الخميس 18 إبريل 2024
خارج الحدود

العمى الجزائري: متى كانت فلسطين ظالمة يا لصوص الثورة والثروة؟

العمى الجزائري: متى كانت فلسطين ظالمة يا لصوص الثورة والثروة؟ محمد بلمو(يمينا)، وعبد المجيد تبون، وخلفه السعيد شنقريحة
يحز في النفس كثيرا هذا العماء المدهش الذي يطبع الكثير من مواقف عدد من "اليساريين" و"الديمقراطيين" العرب عندما يتعلق الأمر بالنظام العسكري الذي يجثم على صدر الشعب الجزائري ويزرع منذ انقلابه على الحكومة المؤقتة في ستينيات القرن الماضي وإلى يومنا هذا، بذور التفرقة والتمزيق في المنطقة المغاربية والعربية على حد سواء، حارما شعبه من ملايير الدولارات التي صرفها ويصرفها في شراء ذمم وإرشاء أنظمة ورؤساء وصحافيين من أجل هدف واحد لا ثاني له، وهو الوقوف في وجه الوحدة الترابية لجار شقيق أعطى كل ما يستطيع للثورة الجزائرية من أجل انعتاق الجزائر من ربقة الاستعمار الطويل، بل وكان رفضه لاستعمارها سببا أساسيا في شن الفرنسيين الحرب ضده وفرض الحماية عليه في بداية القرن الماضي. 
ترهات كثيرة وأكاذيب مضحكة كان يلوكها هؤلاء لسنين طويلة للأسف، نقلا عن عصابة عسكرية سرقت ثورة الشعب الجزائري وسلطته الشرعية وهرَّبت خيراته الضخمة أملاكأ وعقارات بلا حدود إلى الخارج، أفقرته وجوعته ودفعته ولا زالت إما إلى غياهب السجون أو إلى أتون المخدرات الصلبة التي تتاجر فيها، أو إلى الهجرة نحو الخارج وبطون أسماك البحر، وكل ذلك مغلفا بشعارات ثورية براقة  انطلت ولا زالت تنطلي على الكثير من اليساريين العرب وأعمتهم حتى أصبحوا لا يبصرون غير بريقها للأسف الشديد.
لنتمعن قليلا في شعار واحد من شعارات نظام "العصابة" كما سماه الحراك الشعبي، التي وصل بها الجنون هذه الأيام إلى درجة محاكمة طفلة في عمر 14 سنة بتهمة المشاركة في نفس الحراك المطالب بدولة مدنية دمقراطية. 
فمنذ عهد بومدين، وهؤلاء يرددون شعارا غبيا ومتخلفا لإظهار دفاعهم عن القضية الفلسطينية، كما لو أن الفكر التحرري عاقر، وكأنهم لا يستطيعون إبداع شعار حقيقي من تجربة الثورة الجزائرية التي سرقوها ودفنوا روحها، فعادوا إلى العصر الجاهلي وخطابه القبلي ليحوروا شعار "أنصر أخاك ظالما أو مظلوما" إلى "مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".
والغريب أن لا أحد من خبراء اللغة واللسانيات ومفككي الخطابات وقف عند هذا الشعار الذي يسيء في العمق إلى القضية الفلسطينية أكثر مما يخدمها.
فالشعار في تركيبه ولغته مأخوذ من قاموس قبلي جاهلي يقطر تمييزا وظلما وتخلفا. فبعد أن قضى وانتهى قبل مئات السنين، انتشله لصوص الثورة الجزائرية وثروتها من متحف التاريخ البائد ومن سياقه القبلي الجاهلي الضيق والتمييزي والظالم، ليسقطوه دون حياء على القضية الفلسطينية التي يسع نبلها وعدالتها وإنسانيتها العالم بأسره، بما يتعارض بل ويتناقض مع مضمر هذا الشعار الغبي والمتخلف.
إن الخبث هنا إزاء القضية الفلسطينية العادلة، يبدو جليا ومقصودا في الشعار المهزلة، من خلال أولوية نعث فلسطين ب "الظالمة" وجعل احتمال أن تكون "مظلومة" في مرتبة ثانية، وهو ترتيب له أكثر من دلالة ومعنى وإيحاء، بينما تاريخ قضية فلسطين يبرز عدالتها وتعرضها لظلم تاريخي فريد من نوعه، بحيث لم تكن في يوم من الأيام ظالمة، فكيف يرد في ذهن هؤلاء أن تكون فلسطين ظالمة إن لم يكن ذلك مقصودا ولأهداف مضمرة في نفس يعقوب؟ بل وكيف لجهابدة اليسار العربي والقوميين العرب والديمقراطيين العرب أن يبلعوا طعم هذا الشعار البليد والخبيث طوال عقود، بل ويجعلونه حجة قوية لالتزام نظام العسكر الجزائري بالقضية الفلسطينية، حتى دون أن يربطوا، ولو من باب التأمل والتحليل على الأقل، بين زيارة محمود عباس "رئيس السلطة الفلسطينية" للجزائر وحصوله على 100 مليون دولار، وزيارته أياما بعد ذلك لوزير دفاع الكيان الصهيوني في بيته بل في مستوطنته على الأرض المحتلة..؟ 
فمتى كانت فلسطين ظالمة يا لصوص الثورة والثروة؟