الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

إدريس المغلشي: بابا نويل لم يكن قديسا ولا راهبا

إدريس المغلشي: بابا نويل لم يكن قديسا ولا راهبا إدريس المغلشي

بابا نويل لم يقم في دير معزول على ربوة بعيدة يقصدها الزوار كل يوم أحد لأخذ البركة وممارسة طقوس تجدد إيمان أصحابها أمام مطبات حياة متقلبة متسارعة دون توقف.

 

يحكى والعهدة على الراوي أن شخصية بابا نويل تمتح من الأسطورة الموغلة في الوثنية قبل دخول تباشير المسيحية. من فكر في نسج هذه القصة العجيبة لبابا نويل وهو يوزع الهدايا على الأطفال عبر مداخن البيوت ونوافذها المفتوحة. ما هي إلا حيلة لترسيخ وشائج الحب وتعزيز علاقات الود بين أفراد العائلة. فرصة حركتها دواليب الاقتصاد كما شحنتها العواطف. أسبوع كرنفالي بكل المقاييس، تحتفل فيه الشوارع والمحلات والدكاكين، حيث تأخذ زينتها مسنودة بإعلام متواطئ وغادر لا يتوانى في كل لحظة لإبراز جمالية اللحظة وبهجتها.

 

ما أكثر الأحداث التي وقعت في سنة تلفظ أنفاسها الأخيرة..! الكل مترقب دقات الساعة لتصل نقطة الصفر. كل الساعات المثبتة في أعالي مباني الساحات الرئيسية بنورها الخافت. ترقبها أعين جاحظة لعلها تأتي ببشائر تنسينا السنة التي ولت وهي  تودعنا كسابقتها تحمل هموما لم تنجل بعد بوجود الوباء اللعين الذي حد من حريتنا في المعيش اليومي لكسب لقمة أعياها الضنك حتى ضاقت الأنفس ونفذ صبرها وهي تنتظر الفرج. أملنا في الله كبير أن يبدل الساعة بخير إن شاء الله.

 

فكيف بلحظة فرح تنفرج من شفق بعيد لاح في الأفق. لكي نقتنص كل فرص السعادة المنفلتة من الزمن الغادر وهي تعانق وجنات تلتحف الرصيف في يوم صقيع بلا مأوى ولا ملجأ. لنبدع مراسيم فرحة هجرتنا دون سابق إنذار. وبعدما شحت ساحة عواطفنا حتى بتنا نقتبس كل لحظة عابرة مهما اختلفنا حول تفاسيرها وعناوينها.

 

بدا الشارع مكتظا بالمارة، فوضى عارمة لا تكاد تطيقها العين، من أوقف سيارته في الشارع دون مبالاة. ومن احتله حتى اختل توازنه، المحلات مملوءة عن آخرها والناس تتسابق لاقتناء حلويات مرفوقة بأطفالها، واجهات أخذت رونقها طمعا في زبون فضولي عابر. ما سر هذه الجلبة التي غمرت شوارعنا حتى بدت مزدحمة لا تطاق؟

 

ألهذا الحد باتت أزمنتنا فقيرة نفسيا تائهة بلا هوية ولا بطاقة تعريف. دون مشاعر تبحث عن اقتباس لحظة ماتعة بين أحضان الأسرة بطريقة رومية" مهما اختلفت الطقوس حسب المستوى المعيشي لبعضنا البعض، لكن تبقى فرصة نتظاهر فيها بتباين فظيع بين فئات المجتمع يجسد حقيقة الفرق الشاسع والهوة السحيقة  بين الغنى الفاحش والاحتياج المدقع.

 

كم هي لحظة مؤلمة لعبت فيها الأسطورة دورها التخديري من أجل ترسيخ أفكار لا أساس لها من الصحة لكنها تبدو جميلة ونبيلة في عمقها، فلم يكن بابا نويل يوما قديسا يوزع صكوك الغفران على الخطائين  المغلوبين والمحرومين، لكنه تبنى الفرح عقيدة فطاف به بيوتا وأماكن كثيرة ما أحوجها إليه. لكن لنتفق أنه استطاع خلق سعادة داخل الأسر تتيح لها فرصة تكسير روتين قاتل. مازال يعكر صفوها ونتمنى أن ينجلي...