السبت 20 إبريل 2024
اقتصاد

باعلي الصغير: التدبير في فترات الرخاء المائي أفضل من التفكير في مشاكل الماء تحت الضغط

باعلي الصغير: التدبير في فترات الرخاء المائي أفضل من التفكير في مشاكل  الماء تحت الضغط مشهد من حالة الجفاف وفي الإطار باعلي الصغير، مهندس دولة ومختص في المجال الزراعي الاقتصاد الفلاحي القروي
مع القلق المتزايد الذي ينتاب الجميع على إثر شح التساقطات المطرية، وتهديد الجفاف الذي بات يخيم على المغرب هذه السنة، بدأ يطرح السؤال العريض اليوم حول ماذا جناه المغرب من "المخطط الأخضر"، الذي تبناه عزيز اخنوش رئيس الحكومة منذ أن كان وزيرا الفلاحة لعدة سنوات. 
"أنفاس بريس"، تنشر الجزء الثاني من الحوار مع باعلي الصغير، مهندس دولة ومختص في المجال الزراعي الاقتصاد الفلاحي القروي ورئيس جمعية الماء والطاقة للجميع، حول حصيلة "مخطط المغرب الأخضر":
 
المغرب يتمتع بمؤهلات فلاحية وموارد طبيعية وبشرية تمكنه من تحقيق الأمن الغذائي والأمن المائي، "وعليه أن  يحافظ" للأجيال المقبلة على حقها في هذا الأمن المزدوج. فما هي الاقتراحات الممكنة للوصول إلى هذه الأهداف؟
"إذا أخذنا بالمقاربة المجالية وأضفناها إلى مقاربة السلاسل  يتساءلون عن  الإمكانية التي على أساسها  نقوم بتوزيع الثروة، سنجد أنه اعتبارا من القيمة المضافة العالية التي أنتجها القطاع الفلاحي في 15 سنة الأخيرة، لم يتمتع العالم القروي بأكمله بهذه القيمة، حيث لم تكن انعكاساتها إيجابية على الجميع، وبقيت الضيعات الصغيرة على حالها ضعيفة، بل وازدادت ضعفا مع ما تشهده من  تقسيم الأراضي والإرث، ولم تبق لها إمكانية الإنتاج  الذي يعطي استمرارية الحياة  بالنسبة لها من الناحية الاقتصادية عكس الوتيرة العالية التي تطورت بها الضيعات الكبيرة. فالتفاوت واسع جدا.. ولهذا أرى أنه بخصوص المجالات السقوية الكبيرة  ينبغي أن توجه إلى السقي المعقلن بالتنقيط أو عبر تكنولوجيات حديثة. فتحويل السقي الانجذابي إلى السقي بالتنقيط سيؤدي إلى اقتصاد  2 مليار متر مكعب من الماء التي تمثل حجم النقص الحاصل هذه السنة. وبالتالي الأمر يقتضي: 

أولا: الاستمرار في العمل الذي كانت قد  بدأت فيه وزارة الفلاحة بخصوص توسيع المساحات التي تتبنى السقي بالتنقيط، وكان البرنامج السنوي في هذا الإطار يشتمل على  50 ألف هكتار للاقتصاد في الموارد المائية. 

ثانيا: استعمال تقنيات وتكنولوجيات عالية في اقتصاد الماء، خاصة وأنه للأسف يلاحظ أن العديد من الضيعات مازالت تستعمل " الغمر" في السقي، حيث تبين أنه يمكن أن يعطي سقي شجرة لمرة واحدة عن طريق الغمر ما  يمكن أن تحتاجه من الماء خلال سنة!! وهو عكس ما يتيحه السقي الحديث بالوسائل التقنية والتكنولوجية المتطورة التي تعطي الكمية المناسبة من الماء دون زيادة أو نقص وتحمي من تسرب المواد الكيماوية إلى الفرشة المائية، وهكذا نقتصد في استعمال الماء  وتحافظ على المياه الجوفية من التلوث  في أن واحد.

ثالثا: معالجة المياه العادمة، وهو ما يجب أن تبذل فيه الدولة جهودا متواصلة. فكل التكتلات السكنية الجديدة يجب أن تخضع مياهها العادمة للمعالجة، وتنص عليها وثائق التعمير  من تصاميم التهيئة وغيرها، ولهذا نؤكد دوما على تدبير المجال في كل المعايير ومن كل الزوايا، كما أن المنتخبين يجب أن يلعبوا  دورهم بخصوص التدبير المجالي، حيث أن التدبير المجالي  يجعل مثلا أن كل مستثمر في المجال الفلاحي ضمن المجالات المتعددة يستثمر عن بينة وفي إطار تصور محدد  يمنحه الاستقرار ويعطيه الانسجام مع السياسات العمومية لوضع حد لما نراه  اليوم من تحول مجالات فلاحية صالحة للزراعة إلى مجالات البناء والعقار. 

رابعا: التأكيد أن سياسة بناء السدود كانت ناجحة، فبفضلها أصبح عندنا 148 سدا و8 في طور الإنجاز بالنسبة السدود الكبيرة، كما يوجد تقريبا 120 سدا تليا، و27 سدا تليا آخر في طور الإنجاز،د. وبالتالي يجب الاستمرار في تعبئة الموارد لبناء السدود، وكذلك الشأن  بالنسبة لمشروع نقل المياه من اللوكوس  وملوية إلى الشاوية وتانسيفت الذي  يتطلب تمويلا، بما يقارب 20 مليار درهم. لكن الدولة تضع أولويات عند توزيع  ميزانية الاستثمار، فمثلا في السنتين الأخيرتين، ويسبب الجائحة، أصبحت الصحة هي الأولوية الأولى.

خامسا: مواصلة البرنامج 2020/2027  الذي يهدف إلى استثمار  113 مليار درهم لتزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب وتعميمه بنفس الكيفية التي تم بها تعميم الكهربة القروية وتوسيع المساحات المسقية عبر التنقيط، ونفس البرنامج يضم شقا يتعلق بتحلية مياه البحر. وقد سبق لنا في الجمعية أن راسلنا الحكومة والوزارة الوصية سنة 2009، واشرنا فيها إلى أنه لا بد من إرادة سياسة في ميدان تحلية مياه البحر رغم كلفتها العالية في البداية.  ولكن أوضحنا أن الجدوى الاقتصادية من المشروع أكيدة مع الاستعمال والاستغلال، دون إغفال بطبيعة الحال أن الظرفية تفرض أحيانا اختيارات  وأولويات مغايرة، وهكذا قلنا في تصورنا سنة 2009 إن هذه المياه غير التقليدية (مياه التحلية) أن عددا من المدن الساحلية تشرب من البحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي، عبر إنشاء وحدات لتحلية مياه البحر، وستمكن هذه العملية من توجيه  المخزون من  مياه السدود التي كانت مرصودة لهذه المدن إلى العالم القروي.

وحول الظرفية التي نعيشها اليوم التي تنذر  بندرة المياه، وصعوبتها بالنسبة لأحواض ملوية وتانسيفت وأم الربيع التي تراوح مخزون السدود والاحتياطات المائية الموجودة بها بين 10 و14% حسب السدود بهذه الأحواض، مقارنة بالمعدل الوطني 33,4%، والسنة الماضية 2021، والتي  وصلت النسبة إلى  47%. إذن فهنالك 2  مليار مكعب كعجز ، وهذا العجز سيكون له تأثير كبير، وأول قرار كان على الحكومة اتخاذه، وقد قامت به بالفعل بتنسيق مع الولاة والعمال، هو منع سقي الأراضي الفلاحية  في هذه الأحواض وفي هذه الفترة، لضمان التزويد بالماء الصالح للشرب. وعندما يمنع السقي، فإن المنع يطال كذلك الإنتاج الكهرمائي. فالأولوية الان هي أولا للماء، وثانيا للأمن الغذائي قبل القطاعات الأخرى، دون أن ننسى أن برنامج 2020/2027  أفرد محورا خاصا بالتحسيس. ولكن الإمكانيات المرصودة له لا ترقى إلى المستوى الذي يعطي لهذا المحور بعده المطلوب، وخاصة لأنه آني وظرفي ويعمل على المدى البعيد لتغيير العقليات وتطويرها حتى تستوعب خطورة المتغيرات وأهمية عقلنة تدبير الموارد المائية، على اعتبار أن الماء حق دستوري للجميع..

وخلاصة القول، نحن في الجمعية  نقول التفكير ثم التفكير ولا شيء إلا التفكير  في فترات الرخاء المائي، وذلك بالتدبير المعقلن، أفضل من التفكير في مشاكل الماء تحت الضغط. للأسف نحن عند  الرخاء المائي نبذر الماء ولا ندبره، وبين التبذير والتدبير يوجد الوعي الذي يبدأ من المدرسة والمؤسسة  والبرامج والمواكبة وآليات الزجر كذلك.