الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

مذكرات امحمد التوزاني: هذه تفاصيل لقاءاتي بالراحل غسان كنفاني وثوار فلسطين (ح. 14)

مذكرات امحمد التوزاني: هذه تفاصيل لقاءاتي بالراحل غسان كنفاني وثوار فلسطين (ح. 14) امحمد التوزاني (يمينا) والكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني

المناضل امحمد التوزاني.. سليل حركة التحرر المغاربية والعربية من مواليد سنة 1938 بتازة، حمل في المنفى 13 اسما حركيا من بينه صديق غسان كنفاني، رفيق درب الفقيه البصري، ناضل بمعية وتحت قيادة الشهيد المهدي بنبركة وعبد الرحمان اليوسفي ومحمد باهي، وغيرهم..

التحق بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مرحلة التأسيس وتكلف ضمن اللجنة التنظيمية للمؤتمر بالجانب التنظيمي واللوجستيكي إلى جانب المرحوم مصطفى القرشاوي وفاصل الناصري وأحمد الخراص.

التقى أول مرة بالشهيد المهدي بنبركة عام 1962 حين كلف بمهمة استقباله بفاس والذهاب به إلى تاهلة ليؤطر تجمعا جماهيريا كان قد هيأ له الفرع الحزبي هناك.

ساهم في تأسيس حركة الاختيار الثوري بعد انتقاله إلى باريس إلى جانب عبد الغني بوستة السرايري وأحمد الطالبي المسعودي رغم كفره بمغامرات قائده ومثله الأعلى محمد الفقيه البصري..

"أنفاس بريس" تشرع في نشر مذكرات المناضل امحمد التوزاني، والتي تسلط الضوء على حقبة مهمة من تاريخ المغرب السياسي...

 

+ الأستاذ امحمد التوزاني، إن طلبنا منك أن تصف لنا نفسك، ماذا تقول؟

- امحمد التوزاني رجل بسيط ومتواضع وأحب الناس و أحب دائما تقديم المساعدة، لست منظرا ولست مثقفا كبيرا لكنني رجل ميدان وتجربة وأفهم في العسكرية وتجربتي النضالية والحياتية غنية وثرية ومتنوعة وقد أتيحت لي فرصة معرفة شخصيات كبيرة استفدت منها.

أنا رجل مدني الطبع والسلوك والتفكير، عسكري في تنفيذ القرارات والالتزامات ومنضبط للقيام بالواجبات. الآن أنا متقاعد وأريد أن أنقل ما عشت وشاهدت ومارست للأجيال الجديدة كي تأخذ العبرة. ورغم أنه يبدو لي أن شباب اليوم أقل قدرة على التضحية غير أنني أثق به وأحترم اختياراته على أن تكون اختيارات تعانق المستقبل، وأنا مع أن يكون للشباب الكلمة اليوم وليتحمل مسؤولية اختياراته.

 

+ دعنا نتحدث عن علاقتك بالكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، ما الذي حفزك كي تسعى للتعرف على كنفاني؟

- غسان كنفاني كان صحفيا وكاتبا فلسطينيا معروفا ومناضلا في صفوف حركة القوميين العرب، وقد كان أحد منظري الثورة الفلسطينية وتحمل مسؤوليات سرية وعلنية لفائدة الثورة الفلسطينية، وقد أصبح فيما بعد أحد مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومؤسسا لصحافتها..

أعرف أشياء عن الشاب غسان جعلتني أعجب به وهو من جيلي ويكبرني فقط بسنتين، ولذلك بحثت في سيرته الذاتية ومساره واهتماماته، وفي النهاية قررت أن ألتقيه مباشرة لأتعاون معه لصالح الثورة العربية والفلسطينية.

 

+ كيف التقيته أول مرة؟

- لقد طلبت من غسان شرارة أن يذهب بي الى غسان كنفاني، وغسان شرارة هو مدير جريدة البلاغ اللبنانية ومهتم بقضايا المغرب وصديق الفقيه البصري وصديق لنا جميعا.. ذهب بي إلى غسان كنفاني بسيارته إلى بيروت، حينها كنت حديث العهد بالتخرج كضابط في الجيش السوري، ولم أكن أحمل جواز السفر، وكان جواز سفري هو علاقاتي بأصدقائي الضباط السوريين خريجي دورة الأمير عبد القادر الجزائري الذين عينوا للاشتغال بالحدود، وكنت أتفق معهم مسبقا على موعد مروري من وإلى لبنان.

ذهبنا عند غسان كنفاني واستقبلني بحفاوة وجلست وإياه على انفراد. قدمت له نفسي على أنني عضو الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، ودردشنا لبعض الوقت، وقد وثق بي أيما ثقة ولو أنني لأول مرة ألتقيه، ولذلك أفصحت له أنني ضابط بالجيش السوري ومن موقعي ذاك أنا رهن إشارة الثورة الفلسطينية، كما قلت له أنه باستثناء وثائق تخرجي من الكلية الحربية بحمص فأنا لا أحمل وثائق تثبت هويتي، لكن الهوية التي تمثلني هي أنني رجل ثوري، اشتراكي، أممي، وقلت له لعل مصيري سيكون معكم.

 

+ إذا، منذ البداية بمجرد ما تخرجت من الكلية الحربية قررت أن تحمل بندقية الثائر لا غصن الزيتون؟

- ليس بالضبط، فمباشرة بعد تخرجي من الكلية الحربية توجهت إلى سفارة المغرب ببيروت وطلبت لقاء أحمد بنسودة وكان يعرفني وأعرفه لأنه كان عضوا بالحزب، وطلبت منه أن يمكنني من جواز السفر كي أعود إلى بلدي فاقترح علي أن يسلمني "ورقة المرور" لكنني رفضت، وكان رفض سفارتنا بلبنان منحي الجواز من الدوافع التي حفزتني كي أسعى للقاء غسان كنفاني.

 

+ وما هو مضمون الاتفاق الذي جرى بينك وبين غسان كنفاني؟

- لقد وقع بين يدي ملصق من إيران طوله نصف متر به مناضل إيراني معارض لشاه إيران محمد رضى بهلوي، المناضل كان مكبلا بالسلاسل. أخذت الملصق وأضفت إلى الرجل المكبل (رزة/عمامة مغربية) وكتبت أعلاه مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية يعانون السجن والقمع والتعذيب في ظل نظام الحسن الثاني، وهو الملصق الذي أخفيته عن غسان شرارة، ولما انفردت بغسان كنفاني، ونحن في نهاية حديثنا سلمته إياه وطلبت منه أن يوضع بالأسوار القريبة من سفارة المغرب ببيروت، وذلك نوع من الاحتجاج بالخارج للضغط على النظام المغربي للتخفيف من قمعه على المناضلين بالداخل.

 

+ إذا، كانت تلك أول مهمة بالخارج كلفك بها قائدك الفقيه البصري عن طريق غسان شرارة، أليس كذلك؟

- أبدا. لم يكن له علم بالموضوع ولم أكن قريبا منه بعد، واللقاء به والاتفاق معه على أشياء جاء فيما بعد.

لا تنسى أننا كنا جيلا مبادرا وجيل أحلام وكنا نحمل حزبنا ومبادئنا وهموم بلادنا أينما حللنا وارتحلنا، ليس جبلنا من المغاربة بل جبلنا العربي عموما، وقد كان الكثير منا قيادات لثورات بلدانهم، ومنا من أصبح من كبار مسؤولي الدولة ببلدانهم، نحن جيل عصامي، وهذا لا يعني أننا لم نخطئ، فقد أخطأنا كثيرا، وهذا أيضا لا يعني أننا أحسن من الأجيال اللاحقة علينا.

 

+ لماذا طلبت من غسان كنفاني أن يعلق منشوراتك بالقرب من سفارة المغرب ببيروت ولم تقم أنت بالمهمة؟

- أنا لا أحمل جواز سفر وكثرة تحركاتي بالعاصمة اللبنانية وخصوصا بمنطقة حساسة قد يعرضني لإعتقال الشرطة اللبنانية.

 

+ هل قام غسان بالمهمة التي كلفته بها؟

- نعم قام بها على الوجه الأكمل، لست أدري هل هو من نفذها أم رفاقه المناضلين. المهم أن المهمة أنجزت.

 

+ هل هناك تفاصيل أخرى؟

- كما قلت لك اتفقنا أن نكون جنودا مجندين لصالح الثورة العربية والفلسطينية وضد العدو الصهيوني الغاصب، وقلت له أنني باعتباري ضابط بالجيش السوري يمكنني أن أقدم الكثير من المساعدة لفائدة ثوار فلسطين.

 

+ هل قدمت لكنفاني خدمات كما وعدت؟

- لقد اتفقت معه أن يكون تعاوني معه سريا وألا يعرف شخص ثالث هويتي الحقيقية وأن أي مهمة أقوم بها و فيها شخص ثالث أن اتعامل معه بكلمات السر وبالأسماء الحركية، وقد قدمت فعلا خدمات عدة لغسان وثوار فلسطين، وكان ذلك قبل أن أدرب عسكريا أعدادا من الفلسطينيين وقبل أن أتواجد في ساحة الحرب ضد العدو الصهيوني.

 

+ أستاذ امحمد هلا حدثتنا عن الخدمات التي قدمت للثورة الفلسطينية لحظة تعاملك مع غسان كنفاني؟

- في علاقة مع كنفاني كان يسهل علي آنذاك كضابط في الجيش أن أنقل للثوار الفلسطينيين عبر الحدود السورية اللبنانية أشياء يحتاجونها.

 

+ مثل ماذا؟

- كل ما تحتاجه الثورة كنت أنقله. المناضلون الفلسطينيون هم من كانوا يسلمونني أشياءهم من داخل سوريا وهم من يتسلمونها من داخل لبنان...