تعتبر المصالحة المجالية من أهم الركائز لبناء الاعتراف والإنصاف في المجتمع وبناء العيش المشترك. كما تفتح المصالحة أفقا ديمقراطيا لبناء الوحدة و التنوع المجالي بالانتقال من الصراع إلى التواصل و التفاهم و الإنصاف.
إن تنوع المغرب الثقافي والمجالي يوحد الجميع ضمن الوحدة الوطنية، أمازيغ وعرب وصحراويين ضمن هوية مركبة. هذه الوحدة تتقوى بالتعايش والتضامن والتعاون من أجل تحقيق التنمية المستدامة و العيش المشترك.
في نفس الوقت، تفترض هذه الهوية المندمجة الاستمرار في بناء مؤسسات ديمقراطية قوية حتى تعمل بفعالية، لخدمة مصلحة المغاربة من طنجة إلى الكويرة، ضمن تصور ديمقراطي خلاق يستمد أسسه ودعائمه من كونية حقوق الإنسان ودستور ديمقراطي. و كذا العمل من أجل تصحيح أعطاب ومعيقات الديمقراطية النيابية، باعتماد الديمقراطية التشاركية المنفتحة على المواطن حتى يستطيع معالجة مشاكله الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
في نفس الوقت، تفترض هذه الهوية المندمجة الاستمرار في بناء مؤسسات ديمقراطية قوية حتى تعمل بفعالية، لخدمة مصلحة المغاربة من طنجة إلى الكويرة، ضمن تصور ديمقراطي خلاق يستمد أسسه ودعائمه من كونية حقوق الإنسان ودستور ديمقراطي. و كذا العمل من أجل تصحيح أعطاب ومعيقات الديمقراطية النيابية، باعتماد الديمقراطية التشاركية المنفتحة على المواطن حتى يستطيع معالجة مشاكله الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
1- ثقافة الاعتراف والإنصاف
عالج الفيلسوف الألماني أكسل هونت في كتابه : " الصراع من أجل الاعتراف" نظرية الاعتراف. وقد تأثر هونت بالكتابات الفلسفية لايمانويل كانت وهيغل ويورغن هابرماس، في بعدها السياسي و الاجتماعي والتواصلي في الفضاء العمومي، ليجعل التواصل من أهم الركائز المهمة لتأسيس الاعتراف والإنصاف في المجتمع وبناء العيش المشترك، بحيث يقول : " المجتمع الجيد هو المجتمع الذي يسمح لأفراده من خلال توفير الظروف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بتحقيق ذواتهم. كما أنه المجتمع الذي يسمح لأفراده بتحقيق أحلامهم بدون المرور من تجربة الاحتقار أو الإقصاء. أو بعبارة أخرى جامعة، فالمجتمع الجيد هو الذي يضمن لأفراده شروط حياة جيدة".
عالج الفيلسوف الألماني أكسل هونت في كتابه : " الصراع من أجل الاعتراف" نظرية الاعتراف. وقد تأثر هونت بالكتابات الفلسفية لايمانويل كانت وهيغل ويورغن هابرماس، في بعدها السياسي و الاجتماعي والتواصلي في الفضاء العمومي، ليجعل التواصل من أهم الركائز المهمة لتأسيس الاعتراف والإنصاف في المجتمع وبناء العيش المشترك، بحيث يقول : " المجتمع الجيد هو المجتمع الذي يسمح لأفراده من خلال توفير الظروف الثقافية والاقتصادية والاجتماعية بتحقيق ذواتهم. كما أنه المجتمع الذي يسمح لأفراده بتحقيق أحلامهم بدون المرور من تجربة الاحتقار أو الإقصاء. أو بعبارة أخرى جامعة، فالمجتمع الجيد هو الذي يضمن لأفراده شروط حياة جيدة".
إن ثقافة الاعتراف و الإنصاف هي الغاية التي يطمح الإنسان إلى تحقيقها عبر سيرورة اجتماعية وسياسية لتجسيد الاعتراف والإنصاف على أرض الواقع لصالح المواطنة والمواطنين في المركز و الهامش. كما يوجد في جوهر العدالة الاجتماعية التي تهدف إلى تقليص الفوارق الاجتماعية و المجالية ببرامج اجتماعية و تنموية لتوفير شروط العيش الكريم وإدماج الفئات الهشة والمهمشين في المجتمع، بإنصافهم وتمكينهم من حقوقهم في التعليم والشغل والصحة والسكن والخدمات الاجتماعية. و بذلك تصبح الدولة في خدمة المجتمع لتسهيل شروط العيش وإنصاف الإنسان الذي تستغله النيوليبرالية بقراراتها وسياستها غير الاجتماعية والإقصائية الظالمة.
كما يفترض من الدولة ومؤسساتها أن تكون حامية وضامنة لحقوق الجميع داخل المجتمع عبر إنصاف جميع الفئات الاجتماعية. وتسهر على تطبيق سيادة القانون وتفعيل المؤسسات ومصداقيتها بالتجاوب مع المواطن ومطالبه. وكذلك تنزيل قرارات عادلة ومنصفة. الشيء الذي سيعيد الثقة في الدولة ومؤسساتها الدستورية من طرف المجتمع والعمل بفعالية لتحقيق العدالة الاجتماعية و المجالية.
2- المصالحة المجالية بأفق وحدوي وتنموي
تعتبر المصالحة المجالية رافعة أساسية لتحقيق العدالة المجالية لتنزيل السياسة التنموية في كل جهة بشكل متوازن. و ذلك بالاستثمار الإيجابي للموارد الطبيعية والثقافية و تدبيرها بشكل عقلاني و نزيه، لضمان شروط تنمية مستدامة. كما تقتضي المصالحة المجالية تنزيـل الجهويـة و الإنصات للمواطن، اعتمادا على الديمقراطية النيابية و التشاركية، بإشراك السكان المحليين و اقتراحاتهم بشكل ديمقراطي و تواصلي. و يتطلب ذلك مشاركة النخب و الكفاءات المحلية. تكون مسؤولة في تنزيل العدالة المجالية إلى جانب المجتمع المدني و الهيئات السياسية الفاعلة، من أجل المصلحة العامة للبلاد.
في هذا السياق، أكد الملك محمد السادس في خطاب العرش ضرورة تحقيق العدالة المجالية بشكل متوازن بين مختلف جهات المملكة و بنفس السرعة : " فلا مكان اليوم ولا غدا، لمغرب يسير بسرعتين ... لقد حان الوقت لإحداث نقلة حقيقية، في التأهيل الشامل للمجالات الترابية، وتدارك الفوارق الاجتماعية والمجالية." الشيء الذي يجعل الحكومة الحالية و القادمة أمام مسؤولياتها لتنزيل هذا الورش التنموي الذي لا يقبل المزايدة السياسية و الشعبوية. كما يتطلب هذا الورش تخليق الحياة العامة و ربط المسؤولية بالمحاسبة للوقوف على الإنجاز الفعلي للمشاريع التنموية و جودتها.
إن إنجاح هـذا الـورش الدستوري الـذي انخرطـت فيـه الدولـة، يتطلب إحداث شروط ممارسة جيدة للديمقراطية التشاركية، لتحقيق التنمية الاقتصادية للمجال الترابي و النهوض بالتنمية الاجتماعية وتقليص من الفوارق المجالية والنهوض بالبنية التحتية والمرافق العمومية و تحسين جودتها كالتعليم و الصحة و السكن مع توفير فرص الشغل للحد من الهشاشة و تسهيل الاندماج الإيجابي في المجتمع.
إن المغرب قادر على ربح الرهانات وعلى رأسها رهان الديمقراطية و العدالة المجالية والتنمية الشاملة في إطار الوحدة الوطنية والتعدد الثقافي. وهذه الغاية ممكنة باعتماد المصالحة المجالية و بوصلة المقاربة الديمقراطية و نجاعتها التدبيرية، كرافعة أساسية لبناء مجتمع يرتكز على مشاركة المواطنين في صنع القرار و المشاركة، لتحقيق التنمية وترسيخ الحقوق المجالية والاقتصادية والاجتماعية في إطار الجهوية المتقدمة. وذلك من أجل بناء الثقة في المؤسسات الدستورية حتى تشتغل بمصداقية وفعالية أكبر، لخدمة مصالح المجتمع والمواطنين في إطار دولة الحق والقانون.
إنه الأفق الممكن الذي يجعل من الديمقراطية الحقيقية وثقافتها مفتاحا للمصالحة المجالية وبديلا لمعالجة أعطاب مجتمعنا المعاصر وخاصة الهشاشة والفقر و نزعة الانفصال. و العمل على الترافع البناء للدفاع عن العدالة المجالية و التنوع الثقافي في إطار السيادة المغربية ووحدة المغرب الترابية من شماله إلى صحرائه لتحقيق التنمية و العيش الكريم لجميع أبنائه.
3- المصالحة المجالية والعيش المشترك
تساهم المصالحة المجالية في ترسيخ ثقافة العيش المشترك بين المغاربة. و ذلك بتدبير الاختلاف بالتواصل و الحوار برؤية ديمقراطية وتشاركية لمعالجة اختلالات المجتمع و المجال التي سببتها الليبرالية الجديدة ببرامجها القاسية. وذلك بتنزيل برامج اجتماعية بديلة تنهض بالتعليم والشغل والصحة والسكن. بهذا الشكل، تساهم المصالحة المجالية في بناء المواطن والمواطنة بمجهود جماعي للدولة والمجتمع، لتحقيق عالم أفضل وممكن بسرعة متوازنة بين الجهات، بدون إقصاء أو تهميش وتجديد الأمل في مجتمع جيد.
إن العدالة المجالية تضمن تحقيق الحرية و الكرامة و العيش الكريم للساكنة المحلية عبر مشاركتها في الاقتراح و اتخاذ القرارات بالحوار و التواصل البناء لتدبير الاختلاف و ترسيخ الاعتراف و الإنصاف، لبناء مجتمع قوي و متضامن في جميع الجهات، و قادر على مواجهة تحديات التنمية في عالم السرعة و اللايقين. إن بناء المجتمع الجيد والدولة الجيدة، وفق مفاهيم كل من يورغن هابرماس و أكسل هونت يتطلب التواصل و ترسيخ ثقافة الاعتراف للأفراد وحقوقهم، بحيث تتضافر الجهود من طرف الدولة باعتبارها حامية وضامنة للحق والقانون والدستور، لإنتاج قرارات جيدة. تعيد الأمل في عالم ممكن بالرغم من التحديات المركبة التي تعترض المجتمع الإنساني. وكذلك، إعطاء مصداقية أكبر للمؤسسات الدستورية وجعلها متفاعلة بشكل إيجابي مع المجتمع، منه وإليه، لإعادة بناء الثقة المتبادلة. وهذا رهين بمدى ترسيخ ثقافة الاعتراف والإنصاف في عالم يكرس الإقصاء والتهميش.
وهذا لن يتحقق إلا بجعل العقل التقنوقراطي والمؤسساتي ينفتح على الفعل الديمقراطي، باحثا عن الحلول للمشاكل و يراعي مصلحة الدولة و المجتمع، وليس مصلحة رجال الأعمال فقط. إن اتخاذ قرارات قاسية في مجال الشأن العام يخلق التوتر ويؤدي إلى تراجع الثقة. ويولد الإحساس بالظلم والإقصاء والتهميش. ويجعل المواطن يحس أن الدولة تتخلى عنه وتدار لحساب فئة قليلة وليس لعموم المجتمع.
لقد أصبحنا في حاجة إلى دينامية سياسية وثقافية جديدة تكون أكثر انفتاحا على الفعل الديمقراطي. يكون مدخلها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لخلق انفراج سياسي، وفتح حوار بناء حول الملفات المطلبية مع الفاعلين الاجتماعيين. وترسيخ حرية التعبير كحق من الحقوق العادلة والكونية للمواطن. تعبر في العمق عن قوة الدولة والمجتمع ومناعتهما في التدبير الديمقراطي وبناء مؤسسات قوية، تحتكم للتأويل الديمقراطي للدستور الحالي قابل للتطوير والإغناء و فق الإرادة الجماعية.
إن المصالحة و العدالة المجالية تتطلب الإنصات إلى مطالب المواطن ومرافعاته في مختلف الظروف والمجالات لمعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية بشكل متضامن، وعدم اللجوء إلى القرارات المتسرعة والأحادية، بالرغم من الاختلاف في المقاربات والتصورات. وذلك من أجل بناء مجتمع قوي يرتكز على الديمقراطية والتواصل الفعال، بمشاركة المواطنين في بلورة الحلول والبدائل و القرارات محليا و جهويا ووطنيا، تجسيدا للمواطنة المسؤولة وتفعيلا للديمقراطية التشاركية لتحقيق التنمية وترسيخ ثقافة العيش المشترك.
إن تنوع المغرب الثقافي والمجالي يوحد الجميع ضمن الوحدة الوطنية ، كهوية مركبة و متماسكة بالاعتراف و الإنصاف و التضامن. هذه الوحدة تتقوى بالديمقراطية المجالية والتضامن والتعاون من أجل تحقيق التنمية المستدامة و العيش المشترك. في نفس الوقت، تفترض هذه الهوية المندمجة الاستمرار في بناء مؤسسات ديمقراطية قوية حتى تعمل بفعالية، لخدمة مصلحة المغاربة من طنجة إلى الكويرة، ضمن تصور ديمقراطي خلاق. يستمد أسسه ودعائمه من كونية حقوق الإنسان ودستور ديمقراطي. و كذا العمل من أجل تصحيح أعطاب ومعيقات الديمقراطية النيابية، باعتماد الديمقراطية التشاركية المنفتحة على المواطن حتى يستطيع معالجة مشاكله الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية.
المصطفى رياني/ أستاذ باحث في الترجمة