الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

سعيد الشفاج: نزيف التعاقد.. التنين ذو الأربع رؤوس

سعيد الشفاج: نزيف التعاقد.. التنين ذو الأربع رؤوس سعيد الشفاج
منذ الاستقلال إلى سن نظام التعاقد جرب المغرب عدة توجهات وسياسات وتعاقب على تسيير هذا التعليم حكومات عدة برؤى واستراتيجيات لامعة من الخارجة وجوفاء من الداخل وما تغير من التعليم سوى الوزراء. ملايين الدراهم صرفت، والتي تبين وتؤكد بالملموس أن هناك جهات لا تريد أن ينعم التعليم بالجودة التي تخرجه من قوقعة الفساد والثراء الفاحش لشركاء الكعكة. تأكد بالملموس أن هناك من يريد أن يبقي على حليب بقرة التعليم بلبنها وزبدتها، أما فتاتها فهو للشعب، منذ الميثاق مرورا بالمخطط الاستعجالي، ثم الرؤية الاستراتيجية والقانون الإطار، فشل المغرب في وضع قطار النجاح في سكة التعليم، لأنه ببساطة راهن على الحصان الفاشل. ويبدو أن سياسة التنويم المغناطيسي التي تمارس علينا مربحة ومريحة في نفس الوقت.
التعليم بالمغرب الآن يشبه تنينا بأربع رؤوس: تعليم عمومي بنظام الوظيفة العمومية القديم وتعليم التعاقد المشؤوم، ثم تعليم خصوصي ذو الاتجاه الريعي والربحي، وهناك تعليم رابع يتبع نظام البعثات الذي عرف إقبالا من مغاربة يعيشون بيننا لكن عقولهم وانتماءهم اللغوي للأجنبي. هذا التنين يشغل مئات الأطر في ظل تركيبة وظيفة مضطربة وبرواتب متفاوتة، ومناهج ضعيفة تعتمد على الحشو والإطالة والتمطيط وساعات عمل منهكة للأستاذ وللتلميذ، لاسيما في القطاع الخصوصي، مناهج تقصي الإبداع والابتكار والتفكير الحر. إنه تعليم لتسلق المستويات وليس لصناعة إنسان الغد.
فشل المنظومة بكاملها هو لأنها تستحضر التحكم في البنية البشرية واستحضار الهاجس الأمني لقمع أية محاولة للتفكير الحر، بمعنى خلق كائن منسجم مع ماضيه وحاضره ومستقبله.
مربط الفرس في هذا المقال هو قرار وزارة شكيب بنموسى وحكومته بتحديد شرطين لاجتياز مباراة التعليم وهما: تحديد السن في الثلاثين (والزين الزين يحلى في الثلاثين) والانتقاء الأولي مع تكليف لجان بذلك وميزانية ضخمة طبعا. وهذا القرار له عدة أبعاد وسوف يضع الاستقرار الاجتماعي في خبر كان. أولا الحكومة اخطأت لأنها ستقصي حلم مئات الشباب بوظيفة للعيش الكريم وبرغبتهم في بناء وطن يحلمون به. ثانيا، نعلم جميعا ارتفاع نسبة البطالة في صفوف الطلبة المتخرجين من الجامعات المغربية. ثم كيف يمكن أن نفسر العلاقة بين القرارين والجودة؟
مع العلم بأن الجامعات بالمغرب تعرف عدة اختلالات، والدليل أنها أصبحت ورشا لتخريج جيوش من العاطلين بسبب سوء تدبير العلاقة الثنائية بين الشهادة وسوق الشغل. ثم كيف تضمن أن شابا حصل على ميزة عالية بالجامعة أو بالباكالوريا أن ينجح في مهنة تحتاج إلى كاريزما خاصة، وضوابط تربوية واستعداد نفسي لممارسة التعليم. ثم هل يعجز شاب في الواحد والثلاثين أو حتى في الاربعين على مباشرة القسم والتكفل بإتمام كافة إجراءات التعلم؟ مسألة أخرى تتعلق بمفهوم الحكومات الاجتماعية المنتخبة التي تحرص كل الحرص على خلق فرص شغل في صفوف الحاصلين على الشواهد العليا. لكن يبدو أن الهاجس الاجتماعي مغيب في حكومة تستمر في استنزاف المدرسة المغربية وتحويلها في المستقبل إلى ورش اقتصادي ربحي في أفق التخلي نهائيا عن تكلفته. من جهة أخرى نعلم واقع التنقيط بالجامعات المغربية، والذي للأسف يستند عند البعض على ميزات خاصة، لاسيما عند بعض الطالبات، هذا سيضفي على عملية الانتقاء مزيدا من الغموض وإقصاء من يحب هاته المهنة ويجد نفسه موهوبا فيها.
لم تشفع مبادئ الدستور كالمساواة في ثني وزارة التعليم عن التخلي عن قراراتها المتسرعة. الانتقاء سيحرم الشباب المغربي من مجرد الحلم. الحلم آخر معاقلهم وحبل النجاة من مغرب ما بعد كورونا. ماذا يضر الحكومة لو أنها منحت الفرصة للجميع كي يجتاز المباراة ولها الحق في تحديد معايير الاختيار انطلاقا من أطر مرجعية يشرف عليها خبراء مختصون في المجال والمغرب غني بطاقاته البشرية، فقط لم تمنح لها الفرصة وهم بالعشرات. المباريات بالمغرب جرح المغاربة الذي لم يندمل، والمرور بالانتقاء، ثم الكتابي، ثم الشفوي، ثم التكوين، ثم التعيين كي تجد نفسك في ظروف عمل كارثية ومستوى متدن للتلاميذ. وأنا في تدوينة الوزير الأخيرة والتي صرح فيها بأن سبعين في المائة من التلاميذ المغاربة يجدون صعوبة في القراءة والحساب وتقرير بيزا الأخير كشف عن الخلل. فهل يجب أن نعيد نفس آليات الفشل القديمة؟ أين العقل المغربي المبدع؟
إنها أسئلة ترافقنا كطنين الأذن منذ سنوات.فيما يخص وضعية المتعاقدين مع التعليم الخصوصي فهنا نجد أنفسنا أمام إشكالية مزدوجة، أولا فالباطرونا ترى أنها تفقد العديد من أطرها في منتصف السنة الدراسية بسبب تفوقها ونجاحها في المباراة، و ثانيا فإن وضعية العاملين الهشة بالقطاع تدفع المئات من الأطر الممتازة اختيار الفرار بجلدها بسبب غياب إطار قانوني واضح يحمي شغيلة القطاع وتحت إشراف وزارة التعليم، لذا ولأن الحكومة غير الاجتماعية التي جاءت بشعار الرأسمال المادي أهم من الرأسمال البشري، فقد فرضت شرط عدم التعاقد مع جهة ما للمشاركة في المباراة.
إن مبدأ المساواة الذي شرعه الدستور يضع كل المغاربة في كفة واحدة وهي أحقية المشاركة في المباريات الوطنية كيفما كانت ظروفهم. وإذا كان التعليم الخصوصي حريصا على أطره فما عليه سوى تحسين أجواء العمل وخلق علاقة تعاقدية تضمن الحقوق والواجبات تحت إشراف فعلي للأكاديميات وضمان استقرار هاته الأطر، كما يقول المثل (حتى مش مكهرب من دار العرس).
 
سعيد الشفاج، محلل تربوي