الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

ادريس المغلشي: وداعا ريان ...!

ادريس المغلشي: وداعا ريان ...! ادريس المغلشي
ودعنا الطفل ريان من قريته(إغران) ضواحي شفشاون في يوم شديد البرودة يستمد دفأه من جموع الحاضرين، الكل يرفع أكفه متوسلا لتتدخل الألطاف الإلهية لتمنحنا فرصة لنراه بيننا مجددا.الجميع يترقب بل العالم بأسره يتابع تلك المأساة.
تركنا بعدما غادرتنا روحه البريئة بعد مضي خمسة أيام مضنية وكأنها أعوام، غادرنا وهو يشير بكلتا يديه إلى كلمات خطها على بساط من تراب بقاع البئر تاركا لنا وصيته وهو يقول:
متى نتعلم من المحن؟
بداية نقدم واجب العزاء للوطن وللطفل ريان بحجم التعاطف والحب الذي أفرزه الحدث. وأقف بكل إجلال واحترام لكل الأيادي الطيبة التي علمتنا كيف نبادل الوطن الحب والوفاء حين يحتاج لأبنائه. وأدين بشدة كل سلوك مرتزق يتاجر بآلام الناس من أجل كسب غير مشروع ولا أخلاقي لانصادر حق الناس في الحزن كما في الفرح، لكن لا نقبل استغلال الحالتين معا في ظروف وسياقات انتهازية.
دعونا نمارس إحساسنا وشعورنا الإنساني بدون انتماء ولا خلفية ولا متاجرة. فمع الأسف لم يعد يربط بعضنا بالبعض سوى الكوارث والفواجع والخيبات، لم نستوعب بعد الدرس، حتى ضاقت فسحة الأمل وأصبحنا نبحث عنها ككوة في الظلام. ضاقت الأرض بما رحبت.
لقد أصبحت ديبلوماسية الجنائز أكثر نجاعة وكفاءة من مراسيم الفرح والإحساس بالحياة بعدما أصبحت مبتذلة فاقدة للطعم والرائحة.
الحدث حرك الراكد فينا وأيقظ شحنة عاطفة جارفة تجاوزت الحدود وكسرت كل الأعراف الديبلوماسية وحاصرت هنجعية الأنظمة البائدة التي تدور حول نفسها لتشق عصا الوحدة بعدما أظهرت عجزها وتجاوزها التاريخ في بناء علاقات تحترم على الأقل المشترك بيننا بقداسة. كل المحاولات المنظمة بشقها المؤسساتي والعفوي أظهرت مدى نبل مشاعر وطن حين يتطلب الموقف تعبئة وحضورا مشرفا يعتز بأبنائه لكن يسائلنا الوضع هل نحتاج في كل مرة لواقعة مفجعة ومماثلة لتجعلنا نحس بانتمائنا لهذه الرقعة؟
لابأس ... وليس من العيب أن نبدي نوايا حسنة اتجاه حدث مأساوي تتقاطع فيه أواصر المحبة والأخوة لنعيد حساباتنا الديبلوماسية وكيف أن الطفل ريان جعلنا نفكر في العروبة والاسلام والاخوة وغيرها من الاعتبارات التي تعضدها من أجل استدراك كل الهفوات لترميم تلك العلاقات التي كسرت أساساتها بعض الحسابات الخاطئة المبنية على سوء الظن وتصدير أزمة و مأساة الداخل للخارج.
شكرا لك ريان. ورحمة الله عليك ...
لقد نبهتنا لأمور كثيرة لم نعد نلق لها بالا، كم أصبحنا بعيدين عن التزاماتنا الأخلاقية وكيف جعلتنا نلاحظ أن الهوة أصبحت سحيقة تطلبت حدثا قويا ليحدث رجة بدواخلنا، لنقف على حقيقة أننا افتقدنا كل المشاعر الإنسانية. واستطعت أن تسجل في مسار الحياة رغم حداثة عهدك بها أن كل الصور الحاطة من كرامة الإنسان والتي تجعله همجيا فوضويا عنيفا كلها مجرد انحرافات خادعة. وان الأصل فينا الخير والمسارعة لإدخال الفرح على الآخر مهما اختلفنا معه. كل العيون والمقل سال دمعها بلا حواجز جمركية للتعبير عن لحظة عميقة في دلالتها وسمو مشاعرها.
أيها الطفل الذي غادرنا ببراءته وقد ترك لنا رسالة ذات أبعاد إنسانية بليغة، مفادها أن الشعوب لها من مقومات الوحدة ما يجعلها تنتفض لكل حدث في إطار الواجب والوحدة التي قوضت معالمها مع كل أسف أيادي من الخارج والداخل.
ريان اسم سجله التاريخ وهو يمثل طفولة مغتصبة في واقع التهميش والنسيان. وكيف لا نلتفت إليها، ونتساءل هل فعلا حرك الحدث فينا الإحساس بالمسؤولية بالقدر الذي سجلنا في جانب التعاطف والمؤازرة منذ بداية سقوط ريان في البئر أم العكس هو الحاصل؟
اتفق مع من ينادي بفتح نقاش متعدد الأبعاد والمناحي للإحاطة بالحدث والذي ظهر جليا أن غياب الإعلام العمومي بمختلف توجهاته والذي يمون من المال العام لا علاقته بما يقع مما فسح المجال لصحافة الارتزاق اللعب على مشاعر المواطنين من أجل تحقيق أعلى نسبة مشاهدة والمنابر الدولية التي غطته بسقف زمني متتالي امتد لساعات متأخرة من الليل. أما الحكومة ففي دار غفلون توزع الكلام الفارغ الذي لا يمس اهتمامات الشعب لا من قريب ولا من بعيد.
لم نسجل لها حضورا في مكان الحدث ففوتت على نفسها فرصة إنسانية بامتياز وهي تحمل شعار حكومة اجتماعية وأتساءل عن أي مجتمع تتحدث ومن تمثل؟
الحدث مؤلم، أحس الكل بدرجة قوته، لكن السؤال المهم والأساسي، هل سنستفيد منه من اجل طفولة للمستقبل، ليدفعنا لطرح كل الأسئلة المقلقة والآنية؟ أم سيطوي النسيان الحدث وسنعود لحالاتنا الطبيعية متناسين ريان وأمثاله، وكثير من الأحداث الجديرة بالطرح والمعالجة؟
رحمك الله ريان ورحم الجميع.