الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

خولة كني: سياسة التحرير المالي لم تفرز منافسة حرة بين خدمات وأسعار الفائدة للأبناك

خولة كني: سياسة التحرير المالي لم تفرز منافسة حرة بين خدمات وأسعار الفائدة للأبناك خولة كني
في سياق حصولها على شهادة الدكتوراه حول موضوع «تطوير الآليات المالية وانعكاسها على النمو الاقتصادي: الطرح النظري على محك الواقع المغربي»،
أجرت
"أنفاس بريس" حوارا مع خولة كني، عضو منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية، دكتورة في الاقتصاد والتدبير وباحثة في الاقتصاد والتدبير بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمكناس.
 
ماهي التحولات التي طرأت على الاقتصاد المغربي منذ التسعينات من القرن الماضي إلى الآن؟
النظام المالي المغربي عرف تحولات هيكلية منذ سنة 1993، هذه الطفرات اتخذت أشكالا عديدة من أهمها تحسين شروط التمويل وخلق عروض مالية جديدة، وذلك كان ينبغي أن يمر عبر وضع إطار قانوني وتعديل المنظومة القانونية الموروثة على الاستعمار للتجاوب مع انتظارات مختلف الفاعلين الماليين والاقتصاديين.

فالنظام المالي المغربي تشكل منذ الاستقلال من مجموعة مركبة من المؤسسات المتخصصة، ترجمت إرادته في الحصول على هيئات مالية من أجل ضمان سيادته المالية والنقدية ودعم الاقتصاد الوطني في مراحله الأولى، وكذا مواكبة وتفعيل السياسات الاقتصادية. في هذا الصدد تم خلق وإعادة تنظيم مجموعة من المؤسسات المالية المتخصصة من قبيل صندوق الإيداع والتدبير CDG والبنك الوطني للتنمية الاقتصادية BNDE والصندوق الوطني للقرض الفلاحي CNCA وصندوق الادخار الوطني CEN والقرض العقاري والسياحي CIH ...كل من هذه المؤسسات عهد إليها بمهمة محددة مرتبطة بالادخار وتمويل المشاريع الاستثمارية وكذلك أنشطة متعددة في القطاع الخاص.

وترتب عن هذه الهندسة الجديدة للمؤسسات المالية المغربية ما بعد الاستقلال، نظام وساطة مالي مكتمل ولكنه مجزء، علاوة على كون قواعد تدبير هذا النظام كانت متحكم فيها من لدن الدولة، وترتب عن هذه الهندسة الجديدة للمؤسسات المالية المغربية مابعد الاستقلال ، نظام وساطة مالي مكتمل ولكن مجزء. علاوة على كون قواعد تدبير هذا النظام كانت متحكم فيها من لدن الدولة، وذلك عن طريق تأطير القروض وفرض عملية ضبط الاحتياطي النقدي.

وقد عرف النظام المالي بهذا الشكل عدة سلبيات أفضت إلى تفاقم العجز الميزانياتي وتزايد حجم المديونية، وتماشيا مع توصيات المؤسسات الدولية (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي). ومع برنامج التقويم الهيكلي بوشرت إصلاحات هيكلية أخرى تهدف أساسا إلى تحرير النظام المالي المغربي، عن طريق الغاء آلية تأطير القروض والاحتياطي النقدي، ومراجعة الإطار القانوني المنظم للمؤسسات البنكية (1993_2006_2015)، وتطوير سوق الرساميل واعادة النظر في المهام المخولة للبنك المركزي وتكريس استقلاليته. دون أن ننسى التراجع التدريجي لدور الدولة على هذا المستوى نتيجة لكل هذه التغييرات والإصلاحات أصبح المغرب يتوفر على نظام مالي متطور ومتنوع يتضمن إضافة إلى القطاع البنكي، الاسواق المالية، أسواق التأمينات، والقروض الصغرى، ورأسمال الاستثمار، والمالية التشاركية.
 
ماهي أبرز مظاهر قوة النظام المالي المغربي، والاختلالات التي لا زال يعاني منها؟
أكيد أن التغييرات والإصلاحات التي عرفها النظام المالي المغربي منذ الاستقلال، وخصوصا من سنوات التسعينات الى الان، مكنت المغرب من التوفر على نظام مالي متنوع ومتطور، ساهم في تعبئة الادخار وتوجيهه نحو الاستثمارات الخاصة ذات القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى مواكبة المقاولات الناشئة (Startup) والمقاولين الذاتيين، وجلب المستثمرين الأجانب ودعم الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن طريق المنتوجات والخدمات المميزة التي أضحت البنوك المغربية تقدمها، وهو ما يسهم في خلق فرص الشغل والرفع من القيمة المضافة الامر الذي ينعكس إيجابا على مؤشرات النمو الاقتصادي.

لكن بالرغم من الجهود التي بذلتها الدولة المغربية للانتقال بالنظام المالي المغربي، من نظام وساطة مالي إلى نظام الأسواق المالية، فلا زال هذا النظام يعرف عدة مظاهر قصور، أهمها أن النظام البنكي لا يزال هو المهيمن على النظام المالي المغربي مقابل حضور ضعيف للأسواق المالية، إلى جانب استمرار الحضور الملحوظ للدولة، ومن جهة أخرى فإن عروض القروض التي يقدمها النظام المالي يبقى غير كاف لتلبية طلبات الاقتصاد المغربي، كما أن سياسة التحرير المالي لم تؤد إلى منافسة حرة تنعكس إيجابا على خدمات المؤسسات البنكية، وهو ما يلاحظ على مستوى أسعار الخدمات، وخصوصا أسعار الفائدة، التي تكاد تكون متفق عليها بين جميع الأبناك.
 
ما هي قراءتك للعلاقة بين التنمية المالية والنمو الاقتصادي؟
من خلال الدراسة الميدانية التي قمت بها أثناء بحثي في سنوات الدكتوراه في موضوع «تطوير الآليات المالية وانعكاسها على النمو الاقتصادي: الطرح النظري على محك الواقع المغربي»، توصلت إلى بعض الاستنتاجات أهمها: أن تطور النظام المالي المغربي الذي تم قياسه من خلال مجموعة من المتغيرات تمثلت في: النسبة النقدية والشبه نقدية، نسبة القروض الممنوحة للقطاع الخاص، معدل الانفتاح التجاري، معدل الاستثمار، نسبة النفقات العمومية، (هذا التطور) انعكس إيجابا على النمو الاقتصادي، والذي بدوره تم قياسه عن طريق الناتج الداخلي الخام الفردي، وهي النتيجة التي تتماشى مع النظريات والفرضيات الاقتصادية المتبعة في هذا المجال، علاوة على ذلك فالمجالين المالي والاقتصادي تربطهما علاقة متزامنة المدى ومستقرة يتأتران ويؤثران في بعضهما البعض، مع ضرورة التأكيد على ان متغير «معدل الانفتاح التجاري للمغرب» ظل تأثيره سلبيا، ولم يؤتر على النمو الاقتصادي، مما يدل على أن سياسة الانفتاح التجاري التي نهجها المغرب لم تكن لها قيمة مضافة في النمو الاقتصادي الوطني، ولم تأت أكلها على هذا المستوى، ولربما ان هذه السياسة (الانفتاح التجاري) لم تتماشى مع متطلبات النمو الاقتصادي والاجتماعي للمغرب.

وختاما يمكن أن نقول إن المغرب يعد نموذجا يحتذى به من الدول السائرة في طريق النمو، التي استطاعت أن تحقق نموا اقتصاديا عن طريق وضع نظام مالي متطور فعال وحديث، من خلال تبني سياسة التحرير المالي منذ سنة 1993.
 
خولة كني/ عضو منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية