاء  في الصفحة الثانية من هذا المحضر الفقرة التالية " ... تحصين الحوار القطاعي و ضبط مداخله وترصيد مكتسباته وضمان استمراريته طبقا لمبدأ استمرارية المرفق العام "وعبارة" استمرارية المرفق العام " لها معنى واحد، لا للإضراب، لا للوقفات، لا للمسيرات، لا لأي شكل احتحاجي قد يضرب " مبدأ استمرارية المرفق العام " فما العمل مع التنسيقية التي تستمر في " تعكير الأجواء " بإضراباتها التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد ؟؟
بل ما العمل مع هذه التنسيقية و مناضلاتها و مناضليها و هم بإضراباتهم المتتالية هذه يمزقون بل و يدمرون أخطر فقرة جاءت في " المحضر المرحلي "، وهي الفقرة التي تتحدث عن " السلم الإجتماعي " والتي جاء فيها بالحرف" العمل على صياغة مشروع ميثاق إجتماعي خاص بقطاع التربية الوطنية، يستمد مقوماته من الميثاق الإجتماعي المركزي بما يتناسب مع خصوصية مهنة التعليم و يحقق السلم الإجتماعي داخل القطاع "! ولنركز جيدا على هذه العبارة" يحقق السلم الإجتماعي داخل القطاع " !!!! الآن لم يعد هناك مجال للشك ، فالإتفاق يهدف حقيقة للقطع مع الإضرابات والإحتجاجات داخل القطاع وتحقيق " السلم الإجتماعي داخل القطاع " و التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد "يهددون " باحتجاجاتهم و بإضراباتهم " السلم الإجتماعي " فما العمل ؟؟ كيف السبيل لإعادة تربيتهم " على قول رئيس الحكومة " نعاودوا ليهم الترابي " ... وهنا يمكن أن نستوعب ونفهم جيدا كيف جاءت هذه الأحكام، و لماذا جاءت بهذه القساوة، و لماذا اتصفت بهذا العنف. و نفهم أكثر لماذا هذا الصمت النقابي 
والآن ننتقل للسؤال الأكثر إحراجا: أين النقابات التعليمية من هذه الأحكام القاسية ؟؟ للجواب على هذا السؤال يكفي إلقاء نظرة على التاريخ . الأحكام صدرت البارحة أي يوم الخميس 10 يناير 2022 وقبلها بأقل من أربع وعشرين ساعة أي يوم الأربعاء 9 مارس 2022 كان هناك ما سمته النقابات التعليمية الخمس  في بيانها المشترك ب " لقاء وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة " وما سمته الوزارة في بلاغها ب " جلسة عمل مع النقابات التعليمية الخمس الأكثر تمثيلية " و شتان ما بين " لقاء " و " جلسة عمل " فهل هي مجرد مصادفة أن يجري اللقاء أو أن تجري جلسة العمل قبيل صدور الأحكام بأقل من 24 ساعة ؟؟ هل هو فعلا مجرد مكر للزمن ؟؟ 
تعالوا نلقي نظرة على بلاغ الوزارة و على البيان النقابي المشترك لعلهما ينيران لنا طريق الجواب أكثر: 
جاء في بلاغ الوزارة، أن الوزير عقد " جلسة عمل " مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، وجلسة عمل تحمل الكثير من الدلالات فهي ليست مجرد لقاء عابر، بل هي جلسة يتم  فيها التداول و النقاش و التقرير، ويضيف البلاغ " أكد الوزير على أهمية الإتفاق المرحلي مع الحكومة و الذي يجسد الإرادة المشتركة لمختلف الأطراف من أجل إنجاح ورش الإصلاح التربوي " لماذا التأكيد في هذا البلاغ على الإتفاق المرحلي وقد رأينا أعلاه ما جاء فيه بخصوص ضرورة فرض السلم الإجتماعي .ثم يضيف البلاغ " نوه السيد الوزير بحس المسؤولية الذي أبان عنه الفرقاء الإجتماعيون خلال مختلف محطات هذا الحوار " أليس من حقنا كقراء لهذا البلاغ أن نتساءل أي حس بالمسؤولية هذا ؟؟ وأية مسؤولية هذه ؟؟ ربما الجملة التالية و المقتطفة من نفس البلاغ قد توضح الأمر أكثر " مشددا - أي الوزير - على أهمية التفاوض كآلية رئيسية لإنجاح ورش إقرار نظام أساسي جديد محفز وموحد " وهنا يتضح الواضح و ندرك ببساطة أن المقصود هنا هي التنسيقية التي تحاول فرض الإحتجاج والإضرابات باعتبارها آلية لتحقيق مطالبهم العادلة و المشروعة ضمن النظام الأساسي المبشر به، بينما السيد الوزير و شركاءه النقابيون يقرون بأهمية التفاوض باعتباره آلية رئيسية لإنجاح ورش إقرار نظام أساسي، وشتان بين الآليتين : آلية الإضرابات وما يرافقها من قمع واعتقالات وبين آلية الحوار وما يرافقها من مشروبات وحلويات. وهنا ينتهي بلاغ الوزارة إلى إشادة " الوزارة بالمناخ الإيجابي الذي طبع أشغال هذا اللقاء والنقاش الحاد والبناء لممثلي الهيآت النقابية " هكذا كان المناخ بين الوزارة و النقابات قبيل 24 ساعة من صدور عشرات أحكام بالسجن في حق أساتذة آمنوا بآلية أخرى لتحقيق مطالبهم العادلة و المشروعة .
هذا بخصوص بلاغ الوزارة، أما بخصوص البيان النقابي الخماسي فقد تضمن فقرة يتيمة ومحتشمة لكنها تحمل في طياتها الكثير من الدلالات والإيحاءات، تقول هذه الفقرة و بالحرف " تم التأكيد من جديد على الحاجة لبناء أجواء الثقة عبر إسقاط جميع المتابعات ضد الأساتذة واحترام الحق في التظاهر " لعل أكثر ما يثير الاستفهام هنا هو هذه العبارة " إسقاط جميع المتابعات ضد الأساتذة "
من حق أي قارئ أن يسأل أي متابعات هذه ؟؟ بل أي أساتذة هؤلاء ؟؟ لماذا لم يتم تحديد المتابعات ؟؟ بل لماذا لم يتم تحديد أي أساتذة هؤلاء ؟؟ أم أن البيان يقصد كل المتابعات أيا كان نوعها ؟ وكل الأساتذة بجميع أطيافهم ؟؟ وهنا سنسقط في التعميم الذي لن يفيد إلا في تعويم القضية، أونسقط في تهرب النقابات أو بعضها من تسمية هؤلاء الأساتذة بالصفة التي عرفوا بها " الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد " وهي الصفة التي تحاول الوزارة نزعها عنهم بشتى الوسائل والطرق ولو أدى بها الأمر لتغيير تسميتها لهم كل فترة وحين ثم سؤال آخر قد يتبادر للذهن ما الذي حدث فجأة وفعلا هكذا فجأة وبعيدا عن المجالس الوطنية لهذه النقابات لتعود فجأة للتنسيق فيما بينها، وتصدر بيانا مشتركا وهي التي تسابقت قبل شهرين من أجل أن تصدر كل نقابة بيانها الإنفرادي، ما الذي حدث حتى غيرت بوصلتها من العمل الإنفرادي إلى العمل الجماعي و العودة للتنسيق الخماسي ؟، من أوحى لها بهذا في هذا التوقيت بالضبط ؟، بل وذيلت بيانها بالعبارة التالية " عاشت وحدة الشغيلة التعليمية وعاش التنسيق النقابي للنقابات التعليمية الخمس " فسبحان مغير الأحوال من حال إلى حال 
والآن وبعد صدور هذه الأحكام القاسية وغير المسبوقة، ماذا سيكون رد فعل النقابات التعليمية ؟ وما هي فاعلة ؟ جميعنا يعلم أن أهم دور تلعبه النقابات هو الدور النضالي، الكفاحي، الإحتجاجي، للدفاع عن الحقوق وتحقيق المكتسبات . وهذا الدور يتطلب منها الوقوف بجانب الأساتذة الذين صدرت في حقهم هذه الأحكام غير المسبوقة، هذه الأحكام التي لا يمكن وصفها إلا بالقاسية . لكن هل بعد توقيعها على " الإتفاق المرحلي " ستستطيع النقابات التعليمية القيام بدورها النضالي هذا يكفي أن نعود للصفحة الثانية من المحضر و نقرأ الفقرة التالية " ... تأخذ بعين الإعتبار الدور التأطيري والتفاوضي الذي تقوم به النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية " لندرك صعوبة أن تلعب هذا الدور، الدور النضالي الإحتجاجي مع ما حمله " الإتفاق المرحلي" من إلتزامات . فالنقابات وبتوقيعها على هذا الإتفاق وافقت على أن تحصر دورها في " التأطير و التفاوض "! ولا يقف التنازل عند هذا الحد بل إن هذه النقابات مضت بعيدا في إلتزاماتها، إلتزامات تكبل أيديها، وتمنعها من أهم وأخطر أسلحتها، سلاح الإضراب والإحتجاج. 
واليوم وبعد صدور هذه الأحكام القاسية بل والجائرة في حق هذا العدد الكبير من الأساتذة، هل يمكن للنقابات التعليمية الخمس الموقعة على البيان المشترك ليوم الأربعاء 9 مارس 2022، هل يمكنها توقيع بيان مشترك تدين فيه هذه الأحكام وتدعو إلى إضرابات تضامنية؟ الجواب على هذا السؤال قد نجده في الصفحة الخامسة من الإتفاق المرحلي وبالضبط في الفقرة الخاصة بإلتزامات " النقابات التعليمية " حيث تلتزم ب " التعبئة الإيجابية والتواصل البناء مع الشغيلة التعليمية " كم هو مضحك هذا الوصف للتعبئة، وصفها بالإيجابية، هذا يعني أن هناك تعبئة " سلبية " ... ولن تكون سوى التعبئة التي نفهمها و يفهمها كل النقابيون ... التعبئة للمعارك النضالية، فبعد هذا الإتفاق أصبحت هذه التعبئة تعبئة سلبية وجب تركها و الإبتعاد عنها، أو على الأقل تجنبها . واليوم في ظل هذه الإنتكاسة الخطيرة تجد النقابات نفسها في مأزق خطير وأمام إمتحان صعب، إمتحان أدركت القواعد التعليمية صعوبته فبادرت ومباشرة بعد صدور الأحكام إلى الإعلان عن معارك نضالية والإنخراط فيها دون إنتظار بيانات مكاتبها الوطنية، فعمت الإضرابات العديد من المؤسسات التعليمية صبيحة يومه الجمعة 11 مارس 2022 . فهذه الإضرابات تعلن عن وعي القواعد بالمأزق الذي توجد فيه النقابات. 
والآن من حق نساء ورجال التعليم، بل من حق جل المتتبعين أن يطرحوا السؤال المحرج: هل أعطت النقابات التعليمية الخمس عبر توقيعها " الإتفاق المرحلي " الضوء الأخضر للحكومة من أجل إتخاذ ما تراه مناسبا للقضاء نهائيا على أي فعل إحتجاجي داخل قطاع التعليم ؟ وبعبارة أخرى هل شكل هذا الإتفاق معبرا للحكومة للمضي قدما نحو قمع الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد؟ إن قساوة الأحكام الصادرة يوم أمس الخميس 10 مارس 2022 والتي وصلت إلى  حد الحكم بالسجن الفعلي لا يمكن إلا  أن تسير في هذا المسار، مسار القمع ولا يمكن فهمها إلا في هذا الإطار خاصة وأنها جاءت غداة لقاء هام جمع بين وزير التربية الوطنية والنقابات التعليمية، والأكيد أن الشك سينمو ويكبر في ذهن الشغيلة التعليمية خاصة إذا غاب أي فعل تضامني من هذه النقابات، فهل تقدم على إصدار بيان خماسي يدعو لخطوة نضالية موحدة حتى تزيل كل الشكوك وتعطي معنى آخر لما جاء في محضر الإتفاق؟ هذا ما ستتثبته الأيام القليلة القادمة، وفي انتظار ذلك يمضي اليأس ليتوسع في صفوف القواعد و تمضي قدما نحو تجاوز قياداتها الوطنية..