الجمعة 19 إبريل 2024
فن وثقافة

الثقافة الأمازيغية في الصحراء: قرا باش تفهم

الثقافة الأمازيغية في الصحراء: قرا باش تفهم عبد الله بوشطارت ( يسارا) ومشهد للألبسة والخيام الصحراوية التي تعد جزءا من الثقافة الأمازيغية
في الحسانية يطلق على الموسيقى أزوان ⴰⵥⴰⵡⴰⵏ وهي كلمة أمازيغية تعني الموسيقى. وفي الحسانية أيضا يطلق على الآلات الموسيقية تسميات كلها أمازيغية، وهي "تيدينيت" ⵜⵉⴷⵉ ⵏⵏⵉⵜ وآلة "أردين" ⴰⵔⴷⵉⵏ خاصة بالنساء، وكذلك آلة إمزاد ⵉⵎⵣⴰⴷ  هي آلة موسيقية صحراوية أمازيغية تعزف عليها النساء في الغالب. وهي تسميات لم يطرأ عليها تغيير وجدها الحسانيون في الصحراء بعد زحفهم واستعملوها لأنها تعبر عن أصالة وعراقة الثقافة الأمازيغية الممتزجة بالأرض وراسخة في التاريخ.
 
أما "إيگاون" ⵉⴳⴰⵡⵏ فهي رقصة أمازيغية معروفة حاليا في صحراء المغرب وموريتانيا وفي مناطق أخرى في صحراء التوارگ. يعتقد المتحدثون بالحسانية اليوم(أغلبهم صنهاجة الأمس) أن هذه المصطلحات عربية بلهجة حسان. كما يقول بعض الباحثين كلام لا معنى له، مثلا " آلة تيدنيت هي آلة موسيقية حسانية أصيلة"، هذا كلام حين يقوله مثقف أو باحث اكاديمي يصبح جريمة في حق التاريخ والثقافة والإنسانية. أما الجميع في مناطق الصحراء بالمغرب وموريتانيا فيعتبرون كلمة أزوان   ⴰⵥⴰⵡⴰⵏ Azawan هي مصطلح عربي حساني، إلى درجة أن مهرجان موسيقي كبير ينظم في مدينة العيون المغربية يسمى مهرجان "أزوان"، كما ينظم مهرجان موسيقى كبير في مدينة بوجدور يسمى أكبار ⴰⴽⴰⴱⴰⵕ Akabar وتعني "القافلة" وهم يطلقون هذه الأسماء يعتقدون أنها "حسانية " عريقة. كل هذه الكلمات والمصطلحات الأمازيغية لاتزال مستمرة في اللسان الحساني، لأنها كلمات قديمة جدا، واحتفظت على حيويتها واستمراريتها بالرغم من التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية التي طرأت في الصحراء على مدى فترات تاريخية متواصلة.
 
لذلك نلاحظ أن كل ما له علاقة بالثقافة والفنون في الصحراء، فهو لازال يحتفظ بالأسماء الأمازيغية الصنهاجية الأصلية، لسبب بسيط، لأن الثقافة لها خصوصية أهمها كونها بنيوية في المجتمعات الإنسانية لا تتعرض للتعرية بسهولة، مهما كانت شدة ورجة التحولات، كما أن القبائل التي تعتمد على الغزو والحرب وتأكل من المغارم والغنائم لا تهتم بالثقافة ولا تعتني بها، إن لم نقل قليلة الإنتاج الثقافي والفني. 

لذلك، نجد أن الايقاعات فيما يسمى  بالموسيقى الحسانية، هي ايقاعات الموسيقى الأمازيغية في الصحراء، سواء تعلق الأمر بايقاعات صنهاجة أو ايقاعات التوارگ. واليوم بفضل انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة والحرة، أصبح العالم مولوع وعاشق بموسيقى التوارگ بفضل المجموعة الأسطورية المدهشة والخالدة، تيناروين ⵜⵉⵏⴰⵔⵉⵡⵉⵏ اكثر مجموعة موسيقية شهرة في العالم، وهي من توارگ مالي،  تغني وتنشد حول قيم الصحراء وقيم تيموزغا، الحرية، السلم والتعايش، كما تعتبر سفيرة متجولة في بلدان المعمور تعرف بقضايا التوارگ. وكان مؤسسها الفنان إبراهيم أگ الحبيب من شباب تيشومرا الذين عاشوا في اللجوء السياسي بليبيا هروبا من بطش النظام المالي والنيجري بعد ثورات التوارگ منذ سنة 1963 في كيدال. 

وعن طريق مجموعة "تيناريوين" اكتشف المغاربة عمق وأصالة الموسيقى الصحراوية، وما يعرف بالموسيقى الحسانية، هي فقط شكل من أشكالها، ومن ضمنها أشكال أخرى متعددة في موريتانيا وحوض النيجر وجنوب الجزائر وجنوب ليبيا في غدامس ومرزوگ وغيرها، كلها تعبيرات وألوان الموسيقى الأمازيغية الصحراوية، بغض النظر عن اللغة التي تستعمل في الغناء، حسانية، أو لغة الصونغاي أو الهاوسا، أو التوبو، أو غيرها. لأن البنية الثقافية لا تتغير.
 
والحديث عن الأشكال الثقافية التي إنتجها المجتمع الصحراوي الامازيغي منذ القدم والتي لا تزال مستمرة في المجتمع الحالي الناطق بالحسانية، هو حديث لا ينتهي بحكم كثرة وتعدد المظاهر الثقافية التي قاومت الاندثار والتعريب، وفرضت نفسها بقوة داخل المجتمع، ولابد أن نذكر هنا عادة وطقس "تارزيفت". ⵜⴰⵔⵣⵣⵉⴼⵜ المنتشرة في مناسبات وتقاليد الزواج، وتعني الهدية المقدمة للعروس، وهي عادة أمازيغية قديمة، ومنها اشتق انرزاف إسم المجموعة الغنائية الأمازيغية المشهورة في سوس، ويعتقد حاليا الناطقون بالحسانية في جنوب المغرب وموريتانيا أنها كلمة وعادة حسانية. ومنها أيضا مصطلح " تارگالت" الذي يعني هو أيضا الهدية التي تسلمها الساكنة للقوافل التجارية العابرة للصحراء، ولذلك سميت بها مدينة وواحة المحاميد الغزلان شرق المغرب، قبل أن يغير محمد الخامس اسمها من تارگالت الى محاميد الغزلان، حين شاهد الغزلان تركض على الكتبان الرملية. 
 
ومن أشكال الثقافة أيضا، اللباس وطريقته، الذي يعبر عن الهوية والثقافة والتاريخ، وفي الصحراء نجد ظاهرة اللثام، التي تعتبر من بين ملامح هوية أمازيغ الصحراء، فلا داعي ذكر كلام الجغرافيون والمؤرخون الذين تحدثوا عن هذه الظاهرة، فجميع من تكلم عن الصحراء منذ الأزل إلا ويثير قضية وضع اللثام من قبل صنهاجة وقدماء التوارگ، ويندهشون بالطريقة التي يتمسك بها الامازيغ بوضع اللثام، قبل دخول القبائل العربية بكثير. إلى درجة أن دولة المرابطين الصنهاجية، كانت تسمى "دولة الملثمون" وكان يتشبث ملوكها بوضع اللثام، حتى وهم في قصور الأندلس.

واليوم يشتهر التوارگ باللثام، ويتميزون به عن باقي شعوب العالم، ليس لأنهم يقطنون في الصحراء وإنما أصبح محدد اساسي في الهوية والثقافة، فهو يعبر عن نمط عيش لشعب أصيل في الصحراء. ويسمى اللثام عند التوارگ ب تاگلموست ⵜⴰⴳⵍⵎⵓⵙⵜ  وفيه أنواع كثيرة بألوان متعددة، يتم وضعه بطرق دقيقة جدا وتخضع لمقاييس مضبوطة.
 
كما تجدر الإشارة أيضا، إلى أنماط السكن، ونقصد به الخيمة، فهي شكل من أشكال الثقافة الأمازيغية في الصحراء، فنوع الخيام المنتشرة في المغرب وموريتانيا فهي صنهاجية، في طريقة التصنيع والتركيب، كما أن خيام التوارگ تتميز عن خيام المناطق الأخرى التي تنتشر فيها القبائل الأمازيغية التي تعيش بالترحال، وتسمي بالأمازيغية لغة التوارگ ب أهين ⴰⵀⵉⵏ. ومنها اشتق اسم الجدة المؤسسة لشعب الهگار ⵉⵀⴳⴳⴰⵔⵏ  بجنوب الجزائر "تينهينان"  ⵜⵉⵏⵀⵉⵏⴰⵏ وتعني ذات "الخيام" وقبرها مزار يقدسه ويزوره التوارگ، وقد انجزت حوله ابحاث اركيولوجية في العقود الأخيرة. ويوجد تفسير في لغة التوارگ يقول أن إيزناگن ⵉⵥⵏⴰⴳⵏ  التي هي تصحيف والصيغة المعربة لصنهاجة تعني "أصحاب الخيام الجلدية".

بمعنى أنه حين نتحدث عن الخيمة كثقافة وكمؤسسة وكشكل من أشكال الحضارة، فإننا نتحدث عن ثقافة أمازيغية عريقة، وعن حضارة صنهاجية بالأساس، فقبائل الاطلس المتوسط المعروفة بقبائل زيان، تقول للمنزل والعائلة " أخام" "آيت أوخام" وهي قبائل ومجموعات صنهاجية أيضا.

لا يتسع المجال للحديث أكثر عن أشكال ثقافية أخرى تنتشر في الصحراء، ويعتبرها البعض أنها حسانية عربية، في الطعام والطبخ واللباس والشعر والرقص والزواج والهدية، وفنون التجميل عند النساء والتجوال، وأهمها طريقة إعداد الشاي وشربه وطقوسه، وهي طقوس أمازيغية عريقة، تتعرض اليوم لأشكال التزييف.

 نحن نبحث في هذه المواضيع بشكل علمي تاريخي وانثروبولوجي، ليس لنقول هذا أصلي وهذا غير أصلي، أو كرد فعل عن ممارسات معينة، وإنما للدفاع عن هوية الصحراء الأمازيغية، والعناية بالثقافة الأمازيغية والصنهاجية التي هي الأصل والامتداد في الصحراء، ومحاربة الجهل المركب حول هذه القضايا. ولابد أن نؤمن بثقافة التعايش وقبول الاختلاف التي هي أساسيات العيش وركيزة ثقافة الصحراء.

أما الهيمنة الثقافية والاقصاء والتفوق العرقي فهي أساليب بائدة ولى عنها الزمن والزمان.