الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

لو كانت خيول "التبوردية" تنطق لشكرت المرحومة الأميرة لالة أمينة راعية الفروسية بالمغرب!!

لو كانت خيول "التبوردية" تنطق لشكرت المرحومة الأميرة لالة أمينة راعية الفروسية بالمغرب!! المرحومة الأميرة للاأمينة التي كرست حياتها للفروسية وحماية موروث التبوريدة بالمغرب
آلاف الكيلومترات من الأراضي الباردة كانت تفصل "التبوريدة"، الضاربة جذورها في أعماق الشموخ المغربي، عن دخول قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي العالمي غير المادي. ومع ذلك، استمرت "السربات"، على امتداد خارطة البلاد، سهلا وجبلا وصحراءً، في تعزيز أصالتها، لا تبالي إلا بالإقامة الواثقة فوق السروج، إلى أن خرجت أخيرا من تيارا اللامبالاة، واستحقت عن جدارة أن تدرج في قائمة التراث الثقافي العالمي، خلال اجتماع الدورة السادسة عشرة للجنة الحكومية الدولية لاتفاقية صون التراث الثقافي. 
إنه لمن الصحيح أن يشكل هذا الإدراج "اعترافاً دولياً بإرث حضاري عربي أمازيغي فريد في العالم يتشبث به المغاربة كثيراً"، ومن الصحيح أن هذا المطلب لم يستغرق إلا سنتين؛ غير أن الأصح، قبل هذا وذاك، هو أن هذا الاعتراف تقف وراءه امرأة عاشت وهي تزدحم بالخيول، وكانت رحمها الله منجذبة إلى مباهج الفروسية على اختلاف أنواعها، بل حولتها من مجرد رمز دال على "أحاجي التاريخ" بصورة باهرة إلى قوة رياضية متحركة لا يكسوها لحم الاستعارة والمجاز.
إنها الأميرة الراحلة للا أمينة التي خُلقت، كما كانت تقول عن نفسها، لتكسو الجياد بطبقة كثيفة من الألوان. وبالفعل، لقد دخلت الأميرة للا أمينة، منذ صغرها، في عشق لا متناه للفروسية، وحوّلت هذا العشق إلى منعطف وجودي ارتبط باسمها، مما جعل الملك المرحوم الحسن الثاني يوكل إليها، وهو يدرك أن عشقها للخيول يضيء كل مساحات البلاد التي أنجبتها، رئاسة الجامعة الملكية للفروسية، دون منازع.
ولدت للا أمينة في 14 أبريل 1954 في أنتسيرابي، بمدغشقر، بعدما أقدم المقيم العام على نفي والدها المرحوم محمد الخامس إلى كورسيكا، ثم إلى مدغشقر. ففي خضم النفي، انطلقت من جنبات فندق "لي تيرم"، حيث كانت تقيم العائلة المالكة، بشرى وضع المولودة، مما جعل السلطان يخاطب ولي عهده الأمير مولاي الحسن قائلا: "أنا ولدتها وأنت تربيها".
عاشت للا أمينة بعيدا عن القصور، في فيلا تضم مسرحًا سينمائيًا خاصًا، فضلا عن حديقة حيوانات، ثم مدرسة ابتدائية، ناهيك عن اسطبل خيول دأبت على زيارته يوميا منذ مطلع النهار، تقدم قطع السكر للجياد، وتمشط ظهورها، وتتمرن على الركوب باتزان فوق صهواتها. وباجتهاد غير مصطنع تحت رعاية مربيتها الألمانية جان ريفييل، صارت الفرس والدراسة عنوانين عريضين لمعركة الحياة. وبعد تخرجها من المدرسة المولوية، تابعت دراستها في شعبة الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط.
تزوجت للا أمينة بالطبيب شريف مولاي إدريس الوزاني، وأنجبت منه بنتا واحدة، هي الشريفة للا سمية الوزاني. وبعد وفاة زوجها، كرست حياتها للخيول، حيث ترأست الجامعة الملكية لرياضة الفروسية من 1999 حتى وفاتها في 2012. كما أنها أنشأت عام 1980 اسطبلًا خاصًا لتربية الخيول في سيدي بريني، فضلا عن إطلاقها لـ "أسبوع الفرس" بمدينة الرباط. 
وقد عرفت الأميرة للا أمينة بكونها العمة المحبوبة لدى الأمراء، لخفتها وتلقائيتها وعدم تكلفها، إذ كانت تخرج إلى الشوارع دون بروتوكول، وفي غياب الحراس الذين من العادة يخفرون الأمراء، ويحيطون بهم. كما كانت تحضر مؤتمرات ولقاءات من غير تعليمات لمنع الصحافيين أو الراغبين في أخذ صور لها.
لقد سهرت الراحلة للا أمينة على تنظيم أيام أسبوع الفرس، وشاركت في عدة مسابقات ونظمت عدة تظاهرات للرفع من رياضة الفروسية، وحرصت على أن تكون عروض أسبوع الفرس التي تقام في "دار السلام" بالمجان، وذلك رغبة منها في الدفع بالمواهب إلى اكتشاف عالم الفرس بكل عظمته.
ورغم مرضها الذي لم يمهلها طويلا، لم تستسلم، وظلت خلف عدة مبادرات، منها اقتراحها على ابن أخيها الملك محمد السادس تنظيم معرض الفرس بمدينة الجديدة، والذي استجاب لطلبها وسهر على دوارته إكراما لها، ولتلك المودة التي ظلت تتسع بينهما. 
لقد كانت الأميرة الراحلة وراء اتساع رقعة الاهتمام بـ "فن التبوريدة"، كأحد أقدم أشكال الاحتفالات الاستعراضية التقليدية في المغرب، سواء في المناسبات والأفراح أو في التظاهرات التي كانت تنظمها السلطة أو القبيلة أو ما يطلق عليه في المغرب "الموسم"،  بل شجعت النساء على الالتحاق به، لتسهم المرأة بدورها في إشعاع أو ديمومة هذا الطقس الاحتفالي والفلكلوري العريق، وبذلك أستحقت عرابة هذا الفن أن يكون إدراج "التبوريدة" ضمن التراث الثقافي العالمي غير المادي تكريما لجهودها، وتكريما لذلك العشق الذي رافقها طوال حياتها، وبذلت من أجله المطارف والحشايا.