الجمعة 19 إبريل 2024
منبر أنفاس

عزيز لعويسي: سياسة "دوبل فاص"

عزيز لعويسي: سياسة "دوبل فاص" عزيز لعويسي
نماذج كثيرة من السياسيين طالما أشهروا سلاح النقد والإحراج والاحتجاج في وجه الحكومات المتعاقبة، وما تتخذه من قرارات وتنزله من سياسات وبرامج حكومية، وبعضهم لم يعد يعرف في السياسة إلا المعارضة والهجوم والتبخيس والتشكيك، تحت يافطة الدفاع عن هموم المواطنين والترافع عن قضاياهم وانشغالاتهم اليومية.
 
لكن هذا الوجه النضالي، سرعان ما يتغير في لمحة بصر، بمجرد طرح جلباب المعارضة والارتماء في حضن الجسد الفتان للحكومة، حيث يتغير الخطاب ويذوب جليد الحماسة النضالية، وتتوقف طقوس الجدل والإثارة، وترتفع جرعات الأنانية والكبرياء والاستعلاء لدى البعض، وتتكسر أمواج قضايا وانتظارات المواطنين أمام تيار المصلحة الشخصية والأنانية المفرطة والرغبة الجامحة في الارتقاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في غياب تام للرياح العاتية الرابطة بين "المسؤولية" و"المحاسبة".
 
ولا يتوقف هذا المشهد السياسي الدرامي عند حدود تغيير المواقع من المعارضة إلى الحكومة، بل يمتد حتى نحو من ذاق أو تذوق حلاوة كراسي الحكومة، وعاد للتموقع من جديد في صفوف المعارضة، حيث يلبس ذات الجلباب القديم ويستعمل ذات القناع وذات الخطاب والأدوات النمطية، ويخوض بدون خجل في ذات المعارك النضالية العبثية، في إطار ما يشبه "استراحة محارب" في انتظار أن تجود الرياح المرسلة للسياسة بسفر حكومي جديد يتيح فرصا أخرى للصعود والارتقاء.
 
مشهد سياسي درامي، يبدو حاله كحال تلك المسرحية التي تعاد كل موسم انتخابي بذات الإخراج والديكور والسيناريو وأحيانا كثيرة بذات الوجوه أو الممثلين على الأصح، أما المواطنون فبعضهم يلعب دور "الكومبارس" وبعضهم الآخر يكتفي بالفرجة وفي أحسن الأحوال يعبر عن مشاعر السخط والرفض وفقدان الثقة والإحباط تارة في الافتراض وأخرى في الواقع، حاملين في جميع الحالات، الرغبة الجامحة في بلوغ التغيير المأمول وإدراك ما يتطلعون إليه من مطالب وانشغالات، وبين هذا وذاك، يحملون الأمل المشترك في تلمس ممارسة سياسية مواطنة ومسؤولة وراقية، بانية للوطن وخادمة لقضاياه المصيرية.
 
مسرحية سياسية باتت نمطية لا تطاق، لأنها كرست وتكرس نظرة للسياسة مقرونة بمفردات العبث والأنانية والمصلحة العمياء والوصولية والانتهازية، واقتناص الفرص ما ظهر منها وما بطن، في مشهد سياسي لم يعد فيه للرموز معنى ولا للمرجعيات مغزى، بعدما انحنت القيم وذاب جليد الالتزام، وباتت السياسة مأوى للعابثين والمتربصين بفرص الارتقاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي والباحثين عن الأضواء والنجومية وما قد تجود به السياسة من ريـع، في معترك سياسي تكاد تغيب عن سمائه شمس "ربط المسؤولية بالمحاسبة".
 
إنها "سياسة دوبل فاص"، تفرض علينا الاقتناع على مضض بمقولة "ولاد عبدالواحد واحد" و"ليس في قنافد السياسة أملس"، وتشكيل نظرة للسياسة مرادفة للتسنطيحة والجبهة وتخراج العينين، وتصورا للسياسيين مقرونا بمن يجيد القصف والتصويب والهجوم وإثارة الجدل والإثـارة، بل ومن له القدرة الفائقة على تغيير الخطاب بدون حرج أو خجل أو حياء، لما يظفر بالكرسي وتهب عليه نسائم الريع، أما خطاب الفقر والهشاشة والدفاع عن قضايا المواطنين، فلم يعد من الأولويات، وحتى إذا حضر ، فهو يحضر ليستعمل كأدراج للارتقاء.
 
وإذ ندلي بهذه المعطيات، ننوه بكل من يمارس السياسة بنبل ورقي ونزاهة إسهاما في بناء هذا الوطن العزيز، أما من يمارس "سياسة دوبل فاص" نقول له "كفاك عبثا".. فالوطن سئم العبث وضاق ذرعا من الانحطاط ... ولا سبيل لكبح جماح هذا العبث السياسي، إلا إشهار أسلحة "ربط المسؤولية والمحاسبة" و "من أين لك هذا ؟" وفتح بوابة "عدم الإفلات من العقاب"، وهذه الأسلحة الفتاكة، باتت اليوم ضرورة ملحة، لكسب رهانات مغرب العدالة والكرامة والحقوق والقانون والبناء والنماء والإشعاع ...