الخميس 28 مارس 2024
سياسة

العميد البحيري يسلط الضوء على التقرير الأمريكي حول استراتيجية المغرب في مجال مكافحة الإرهاب

العميد البحيري يسلط الضوء على التقرير الأمريكي حول استراتيجية المغرب في  مجال مكافحة الإرهاب يوسف البحيري

أشادت وزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي حول الإرهاب، الذي صدر يوم الخميس 16 دجنبر 2021، باستراتيجية المغرب في مكافحة الإرهاب، معتبرة أن الدولة المغربية نموذجا فريدا في التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، إضافة إلى توفره على استراتيجية شاملة في هذا السياق ترتكز على التنمية البشرية والاقتصادية وتأطير المجال الديني قصد محاربة التطرف.

"أنفاس بريس" استضافت العميد يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي بجامعة القاضي عياض بمراكش، من أجل مقاربة هذا الحدث السياسي الهام.

 

+ ما هي تداعيات إشادة التقرير الأمريكي باستراتيجية المغرب في مجال مناهضة الإرهاب؟

- إن أهم ملاحظة أساسية يمكن تقديمها بشأن تقرير وزارة الخارجية الأمريكية هو أنه يعتبر الدولة المغربية "حليفا رئيسيا خارج الناتو" وشريكا رئيسيا في سياسة مكافحة الإرهاب، وهو ما يجعله يحظى بالثقة الدولية لهيئة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، حيث تترأس المملكة المغربية حاليا بشكل مشترك مع كندا المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، ويفسر لماذا يستضيف هذا البلد مناورات الأسد الأفريقي السنوية واحتضانه لمكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في أفريقيا، كما نوه تقرير وزارة الخارجية الأمريكية باستضافة المغرب لاجتماع فريق العمل المعني بمكافحة الإرهاب في إطار مؤتمر وارسو الخاص بالتمويل غير المشروع للتنظيمات الإرهابية.

وتجب الإشارة إلى أن لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن اعتبرت الدولة المغربية نموذجا فريدا لعدة اعتبارات في غاية من الاهمية، أولها انخراط المصالح الأمنية المغربية في مكافحة الإرهاب على المستوى الداخلي والمساهمة في مكافحة الإرهاب على الصعيد العالمي، وذلك من خلال تبادل معلومات استخباراتية مهمة مكنت مجموعة من الدول الصديقة من الوقاية وتفادي وقوع عمليات إرهابية تستهدف أمنها ومصالحها، خصوصا وأن سهولة تنقل المقاتلين من سوريا والعراق ساهم في توافد عدد كبير من الجهاديين الى كل أنحاء العالم. وفي هذا السياق أشار تقرير وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن المغرب يؤسس تعاونا أمنيا وثيقا مع شركائه الأوروبيين، ولاسيما بلجيكا وفرنسا وإسبانيا، لإحباط التهديدات الإرهابية المحتملة في أوروبا.

 

+ كيف يمكنكم تحليل الاستراتيجية المغربية في مجال مكافحة الإرهاب؟

- لقد طورت الدولة المغربية دينامية مقاربة هامة متعددة الأطراف في مجال مكافحة الإرهاب، التي لا ترتكز فقط على الجانب الأمني، بل تتجاوزه نحو استراتيجية دينية وروحية ناجحة، تروم نشر القيم والمبادئ الإسلامية المتجسدة في التسامح والاعتدال والوسطية، وذلك من منطلق المكانة الدستورية والسياسية لجلالة الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين وضامنا للأمن الروحي والديني لدى مكونات المجتمع المغربي.

والجانب الثاني الذي يجب استحضاره في تحليل الاستراتيجية المغربية، هو التركيز على المقاربة في مجال التنمية السوسيو اقتصادية في سياقات مكافحة الارهاب، والتي تضع الفرد في صلب انشغالاتها من اجل محاربة الاقصاء والتهميش والتي تستخدمه الجماعات الإرهابية من أجل توظيف عناصرها. وأكد المغرب أمام الدورة السابعة لمؤتمر الأطراف في معاهدة الأمم المتحدة باليرمو لمكافحة الجريمة المنظمة المنعقدة في فيينا، على توفره على استراتيجية متعددة الجوانب لمواجهة الجريمة المنظمة والإرهاب بمحاربة التطرف الديني وحماية المجتمع من الهشاشة، وكذلك إدماج المهاجرين في المجتمع المغربي.

وعلى المستوى الميداني، فالسلطات الأمنية المغربية تمكنت بشكل مستمر من تفكيك خلايا إرهابية كانت تخطط لمهاجمة أهداف مختلفة، من بينها مبان عامة وشخصيات ومواقع سياحية. كما نجحت منذ عقدين من الزمن في تفكيك شبكات إرهابية تابعة لتنظيم القاعدة بمنطقة الساحل لا سيما “فتح الأندلس” و”المرابطون الجدد” المكونة من أعضاء من جبهة البوليساريو وجماعة أمغالا. ويحذر المغرب منذ سنوات من التواطؤ القائم بين القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي ومليشيات البوليساريو في منطقة الساحل وما يشكله من تهديد حقيقي للاستقرار بدول شمال إفريقيا.

 

+ كيف تفسرون هذا الإجماع الدولي حول نجاح الدولة المغربية في كسب رهان الحكامة الأمنية في سياق مناهضة الإرهاب؟

- إن جريمة الإرهاب أضحت ظاهرة عابرة للقارات تخلف العديد من القتلى من جنسيات مختلفة والعشرات من الجرحى والبعض منهم سيعيشون بعاهات مستديمة نتيجة فقدان أعضائهم ويمكن أن يرتكبها الأفراد أو الجماعات من أجل نشر الخوف وعدم الاستقرار، والجمعية العامة للأمم المتحدة في 9 دجنبر 1994، وضعت تعريفا للإرهاب، على اعتباره "يندرج في الأعمال الإجرامية التي يقصد منها إشاعة حالة من الرعب، لأغراض سياسية وإيديولوجية بين عامة الجمهور.

إن العمليات الإرهابية كانت بمثابة امتحان حقيقي وجسدت محطة أساسية لاختبار مدى قدرات الأجهزة المعنية على احترام مبادئ وضوابط الحكامة الأمنية في مناهضة الإرهاب، وهو ما يؤدي إلى تقوية آليات الدولة في إعمال القانون وفي تكريس دور الأجهزة الأمنية في أن تكون في خدمة المواطنين وحماية الأرواح والممتلكات العمومية، وأن تساهم في ذات الوقت في السلم الاجتماعي ومأسسة البناء الديموقراطي والمجتمع الحداثي، مع منح كافة الضمانات لمحاكمة عادلة ومنصفة للمتابعين في ملفات جرائم الإرهاب، متضمنة فرص براءة المتهم، وحق اختبار الأدلة والحق في الدفاع وغيرها.

 

+ كيف تجرم مقتضيات القانون الجنائي الدولي الإرهاب الدولي؟

- الإرهاب تتوفر فيه أركان الجريمة الدولية كشكل من أشكال الانتهاك الجسيم لمبادئ حقوق الانسان، واتفاقية روما المتعلقة بالمحكمة الجنائية الدولية تعتبر الإرهاب جريمة ضد الإنسانية، وهو ما يستدعي تحريك آليات المتابعة الجنائية أمام العدالة الجنائية الدولية وكذلك أمام محاكم الدول الوطنية في سياق عدم الافلات من العقاب. فالجريمة الإرهابية تتنافى مع مبادئ الحماية الدولية لحقوق الانسان كالحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية اللذان يشكلان (noyau dur des droits de l’homme) النواة الصلبة للحقوق الطبيعية اللصيقة بالكائن البشري حيث تؤكد المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "لكل فرد الحق في الحياة وسلامة شخصه"، والمادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان، ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا".

ومن جانب ثان، إن المادة 20 من الوثيقة الدستورية الجديدة تشكل مرجعية لتأصيل مسؤولية الدولة في مجال حماية الحق في الحياة والفصل21 لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته. تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع. ويعطيها اتخاذ جميع التدابير الاحترازية لضمان حماية حق المواطنين في الحياة والسلامة الجسدية والسلم والطمأنينة وتعزيز وحماية النظام العام في سياق مناهضة الإرهاب وفق مبدأ قانوني راسخ هو حماية المجال المحفوظ للدولة le concept de la raison d’Etat، ومن هذا المنطلق فجميع السلطات العمومية الساهرة على حفظ النظام العام تمتع بنطاق واسع من الصلاحيات والسلطات التقديرية الممنوحة لهم لتمكينهم من أداء مهامهم وواجباتهم ومراقبة الأماكن العمومية والمساجد وما ينشر في الجرائد في حدود القانون، حتى لا تشكل تحريضا على الإرهاب وعلى القتل، وذلك لتأثيرها على المواطنين...