الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

نجيبة قسومي: في الحاجة إلى تعزيز الترسانة القانونية لحماية المرأة من التحرش الجنسي

نجيبة قسومي: في الحاجة إلى تعزيز الترسانة القانونية لحماية المرأة من التحرش الجنسي نجيبة قسومي

تنتشر ظاهرة العنف المبني على النوع في جميع الأوساط الاجتماعية المغربية. حيث أنها أصبحت تصنف من أبرز المشاكل التي تعاني منها النساء داخل مختلف الأماكن انطلاقا من الوسط الأسري مرورا بالشارع العام، وصولا إلى أماكن العمل وحتى داخل أسوار الجامعات والمؤسسات التعليمية التي من المفترض أن تكون فضاء يكرس ثقافة حقوق الإنسان ومناهضة العنف بكل أنواعه وخاصة العنف المبني على النوع الاجتماعي.

عندما نتحدث  اليوم عن العنف المبني على النوع الاجتماعي فإننا نتحدث عن ظاهرة معقدة ومترسخة في جدور عدة مجتمعات مختلفة، منها المتقدمة جدا، وأخرى في طريق التقدم،  ويبقى المغرب كمجتمع ذكوري واحد من هذه المجتمعاتالتي تحتضن هذه الظاهرة الجرمية تحت غطاء السلطة الذكورية الممزوجة برواسب ثقافية معينة تحتل مخيال الشعب المغربي كالطابوهات المتعددة التي تجعل من المرأة وجسدها مستباحا للعنف المجتمعي بكل أنواعه، وكذا ضعف النص القانوني الذي من شأنه أن يساهم في حماية النساء المعنّفات والمتضرّرات من هذه الظاهرة، مع انعدام الآليات الوقائية المسبقة للحد من مشاهد العنف التي أصبحت منتشرة بكثرة في مختلف الأوساط والتي تهدد سلم وسلامة الصحة النفسية للمواطنات سواء المغربيات أم مهاجرات جنوب الصحراء.

جائحة كوفيد 19، وزمن الحجر الصحي ساهم في ارتفاع نسبة العنف ضد النساء بكل أنواعه وحسب مذكرة المندوبية السامية للتخطيط الصادرة بتاريخ 8مارس 2021 فقد تعرضت أكثر من 7.6 مليون امرأة، أي بنسبة 57%، من النساء على الأقل عامين من العنف بغض النظر عن الشكل والسياق. وحسب نفس المذكرة فإن العنف النفسي يتصدر القائمة بنسبة 46.1% لعدة أسباب مجتمعية متشابكة من أبرزها الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية اللذان يساهمان في تقهقر وضع المرأة مجتمعيا،  كما يليها العنف الممارس في الفضاءات التعليمية وعلى رأس هذه الفضاءات الجامعات بحيث 22.4% من الطالبات الجامعيات تعرضن لمختلف أنواع العنف وأبرزها الابتزاز الجنسي والمفضي للحمل أحيانا كما يحتل العنف داخل أماكن العمل بنسبة 15.1% المرتبة الثالثة ليتذيل العنف الممارس في الفضاء العام بنسبة 12.6%.

بناء على هذه المذكرة فإن العنف المبني على النوع متواجد في مختلف أوساط المجتمع المغربي، حتى داخل تلك المؤسسات التي نظن أنها فضاء آمن مثل الجامعات.وهذا راجع بالأساس لضعف القرار السياسي القاضي بالحد من هذه الظاهرة أو على الأقل تقليصها عبر آليات مختلفة منها الوقائية ومنها القضائية كتحديث وتجويد النصوص القانونية المتعلقة بقضايا العنف .

العنف سيظل عنفا كيف ما كان نوعه وسيخلف خسائر جسيمة في نفسية المتضررة كما يمكن لهذه الخسائر ان تكون خطيرة.

نماذجمن الواقع المعاش

ـ نورية (اسم مستعار) شابة ذات العشرين ربيعا تنحدر من أقصى القرى بشمال المغرب وهي طالبة بسلك الإجازة بإحدى الجامعات بشمال المغرب عاشت تجربة العنف داخل أسوار الجامعة من طرف طالب باحث مقرب لرئيس شعبة معينة وعانت في صمت مخافة أن يتسبب لها المتحرش بمشاكل أخرى غير التحرش، كالتشهير بها داخل الفضاء الجامعي خاصة بعد أن تم تصويرها من دون علمها للابتزاز الدائم .

"نورية"وهي تحكي عن تجربتها تقول أنها تعرضت لأبشع أنواع الاستغلال الجنسي والذي كان يفضي أحيانا لإنهيارات عصبية تجعلها تفكر في الانتحار خاصة في ظل عدم بوحها بهذا العنف مخافة الفضيحة من جهة ومن جهة حفاظا على مستقبلها العلمي التي راهنت عليه عائلتها الصغيرة، كما أنها لم تجد أي مؤسسة آمنة توفر لها فضاء للاستماع يخفف عنها ثقل الألم ويرشدها للحل بدلا من الدخول في معركة نفسية يمكن أن تنتهي بالإنتحار.

في نفس السياق  تحكي "هند"(اسم مستعار) خادمة بالبيوت ذات 17 سنة أن مشغليها قاموا بتعنيفها طيلة فترة الكوفيد حيث ثم اغتصابها من طرف رب الأسرة لينتج عن ذلك حمل غير مرغوب فيه.

تقول هذه الشابة انها عندما أخبرت ربة البيت عنفتها بالضرب  والسب والشتم وطردتها من المنزل دون تسليمها مستحقاتها لتجد نفسها بدون مأوى، وعلى عاتقها مشكلة الحمل الغير المرغوب فيه، مما جعلها تبحث عن حلول لمشكلتها وفي مقدمة هذه الحلول البحث عن عمل لتوفير المال الذي سيمكنها من القيام بالإجهاض السري قصد التخلص من المولود "الحرام" الذي سيكلفها الكثير داخل المجتمع، غير مكثرته بما يمكنه الحدوث عند عملية الإجهاض السرية من مخلفات صحية أضعفها تعفن الرحم .

تتواجد حالات تعد بالمئات شبيهة بالشابتين اللتان قبلتا أن تحكيا أَلَمَهُنَّ بكثير من الحذر والخوف من كل ما يحيط بهن، وهذه الحالات تعاني في صمت من ظاهرة بدت تتزايد  بوثيرة متصاعدة جدا داخل مجتمعنا، حيث انتقل العنف في هذه السنوات الأخيرة من العنف اللفظي إلى العنف النفسي والجسدي، أي الاغتصاب والضرب بسبب التراجع القيمي داخل المجتمع والذي هو ناتج عن عدة عوامل مختلفة منها تراجع منظومة الأخلاق وانعدام الثقافة الجنسية عند الأبناء وعدم الحث على العناية بالصحة الجنسية عند فئة الشباب بمختلف الجنسين، وهذا كله يساهم في تنامي ظاهرة السلوك الإجرامي من طرف الذكور اتجاه المرأة.

هنا يجدر بنا الذكر أن المشرع المغربي حاول أن يضع قوانين تساهم في الحد من هذه الظاهرة البشعة وآخر هذه القوانين (قانون103.13)لمناهضة العنف ضد النساء، وقد نص فيه على مجموعة من العقوبات المحددة حسب نوعية العنف الممارس اتجاه الضحية حسب توصيف كل حالة وخصوصيتها. كما أن هناك نصوص جنائية تتحدث عن العنف كالاغتصاب مثلا والذي عرّفه المشرع  في القانون الجنائي المغربي في الفصل 486، بأنه "مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها"، أي مواقعتها تحت الضغط النفسي أو الإبتزاز أو الضرب، ويعاقب على هذا الجرم من خمس إلى عشر سنوات سجنا، غير أنه إذا كانت سن المجني عليها يقل عن 18 سنة أو كانت عاجزة أو معاقة أو معروفة بضعف قواها أو حاملا، فإن الجاني يعاقب بالسجن من 10 إلى 20 سنة ". كما  تزداد العقوبة  إذا كان الفاعل من أصول الضحية أو ممن لهم سلطة عليها حسب الفصل 487 .

لكن بالرغم من تواجد هذه النصوص التي تحدد معنى العنف وتضع له عقوبات جزرية تقدر بالسنوات إلا أنه هناك ضعف في تطبيق هذه المقتضيات بسبب الشروط التعجيزية للدلائل المطلوبة للضحية لإثبات العنف الممارس عليها بشكل بشع، متجاهلا (هذا المشرع) الحالة النفسية التي تعيشها ضحية العنف أثناء التحقيق خاصة وأن سرد الوقائع كأنه يعود بالمعنّفة للحظات العنف الحقيقية وكأنها من تتحمل مسؤولية ما حدث لها بشكل فردي و مطلق .

لهذا نحن اليوم في حاجة ماسة إلى دينامية حقوقية قوية تلتف حول الجمعيات المناهضة للعنف للدفع والترافع عن تجويد النصوص القانونية وملائمتها مع المواثيق الدولية التي تنص على حماية النساء من العنف الممارس في حقهم بشتى أنواعه بداية بالمصادقة على اتفاقية 190 الدولية وتوصيتها 206 التي تترافع عليا الدينامية النقابية بالغرب والقاضية لمناهضة العنف في أوساط العمل وصولا إلى فصول القانون الجنائي وتسهيل مسطرة تطبيقه فيما يخص الإثباتات الخاصة بالعنف المبني على النوع الإجتماعي وكل ما ينتج عنه. كما أصبح اليوم من المفروض على الدولة تحمل مسؤوليتها في كل ما يخص التدابير الوقائية لهذه الفئة وعلى وجه الخصوص وضع استراتيجية وطنية للصحة الجنسية والانجابية لتقليص المخاطر الناتجة عن قضايا العنف ومن أبرزها الإجهاض الغير الآمن والذي يؤدي أحيانا للموت هذا من جهة من جهة أخرى يجب توفير مراكز الإستماع والإيواء لهذه الفئة لإعادة تأهيل هذه الفئة نفسيا وإجتماعيا للعودة للحياة العامة دون خسائر صحية ونفسية .