الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

البعمري: حديث عن اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء.. وزيارة فيشر للصحراء

البعمري: حديث عن اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء.. وزيارة فيشر للصحراء نوفل البعمري
قد يكون من محض الصدف القوية أن يتزامن إعلان إدارة ترامب الأمريكية بالاعتراف بمغربية الصحراء و دعم مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء الغربية المغربية، مع تخليد ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان وهو تزامن يعطي صبغة ذات أبعاد ليست فقط سياسية لهذا الإعلان بل حقوقية كذلك وما يرتبط من إسهام هذا الإعلان الأمريكي في إنهاء مختلف معاناة ساكنة المخيمات و طي الملف نهائيا بما سيسهم في وقف كل أشكال الانتهاكات الجسيمة لحقوق الاٍنسان،هذه الانتهاكات التي تتخذ طابعا ممنهجا تمارسه الدولة الجزائرية على المدنيين العزل بمخيمات تندوف خاصة منهم الفئات الأكثر هشاشة جندريا، وقبليا وسياسيا ممن لا يتوفرون على أية حماية داخل المخيمات ويكون انتهاك حقوقهم جزءا من الممارسة الاعتيادية للدولة الجزائرية ولتنظيم البوليساريو اللذين معا لم يعودا يتورعان في القيام بعمليات إعدام خارج نطاق القانون، واعتداءات جنسية تتعرض لها النساء، ثم التجنيد القسري للأطفال وإخضاعهم لتدريب عسكري يعرض حياتهم للخطر أضف لها أنها ممارسات تنتهك اتفاقية حقوق الطفل التي تحظر استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة.
هذا التزام ما بين الإعلان الأمريكي واليوم العالمي لحقوق الاٍنسان، أعطى له قوة رمزية كبيرة، تزامن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء،و احتفال العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو تزامن يلخص طبيعة النزاع ووضعيته الحالية ارتباطا بوضعية حقوق الإنسان في المخيمات والانتهاكات الكبيرة والخطيرة لحقوق الإنسان خاصة منها الحقوق الأساسية من جهة، وارتباطه بالأجوبة السياسية التي من خلالها سيتم حل هذا النزاع وحسمه لصالح مبادرة الحكم الذاتي التي تحضى اليوم بدعم دولي وأممي كبير،متنامي بفضل مصداقية المغرب على المستوى الخارجي،و جديته في التعاطي مع الأمم المتحدة وهيآتها من أجل إنهاء هذا النزاع و معها كل معاناة الساكنة المقيم بالمخيمات، هذه المعاناة التي لن تنتهي إلا بطي الملف على أرضية مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب والتي اعتبرها مجلس الأمن في قراره الأخير الصادر في أكتوبر 2021 عدد 2602 قد تبنى بشكل نهائي الحل المغربي واعتبره الحل الأمثل لطي الملف.
الإعتراف الأمريكي أصبح بعد مرور سنة على صدوره مكسباً للملف داخل الأمم المتحدة و بالمنطقة، ليس فقط لأن الولايات المتحدة الأمريكية هي صاحبة القلم الذي يعد مسودة القرار الذي يتم عرضه على مجلس الأمن قصد مناقشته، لكن من خلال التأثير السياسي الايجابي لهذا القرار على النزاع ككل،و على المغرب الذي أصبح اليوم يتحرك في المنطقة مع عدة شركاءه من منطلق قوة، أعطته و مكنته من الإعلان عن المواقف التي عبر عنها مؤخرا وهي مواقف تشير إلى التحول الذي تعيشه الدبلوماسية المغربية، هو تحول دبلوماسي جعل حضور المغرب في المنطقة إفريقيا، ومتوسطيا… يكون أكثر وضوح، صرامة و طموح نحو بناء شراكات مماثلة للتي تجمع اليوم المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية على المستوى الأمني، الإقتصادي،السياسي منها الحفاظ على المصالح الحيوية لكل طرف.
الولايات المتحدة الأمريكية من خلال إدارتها الجديدة فندت كل التوقعات التي كانت تشير وتروج لفكرة أن القرار الرئاسي الذي وقعه ترامب لن يحضى بقبول إدارة بايدن الديموقراطية، لكن الممارسة الدبلوماسية لهذه الإدارة اتجهت نحو تدعيم هذا القرار على مستوى خارجيتها إذ لأكثر من مناسبة ظلت تؤكد على أن الموقف الأمريكي من الإعلان لم يتغير، كما أنها و في إطار ملائمة ممارستها التقنية مع هذا القرار قامت بإعادة تقديم خريطة المغرب في عدة مناسبات و بسفاراتها بالمغرب كاملة، بدون الإشارة للمنطقة "المتنازع حولها"، بل كلمة المندوب الأمريكي عند التصويت على القرار الأممي 2602 كانت واضحة في دعم بلاده للحكم الذاتي و في رؤيته من الجانب الأمريكي كحل ذي مصداقية و يحضى بثقة الإدارة الأمريكية الجديدة.
كل هذه المواقف المواكبة للإعلان الرئاسي الأمريكي، أكيد أنه أغضب بعض اللوبيات المحيطة بالمغرب، ودفعتها لمنواشة المغرب لأكثر من مناسبة لمحاولة الضغط عليه ولولا وضوح الرؤية المغربية لكانت هذه اللوبيات التي ترى في تقدم العلاقة والشراكة بين المغرب وأمريكا تهديدا لها لأنها تريد من المغرب أن يظل في موقف ضعف لابتزازه بنزاع الصحراء، وهو تهديد وابتزاز قد طواه المغرب الذي يطالب بشراكة مماثلة للتي تجمعه اليوم بالولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت مثالا يحتذى به على المستوى الدبلوماسي.
هذا التزام بين الحدثين، ينضاف له تزامنهما مع حدثين قويين، يسيران إلى قوة العلاقة بين البلدين:
الأول: تزامنه مع زيارة وفد من السفارة الأمريك يقوده المستشار السياسي بالسفارة دفيد فيشر و مستشار بمديرية الشؤون السياسية بالسفارة أمين مسعودي للصحراء،و التقوا خلالها نشطاء حقوقيين من المنطقة، و هي زيارة ستكون مناسبة لتقوية الموقف الأمريكي في عهد إدارة بايدن، بحيث اطلعوا على حقيقة الوضع حقوقيا في منطقة الصحراء،و تجولوا بكل حرية و التقى كل الأسماء التي أراد لقائها بتنوع مواقفها، لكن ما سيكون قد لاحظوه ووقفوا عليه هو التحول الذي شهدته الحركة الانفصالية بالمنطقة التي كانت تختبئ تحت يافطة حقوق الإنسان وأصبحت اليوم بوق سياسي من أبواق البوليساريو في المنطقة، وهو تحول سيكون قد تمت ملامسته من خلال المواقف التي تم التعبير عنها، والتي تؤكد أن الحركة الانفصالية قد انتهت لغير رجعها، وهي نهاية تؤكد أن الانفصال بالمنطقة أصبح من الماضي، من ماضي المنطقة التي باتت منتصرك اليوم لفكرة الحكم الذاتي، وللوحدة الوطنية ولحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، لا حركية "حقوقية" كما كانت تمارس من طرفهم مؤدى عنها.
ثانيا: تزامنه هذه السنة مع التقرير الأمريكي حول الأمن إذ كان مشيداً بالدور الذي يقوم به المغرب على هذا المستوى، خاصة محاربة الإرهاب و الجريمة المنظمة و كان التقرير واضحا في التذكير بعمل المؤسسات الأمنية المغربية سواء لاديستي او لا جيد في حماية المنطقة و تأمينها، و محاربة كل أشكال الجريمة العابرة للدول و القارات و هي إشادة اعتراف بالعمل الذي تقوم به المؤسسات الوطنية الأمنية داخليا وخارجيا وتمكنها بفضل جاهزيتها، ويقظة نساءها ورجالها في تجنيب العديد من الدول من ضربات إرهابية خطيرة بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فهذا التزام مع ذكرى الإعتراف قدم إشارة بحكم الشراكة التي تجمع البلدين سياسيا،دبلوماسيا و أمنيا، و على ثقة الولايات المتحدة الأمريكية في كل المؤسسات المغربية التي تقوم بدورها كاملا في دفع المغرب لأخذ مكانته بين الأمم والشعوب.
سنة على هذا الإعلان وعلى دعم سياسي كامل أمريكي للحكم الذاتي وتحرك الدبلوماسية الأمريكية بالمنطقة، والتقرير الأمريكي حول دور المؤسسات الأمنية المغربية…. كلها تحولات تعكس التحول الذي شهدته المنطقة عموماً، والدبلوماسية المغربية خصوصا بقيادة الملك الذي وضع أساسها الاستراتيجي في خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2015، والذي جددها مع خطاب المسيرة الخضراء لسنة 2021.