الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

أبو وائل الريفي: حركة 20 فبراير و"إحياء جثة شبعت موتا" !

أبو وائل الريفي: حركة 20 فبراير و"إحياء جثة شبعت موتا" ! مشهد من احتجاج حركة 20 فبراير في في ذكراها العشرون
كما كان متوقعا، لم تشكل ذكرى حركة 20 فبراير سوى لحظة أخرى لتأبينها وترسيم موتها، ولم تزد من تمنوا الركوب عليها إلا حرجا وانفضاحا أمام الشعب والإعلام، حيث اتضح أن حملات التعبئة والتهييج واستغلال موجة الغلاء والاضطرابات التي تشهدها السوق الدولية لم تؤت أكلها لأن الشعب أصبح يعي الحقائق التي يتعمد "مشاة الأحد" إخفاءها وتجاهلها.
لم تنفع سياسة النفخ في الأرقام وتناقل الصور المنتقاة بعناية لـ"الحشود" المشاركة في إضفاء طابع شعبي على وقفات ذلك الأحد، حيث بقيت الأعداد ضعيفة ولم تنجح دعوات الاحتجاج في استقطاب فئات جديدة، بل إن المتأمل في الوجوه الحاضرة يستنتج أنها نفس الوجوه التي تحترف التظاهر حول كل موضوع وقضية تتضمن شعارات ضد الدولة والمخزن و"داكشي". يخيل أحيانا للمتأمل في صور المشاركين أنها تعود لسنة 2011 لولا التغير الذي فعله الدهر بوجوه الكثير منهم. والتحدي المطروح أمام "هواة التهويل والتضخيم" هو إعلان الأعداد الحقيقية للمتجاوبين مع "ندائهم". هل وصلوا مليون محتج؟ أم اقتصر فقط على نصف المليون؟ أم أن الحقيقة المرة التي يتحاشاها هؤلاء هي أن الأعداد لم تفق الألف؟ لا يستطيعون مصارحة الرأي العام بذكر حقائق حول حصيلة أسابيع من التعبئة لأنهم لا يخضعون لمنطق ديمقراطي ومهووسين بـ "دكتاتورية الأقلية" التي تفرض أفكارها برفع الصوت واحتلال الشارع و"شرع اليد" وتجييش المراهقين.
يتناسى هؤلاء أن الرأي العام صار أوعى بهذه المخططات وصار أكثر استيعابا لمآلاتها حين تابع وصول دول عريقة إلى ما يشبه "الدول الفاشلة" التي لا يأمن فيها المواطن على ٱستقراره و ٱستقرار أقربائه.
الفشل الذريع الذي منيت به ذكرى هذه السنة يدق آخر مسمار في نعش هذه الحركة ويجعل المتشبثين بها أمام حقيقة واحدة، وهي أنهم حريصون على إحياء جثة شبعت موتا. ولا يحيي العظام وهي رميم إلا واحد هو الله سبحانه. على "مشاة الأحد" استخلاص خلاصات أساسية من وحي هذه الذكرى، ومنها أن الحركة تجووزت وأساليبها تقادمت وخطابها فقد جاذبيته حتى عند من كان مقتنعا به حينها والتسييسُ المفرط لمطالبها ينفر الشعب منها وغيابُ البدائل يضع أصحابها في حالة "رفضوية" تفقدهم المصداقية اللازمة عند الشعب الذي يهمه النقد مع تقديم بدائل. الاقتصار على النقد وحده والمبالغة في تصيد النقائص يصنف أصحابه في خانة غير الموثوق في نواياهم، وخاصة أن الكل صار اليوم يستوعب خلفيات ما سمي حينها بـ"الربيع العربي" الذي تحول إلى خريف مدمر للدول والأنسجة المجتمعية وإثارة النعرات الطائفية والإثنية.
وثاني الخلاصات لمحترفي النضال أنهم صاروا، بإصرارهم على إحياء حركة وصلت منتهاها بعد ميلادها بقليل، يضعون أنفسهم خارج التاريخ والمنطق، وفي هذه كان محقا عبد الله العروي حين قال بأن أمثال هذه الحراكات لا تصنع تاريخا وأصحابها لا يذكرهم التاريخ لأن فعلهم قاصر لا يرقى إلى حد التأثير في مجرى تاريخ أمة مثل المغرب اختار لها الملك مع الشعب خيارا آمنا ومتدرجا وتراكميا. ففي هذا العقد الأخير استجدت أمور كثيرة في علاقة المغاربة بالدولة اكتشفوا فيها، على الأقل خلال جائحة كورونا، حاجتهم إلى دولة قوية وقادرة ونسيج مجتمعي متضامن ومتماسك في ظل حالة الفوضى والتشرذم والعنف السائدة والتي تجد من ينفخ فيها في الداخل والخارج.
وثالث هذه الخلاصات التي على هواة رفع السقوف النضالية بدون عقلانية استيعابها هي أن منسوب الوعي المجتمعي ارتفع كثيرا والقدرة على التلاعب بالعقول والعواطف لم تعد متاحة بحجم كبير، حيث لم يعد المغاربة ينخدعون فقط بمن "يتجدر" ضد الدولة وسياساتها ويهوى الاحتجاج الأبدي.
أصبح المغاربة يسألون عن البدائل التي يقترحها لأن الاعتراض على كل شيء سهل واحترافه قد يعصف بمصائر الناس والمجتمع إن لم يرشد ويعقلن وفق لائحة مطالب معقولة تعي ظروف الزمان والمكان والسياق وحدود الموارد المتوفرة. أصبح المغاربة يقارنون بين كل العروض المتاحة فلا يجدون أجود وأعقل وأفضل من عرض "الدولة" التي تتمسك بخيار الدولة الاجتماعية في عز الجائحة وتتحمل نفقات إضافية في ظرفية غير مساعدة رغم شح الموارد ومحدوديتها.
ماذا يقدم يتامى حركة 20 فبراير للمغاربة؟ لا شيء غير إثارة الأحقاد الإجتماعية بما يهدد إرادة العيش المشترك وتقسيم المجتمع بما يفتح الباب أمام حرب أهلية. ولذلك لا يتجاوب الشعب مع دعواتهم الهدامة ويكتفون بمجمعاتهم المغلقة يستهلكون أنفسهم منذ سنين.
يتناسى "مشاة الأحد" وزنهم الصفري في المجتمع. لقد جرب بعضهم المنافسة الانتخابية فاكتشف حقيقته وهزالة تمثيليته وعزلته عن المغاربة، ورفض بعضهم خوض هذا الاختبار لمعرفته مسبقا أنه راسب فيه بامتياز، ويكفر بعضهم بهذا الخيار معولا على قومة لم تتحقق حتى في أحلامه، ويفضل بعضهم الفوضى الدائمة لإرضاء نزعات فوضوية مخيمة على سلوكه ومعششة في تفكيره. ولحسن الحظ، صار المغاربة أكثر وعيا بهؤلاء جميعا، وأكثر رحمة بهم من أنفسهم حين يعتزلونهم ولا يتجاوبون مع دعواتهم.
ورابع الخلاصات التي لم يستوعبها "محترفو النضال" منذ أزيد من عقد من الزمن هي أن افتعال الصراع مع قوات الأمن وسياسة التبوحيط وتصنع المظلومية لم تعد تجدي نفعا أو تدر تعاطفا. صار الشيخ النهجوي أمين يعلم مسبقا أن "سقطاته" و "تبوحيطه" لن ينطلي على أحد، وأنه ليس من السهل "يطيح الباطل" على مؤسسات تشتغل باحترافية ومهنية في احترام تام للقانون وللمبادئ الحقوقية المتعارف عليها. لم تتعرض الوقفات للتضييق وكانت كل الساحات رهن إشارة مشاة الأحد ليفضحوا أنفسهم بأنفسهم. ولمن احترف التبوحيط أن يقارن حاله في المغرب مع ما يتعرض له نشطاء الحراك في الجارة الجزائر والذين أغلقت في وجههم كل المنافذ للحيلولة دون تخليد الذكرى الثالثة للحراك الذي سماه يوما تبون مباركا قبل أن ينقلب عليه. لماذا يصمت الحقوقيون والإعلاميون الطوابرية والسمايرية عن هذه الخروقات؟ لماذا هم واقعون في غرام نظام العسكر؟ هل لأنه نموذجهم المفضل والذي يبشرون به المغاربة؟ أم لأنهم ذاقوا أموال العسكر وصاروا لا يتصورون الفطام عن إكرامياته؟
لقد كشفت محاكمة عمر راضي حقيقة الارتباطات التخابرية بعد الرواية التي قدمها منتدى بدائل المغرب. شخص يتلقى مبالغ مالية بشكل متكرر مكافأة على عمل صحافي لم ينجز منه شيئا!هل يستوعب عقل سوي هذا النمط من الحكامة المالية لدى منظمة تدعي أنها غير حكومية وتكلف شخصا بالتحري حول قضايا فساد وهي غارقة حتى أخمص قدميها فيه؟ وحين نبحث عن مصدر هذه التحويلات نكتشف أنها من منظمة معادية للمغرب ومساندة للبوليساريو! هل كل هذه مصادفات؟ ألم يعرف عمر راضي من قبل ميولات منظمة بيرتا؟ ألم يسمع برئيسها الجنوب افريقي توني تاباتزنيك المساند للبوليساريو؟ ألم يعلم بحجم معاداة تلك المنظمة للوحدة الترابية للمغرب وتمويلها لشريط مؤيد لأطروحة الانفصال في تندوف؟ أهو عبث أن يتكرر الأمر مع نفس عمر راضي بتصريحات معادية للمغرب من قلب الجزائر؟ هذا مثال واحد فقط لمن يصدعون رؤوسنا بالوطن والوطنية. هل بإمكان عمر راضي أن يقنعنا بأسباب منطقية لتلك التمويلات التي كان يتباهى بها أمام رفاقه؟
لقد علمت التجربةُ أبا وائل أن من لم تضربه الغيرة على وطنه ولم يتق الله في أبناء وطنه لا خير يرجى منه. قد يتعرض المرء للظلم ولكنه لا يستقوي بعدو على دولته، بل يناضل من داخل بلده ويتمسك ببراءته وسيُنصر ولو بعد حين.
 
عن "شوف تيفي"