الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

سليمة فرجي: ملاحظات حول مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية

سليمة فرجي: ملاحظات حول مسودة مشروع قانون المسطرة المدنية سليمة فرجي
ورد في الفرع الثالث من مسودة مشروع المسطرة المدنية مقتضيات مشتركة بين مختلف المحاكم، اذ نصت المادة 60 (الفصل 25) أنه لا يجوز للمحاكم ان تبت في دستورية القوانين مع مراعاة احكام الفصل 133 من الدستور، دون ان تبين مقاصد المشرع..
لذلك يبدو ان صياغة المادة المذكورة يجب ان تحظى بالمزيد من الجودة والتوضيح على اعتبار انه يؤخذ من مضمون الفصل 133 من الدستور أنه قصر الدفع بعدم الدستورية على أطراف النزاع فقط، واستبعد بشكل واضح خيار الطعن المباشر أمام المحكمة الدستورية، وألزم أن يمر الطعن وجوبا امام المحاكم العادية أو المتخصصة، قبل الإحالة إلى المحكمة الدستورية، لا ان يتم التوجه مباشرة الى المحكمة الدستورية كما يعتقد البعض خطأ .
لذلك فان التنصيص على عدم جواز بت مختلف المحاكم في دستورية القوانين لا يعني ان الطعن بعدم الدستورية لا يقدم امام هذه المحاكم
علما أن المحكمة الدستورية طبقا للفصل 133 من الدستور تختص بالنظر في كل دفع متعلق بعدم دستورية قانون اثير اثناء النظر في قضية وذلك إذا دفع أحد الأطراف بان القانون الذي سيطبق في النزاع يمس بالحقوق وبالحريات التي يضمنها الدستور، وان القانون التنظيمي الذي يحدد شروط واجراءات تطبيق هذا الفصل لا زال متواجدا برفوف لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب لكون المحكمة الدستورية قضت بعدم دستوريته.
لذلك يجب إضافة تعديل وتتميم للمادة المذكورة على ان تنص الفقرة الاولى على عدم جواز بت جميع المحاكم في دستورية القوانين..
وفقرة ثانية تتضمن حق أطراف النزاع بل وجوب تقديم طعنهم بعدم الدستورية امام المحاكم العادية او المتخصصة المعروض عليها النزاع قبل الاحالة على المحكمة الدستورية
من جهة اخرى بالرجوع إلى الفصل 118 من دستور المملكة نجده يضمن للمواطنين حق التقاضي للدفاع عن حقوقهم ومصالحهم التي يحميها القانون، بل يضمن حق الطعن اما الهيئات القضائية المختصة، كما ان ازدواجية درجات التقاضي طبقا لمبدأ التقاضي على درجتين يكفل استتباب الامن القانوني ، لان الاستئناف الذي ينشر الدعوى من جديد يجعل الحقوق محصنة مما قد يشوب حكم المحكمة الادنى درجة من عيوب اما بسبب فهم خاطئ و فساد التعليل وسوء التقدير او بسبب عدم الادلاء بأدلة ووسائل اثبات لا يتم الادلاء بها الا على درجة الاستئناف
لذلك يعتبر مبدأ التقاضي عل درجتين أحد أهم مبادئ القضاء، بحكم انه يكفل للجميع حق عرض النزاع أمام أكثر من محكمة للبت فيها، ويتيح لأطراف النزاع الذين لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم ،عرض نفس النزاع أمام محكمة أعلى درجة وهيئة قضائية مختلفة لتتأكد ان كان حكم المحكمة الادنى درجة قد طبق القانون تطبيقا سليما فتفصل فيه من جديد, إما بإقرار الحكم الأول وتأييده، او التصدي بإلغائه، لذلك يعتبر الاستئناف اجراء وآلية تحول دون الوقوع في الخطأ، طبعا مع ملاحظة مراقبة محكمة النقض التي تقدم طلبات النقض امامها والمعتبرة محكمة قانون وليس درجة من درجات التقاضي
ما ورد في مشروع قانون المسطرة المدنية من عدم امكانية الطعن بالاستئناف في القضايا التي لا يتجاوز المبلغ بشأنها خمسين الف درهم 50000درهم إذ تختص المحاكم الابتدائية بالنظر ابتدائيا وانتهائيا الى غاية خمسين الف درهم مع حفظ حق الاستئناف فقط في الطلبات التي تتجاوز هذا المبلغ ليعتبر في قمة الاجحاف بروح العدالة ويتناقض مع المقتضيات الدستورية التي ضمنت لجميع المتقاضين حق التقاضي بعيدا عن حرمان من لم يتجاوز طلبه هذا المبلغ من حقه في الانصاف وعرض قضيته على محكمة الدرجة الثانية ، الاكثر من ذلك فان الحرمان من حق الطعن بالاستئناف قد يكرس اجتهادا تقضي به المحكمة الادنى درجة, بل احيانا ينشد المتقاضي الانصاف وعرض القضية على محكمتين مختلفتين بغض النظر عن قيمة الطلب ليسود الاطمئنان وقدسية العدالة والامن القانوني
كما ان ما ورد في المشروع من عدم امكانية الطعن بالنقض اذا لم لم يتجاوز المبلغ موضوع الطلب مائة الف درهم أقل ما يمكن ان يقال عنه هو خرق مبدأ دستوري متمثل في ضمان حق المواطنين في التقاضي دون تمييز بين من يتعامل بمبالغ تفوق عشرات الملايين او اي مبلغ قد ينتج عن معاملات انصرفت نية الأطراف الى التقاضي بشأنها، تماشيا مع روح الانصاف ورفع الحيف، ولن يتأتى ذلك الا بسلوك جميع طرق الطعن المنصوص عليها قانونا، بما في ذلك الطعن بالنقض.
لذلك إذا كان استقلال القضاء كخيار دستوري واقعي يجعل منه أكثر قربا وإنصاتا وأكثر نجاعة وفعالية، وأكثر عدلا وانصافا فلماذا الانتقاص من الضمانات بشأنه وتقييد المتقاضين بمبالغ مالية موضوع طلباتهم من اجل سلوك مساطر الطعن؟ علما ان حرمان مواطن بسيط في مدينة نائية من حقه في النقض إذا لم يتجاوز مبلغ طلبه مائة ألف درهم لا يمكن مقارنته بكبريات الشركات المتواجدة في المركز والتي قد يبدو لها مبلغ مائة ألف درهم مبلغا زهيدا
الشيء الذي يكرس التمييز بالنسبة للمتقاضين وضرب حقهم في طلب الانصاف بعرض قضاياهم على محكمتين مختلفتين في خرق بين لمقتضيات الدستور الذي يضمن للجميع حق التقاضي
أليس الهدف اذن هو ارساء الممارسات الفضلى وتقليص هوامش الخطأ والتقصير؟
ومن يضمن ذلك إذا تم التقليص أو الحرمان من حق سلوك طرق الطعن؟
 
سليمة فرجي، محامية وبرلمانية سابقة