الثلاثاء 16 إبريل 2024
مجتمع

فاجعة الطفل ريان...الآبار العشوائية...لجنة حقوق الانسان بالشمال

فاجعة الطفل ريان...الآبار العشوائية...لجنة حقوق الانسان بالشمال الراحل الطفل ريان ومشهد لطفل في رحلة البحث عن الماء
خشوعا وإجلالا نقف أمام الروح الطاهرة للطفل/ الملاك ريان الذي أخمد الحادث المفجع الذي انتهى برحيله ، نار الشر التي تكتوي بألسنة نيرانها البشرية لأسباب لا يسع المجال للتفصيل فيها، لكن الفاجعة التي حبست الأنفاس، وتنوع أشكال التضامن التي عبرت عنها ساكنة المعمور يتقدمهم الشعب المغربي الأصيل، بقيادة ملكه الذي لم يغمض له جفن طيلة أيام المحنة، انتصرت "للفطرة وإنسانية الإنسان" . درس كبير في حاجة لاستثمار فيه ...
 قد يبدو من عنوان هذه المادة الإعلامية بأن الغرض هو الإثارة ، ووارد جدا بأن القارئ(ة) سيتساءل عن الخيط الناظم بين عناصره الثلاثة . استفهامات مشروعة ومن حق القارئ(ة) طرحها ما دام الجسد الصحفي مصاب بأورام قاتلة ...أورام عرت عنها فاجعة الطفل/الملاك ريان ...
 يجب أن نقولها بشجاعة بعيدا عن سياسة النعامة ، وهي أن العالم القروي بجهة طنجة تطوان الحسيمة في العقدين الأخيرين توسعت مساحة زراعة القنب الهندي به ، قبل أن يبدأ تراجع هذا النشاط في السنوات الأخيرة. توسع مساحة زراعة القنب الهندي ، وتعزيز هذا النشاط بنبتات جديدة كما يتحدث عن ذلك البعض ، ما كان ليمر من دون أن يحمل معه ما يتطلبه الرفع من الانتاج . حل لا يمكن أن يكون إلا على حساب باقة من الحقوق وهي ، الحق في البيئة السليمة ،والحق في الماء ، وقبل ذلك الحق في الحياة.
 لضمان الرفع من مردودية الهكتار الواحد من محصول القنب الهندي،  اهتدى الكثير من المزارعين إلى جلب الكافي من الماء لسقي المنتوج . مصادر جلب المادة التي جاء عنها في القرآن الكريم " وجعلنا من الماء كل شيء حي " توزعت بين مياه الأودية ، وحفر ثقب الماء(آبار)  جد عميقة ، استعملت في اعدادها آليات ضخمة . المثير في الموضوع هو أن جل هذه الثقوب المائية المنتشرة بأكثر من إقليم بالجهة ، لا يتوفر أصحابها على ترخيص من الجهات المختصة، وأن العشوائية التي طبعت حفر هذه الآبار ، كانت تتم تحت أنظار السلطات ورؤساء المجالس الجماعية والبرلمانيين ....(الكمالة من رأس الأحمق) .
أول ما ترتب عن هذه العشوائية في التنقيب عن الماء لسقي القنب الهندي تدمير الفرشة المائية ، مما انعكس سلبا على تزود الساكنة بالماء بأكثر من قرية، فخرجت محتجة مطالبة بحقها في الماء. 
 في هذا السياق كانت ساكنة دوارين بجماعة زومي بإقليم وزان، وبعد أن أصبحت حياة أبنائها على مرمى حجر من الخطر، حيث جفت ينابيع الماء التي كانوا يروون بها عطشهم وعطش بهيمتهم، وبعد أن صمت آذان أكثر من جهة محلية وإقليمية وجهوية أمام صرخاتهم/ن، اضطروا للنزول إلى شوارع وزان صيف 2016، وتنظيم اعتصاما مفتوحا أمام مدخل عمالة الإقليم، واجهته الجهات الأمنية بتدخل سافر كان له صدى وطنيا .
ولأن البلاد لا يحكمها قانون الغاب ، فقد تحركت أكثر من جهة لتطويق تداعيات ما يعيشه الدوارين من مأسي، وتشكلت لجنة من رئيس المجلس الإقليمي، ونائب برلماني، وفعاليات مدنية وحقوقية هدفها الاطلاع على الوضعية بعين المكان ، ومحاورة الساكنة ، وتقديم مقترحات عملية واستعجالية لمعالجة وضعية ندرة المياه .
  اللجنة الجهوية تتقصى وتطرح توصيات
عضو باللجنة الجهوية لحقوق الانسان بالشمال في نسختها التأسيسية، وفي  إطار الصلاحيات التي يسمح بها القانون المنظم للمؤسسة الحقوقية الوطنية ( الوساطة واحدة من هذه الأدوار) واكب الحركة الاحتجاجية للمتضررات والمتضررين، وقام بالوساطة عندما استدعى الأمر ذلك، وانتقل إلى الدوارين للتقصي (التقصي من اختصاص الآلية الحقوقية الجهوية ) في الأسباب الحقيقية التي تقف وراء تعطيل التمتع بالحق في الماء المنصوص عليه دستوريا .استمع بمعية الفريق الذي انتقل لعين المكان، حيث اشتغل كل عضو من أعضاء الفريق انطلاقا من الأدوار المنوطة قانونيا بالإطار الذي يمثله. وتمت زيارة العين التي كانت تزود الساكنة بالماء الشروب . المفاجأة لم تكن غير الوقوف على حوالي عشرة آبار( صوندا) تحيط بالعين، ضيقة العرض وعميقة ( لا تختلف عن الثقب الذي سقط فيه المرحوم الطفل/الملاك  ريان....).
 من مسؤوليات عضوات وأعضاء الآلية الحقوقية بعد كل تكليف بإنجاز مهمة حقوقية ، إعداد تقارير وتذييلها بتوصيات تتابعها الرئاسة مع الجهات المختصة ، والجهات المختصة في هذا الموضوع لم تكن غير عامل إقليم وزان ،ووالي جهة طنجة تطوان الحسيمة  ، ومؤسسة الحوض المائي سبو .
بماذا أوصت الآلية الحقوقية ؟
لم يكن من السهل مغادرة الدوار من دون أن تحفر الزيارة جروحا  عميقة في نفوس كل من وقف على "الهشاشة الهشة" التي يعيشها سكان المنطقة ، حيث حرمانهم من الحد الأدنى من الحقوق الأساسية التي يضمنها دستور المملكة لأبنائه ... أوضاع اجتماعية جد صعبة تؤكد لمن يحتاج للتأكيد بأن دواوير بجماعة زومي تعيش على هامش القرن 21 ،وأنها مقصية من اعتمادات صناديق برامج الدعم (المبادرة الوطنية للتمية البشرية نموذجا) .
ومساهمة من اللجنة الجهوية لحقوق الانسان بالشمال في مواجهة هذه الوضعية أوصت بحزمة من التوصيات، لو تمت ترجمتها على أرض الواقع لكانت ساكنة الدوارين قفزت على معاناتها ، ولما لقي هذا المصير الطفل ريان / الملاك الطاهر، الذي لا يبعد حيث تسكن أسرته بدوار بجماعة بإقليم شفشاون إلا بمسافة السكة عن الدوار الذي حرمت ساكنته من الماء بإقليم وزان، لأن الكثير من الخصائص تجمع بين المنطقتين، ولأن توصيات بعينها كانت موجهة لهرم السلطة بالجهة .
 نذكر ب 3 توصيات من أصل 11 بحيث لو حظيت بالاهتمام وتفاعلت الجهات المعنية معها وعملت على تفعيلها في حينه  لما حدث ما حدث للمشمول برحمة الله الطفل/ الملاك ريان  :
 - طمر الآبار العشوائية التي لم يتقيد أصحابها بالقانون عند حفرها.
- تنبيه وكالة حوض سبو بضرورة دعوة أطرها التقنية والإدارية التقيد بالقانون - نصا وروحا- الخاص بحفر الآبار .
- تنبيه السلطة المحلية والمؤسسة المنتخبة بالجماعة بالسهر على حماية القانون ، والقطع مع المواطنة الامتيازية لأنها ممارسة لم تكن يوما بريئة ، و لله في سبيل الله .
ماذابعد
لقد أعاد لأذهان المغاربة الحادث المأسوي الذي انتهى برحيل الطفل/الملاك ريان الذي بكاه العالم بأجمعه ، بأن المغرب في حاجة ماسة للعدالة المجالية ، وأن طفولته التي ينتظر منها بأن تنهض بالمغرب مستقبلا في عالم تهزه تحولات كبرى، محرومة حتى من الحق في اللعب في مأمن، وأن الفساد الذي يخترق جسد الادارة والمؤسسات المنتخبة، يعطل تمتع المواطنات والمواطنين بحقوقهم الأساسية، وأن عدم تفاعل مسؤولين بقطاعات حكومية مع ما توصي به الآلية الحقوقية الجهوية هنا وهناك، وترافع المجتمع المدني الحقيقي والنزيه، لن ينتج عنه إلا المزيد من المآسي الاجتماعية التي تساهم في تعميق هوة اللاثقة بين المواطن ومخاطبيه المؤسساتيين، وتوسع مساحة الألم على مساحة الأمل .
  رحم الله ريان برحمته الواسعة .