الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

اعتقل 69 يوما ليحكم بالبراءة.. وهذا ما قررته المحكمة لتعويضه

اعتقل 69 يوما ليحكم بالبراءة.. وهذا ما قررته المحكمة لتعويضه ذ.عبد النباوي، رئيس محكمة النقض (يسارا) إلى جانب ذ. الداكي، رئيس النيابة العامة

أصدرت محكمة النقض قرارا جديدا مؤداه التضييق من إمكانية حصول المتضررين من العمل القضائي على تعويض عن الضرر الذي أصابهم، وضمنا ضرر اعتقال متقاضٍ انتهى القضاء إلى تبرئته.

القرار، الذي نشرته "المفكرة القانونية"، يأتي بعد توالي صدور عدة أحكام عن محاكم إدارية مختلفة قضت باستحقاق "ضحايا" الخطأ القضائي لتعويض في إطار نظرية المخاطر دون تحميلهم عبء إثبات وقوع الخطأ.

 

ملخص القضية

تتعلق وقائع القضية بمقال تقدم به مدعّ أمام المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، يعرض فيه أنه اعتقل لمدة 69 يوما، بعد متابعته من طرف النيابة العامة من أجل جريمة تكوين عصابة إجرامية إلا أنه تمت تبرئته من طرف المحكمة المختصة. وأضاف أن الاعتقال سبب له عدة أضرار نفسية ومالية، ملتمسا تحميل الدولة مسؤولية ذلك، والحكم له بتعويض مالي قدره مليون ونصف درهم، مع نشر الحكم في جريدة يومية لمدة أسبوع، على نفقة المحكوم عليه، مع النفاذ المعجل.

وبعد استنفاذ الإجراءات القضائية، أصدرت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكمها بأداء الدولة في شخص رئيس الحكومة ووزير العدل تعويضا إجماليا لفائدة المدعي قدره 60 ألف درهم، وذلك عن الخطأ القضائي.

وبناء على ذلك تم استئناف الحكم، وقضت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بإلغاء الحكم الابتدائي، ورفض طلب التعويض عن الخطأ القضائي، فتقدم المدعي من جديد بطعن في القرار أمام محكمة النقض لخرقه لمقتضيات الفصل 122 من الدستور الذي يقر بمبدأ التعويض عن الخطأ القضائي، معتبرا أن قرار اعتقاله احتياطيا من طرف النيابة العامة لم يكن مبررا، وبأن سلطة النيابة العامة في اتخاذ قرار الاعتقال لا ينبغي أن تتسم بالتجاوز وبعدم المشروعية وبالإخلال بمبدأ قرينة البراءة.

 

موقف المحكمة

أيدت محكمة النقض القرار الاستئنافي القاضي برفض طلب التعويض عن الاعتقال الاحتياطي رغم صدور حكم بات بالبراءة لصالح المدعي، معتمدة على العلل التالية:

- الخطأ القضائي الموجب للتعويض في إطار المسؤولية الإدارية لمرفق القضاء هو الخطأ الجسيم غير المغتفر أو الإهمال المفرط الذي يقع فيه القاضي قليل العناية، والذي يدل على إخلاله بكيفية فادحة بواجباته المهنية خلال ممارسته لوظيفته القضائية؛

- قرار الاعتقال الصادر عن النيابة العامة في حق المتهم (المشتبه فيه) تم في إطار الإجراءات والمساطر المنصوص عليها قانونا؛

- الحكم الصادر بالبراءة لفائدة المتهم لا يعني خرق النيابة العامة للقانون أو القول بكونها ارتكبت خطأ قضائيا موجبا للتعويض؛

 

وعليه خلصت محكمة النقض للقول بأن قرار الاعتقال المتخذ من طرف النيابة العامة، تم في إطار سلطة الملاءمة طبقا لمقتضيات المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية ويبقى قرارا مشروعا، مما تنتفي معه بذلك مسؤولية الدولة عن الخطأ القضائي.

 

تعليق على قرار محكمة النقض

ينص الفصل 122 من الدستور المغربي على أنه: “يحق لكل متضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تمنحه الدولة”. ويمثل هذا المقتضى الدستوري مستجدّا في غاية الأهمية، لأنه يدشّن لإقرار المسؤولية عن الأعمال القضائية، بعد مسيرة طويلة من الالتزام بقاعدة عدم مسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية، وعدم السماح بمساءلة مرفق القضاء تحت ذرائع مختلفة.

تكرس الفقرة السادسة من المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الحق في التعويض عن الخطأ القضائي، كما تؤكد لجنة حقوق الانسان في تعليقها العام رقم 32 على أنه: “من الضروري أن تقوم الدول الأطراف بوضع تشريعات تضمن دفع التعويضات التي ينص عليها هذا الحكم في غضون فترة زمنية معقولة”، وعلى مسؤولية الدولة في تحمل عبئ الاثبات.

 

بالرجوع إلى قرار محكمة النقض، يهمنا إبداء الملاحظات الآتية:

- أن المحكمة وضعت تعريفا للخطأ القضائي الموجب للتعويض في إطار المسؤولية الإدارية لمرفق القضاء، يتمثل في كونه “الخطأ الجسيم غير المغتفر أو الإهمال المفرط الذي يقع فيه القاضي قليل العناية، والذي يدل على إخلاله بكيفية فادحة بواجباته المهنية خلال ممارسته لوظيفته القضائية”. ويلحظ أن هذا التعريف لم يستند إلى نص قانوني واضح، لكنه جاء قريبا مما تضمنته مقتضيات المادة 96 من النظام الأساسي للقضاة المثيرة للجدل، والتي عرفت الخطأ الجسيم الموجب للتوقيف الفوري للقضاة في عدة صور من بينها “الخرق الخطير لقاعدة مسطرية تشكل ضمانة أساسية لحقوق وحريات الأطراف”، و”الخرق الخطير لقانون الموضوع”. ومن شأن هذا التعريف أن يضيق بشكل كبير مفهوم الخطأ وأن يضيق تاليا بشكل كبير المجال أمام المتقاضين للحصول على تعويض عن الضرر الذي أصابهم بفعل المرفق القضائي؛

 

- أن محكمة النقض اعتبرت أن الخطأ القضائي واجب الإثبات وليس مفترضا في إطار نظرية تحمل المخاطر، في تراجع مثير للانتباه عن اجتهاد عدد من المحاكم الإدارية التي اعتبرت أن “مسؤولية الدولة عن الأخطاء القضائية تعتبر مسؤولية بدون خطأ استنادا على نظرية المخاطر القائمة على مجرد حصول الضرر ولو بدون خطأ من جانبها، الشيء الذي تعتبر معه مسؤوليتها قائمة عن الضرر اللاحق بالضحية المتضرر والمتمثل في قضائه لعقوبة سجنية رغم براءته بدون حاجة إلى وجوب إثباته لخطأ الدولة”. ويلحظ أن قرار محكمة النقض يلقي بعبء الإثبات على عاتق الضحية المفترضة للخطأ القضائي، على خلاف ما تذهب اليه المعايير الدولية ذات الصلة التي تحمل عبئ اثبات عدم وقوع الخطأ القضائي على الدولة...

 

وفي الوقت الذي تأمل فيه المفكرة القانونية في ألا يشكل هذا الاجتهاد تراجعا عن مكتسب إقرار التعويض عن الخطأ القضائي الذي تم اقراره في صلب دستور 2011، فإنها تتطلع لفتح نقاش عمومي حول أهمية إصدار تشريع خاص يعالج التعويض عن الخطأ القضائي، علما بأن الحزب الذي يقود الحكومة حاليا سبق وأن تقدم بمقترح قانون للتعويض عن الخطأ القضائي في الولاية التشريعية السابقة، ما يزال عالقا.