الجمعة 29 مارس 2024
اقتصاد

الحرادجي: زحف الرمال على منطقة زاكورة لا علاقة له بأي زحف مزعوم للصحراء

الحرادجي: زحف الرمال على منطقة زاكورة  لا علاقة له بأي زحف مزعوم للصحراء عبد الرحمان الحرادجي: هناك خلط بين التصحر الذي هو تدهور موضعي محلي، وبين "زحف الصحراء" الذي هو ظاهرة وهمية

يرى عبد الرحمان الحرادجي، أستاذ الجغرافيا بجامعة محمد الأول بوجدة وخبير في التصحر، أن زحف الرمال ليس هو التصحر بذاته وإنما هو من نتائجه ومن مظاهره؛ مضيفا أن منطقة زاكورة صحراوية أصلا، والمناطق الصحراوية لا يتصحر فيها سوى المجالات الواحية.. مشيرا إلى أنه فيما يخص زاگورة، لا يتعلق الأمر بالتصحر وإنما بزحف الرمال غالبا من محيطها المباشر، الذي تعرض إلى إقحال مشهدي بسبب الضغط البشري على المكونات النباتية الطبيعية...

 

+ في نظرك ما هي أسباب فشل مشروع الحزام الأخضر بزاكورة، هل يعود إلى التصحر أم أن هناك أسباب أخرى؟

- بداية، يمكن أن نتحدث بصفة عامة عن الأحزمة الخضراء في المناطق الصحراوية، حيث تُنجَز للحد من زحف الرمال، حماية للحقول والمباني والبنى التجهيزية من طرق وغيرها من المنشآت. لكن أن تنجز لمحاربة التصحر فهذا خطأ لأن زحف الرمال ليس هو التصحر بذاته وإنما هو من نتائجه ومن مظاهره. وهناك خلط عادة في هذا المجال، وإذا كانت هناك من محاربة فعالة فينبغي أن تنصب على مصدر هذه الرمال وعلى عوامل الإرمال الذي تحدثه الرياح بتذريتها للمفتتات الصخرية الدقيقة للأراضي المتدهورة وغير المحمية بما يكفي من التغطية النباتية.

ومن ناحية أخرى، هناك خلط أخر بين التصحر الذي هو تدهور موضعي محلي، وبين "زحف الصحراء" الذي هو ظاهرة وهمية، أي لا وجود لها في الواقع...

 

+ ما هي أسباب التصحر بمنطقة زاكورة؟

- منطقة زاكورة صحراوية أصلا، والمناطق الصحراوية لا يتصحر فيها سوى المجالات الواحية أي المساحات التي استطاع الإنسان أن ينتزعها من الصحراء باستثمارها عن طريق الاستصلاح لتحويلها إلى مزارع ومغارس. وتصحر هذه المستوطنات يحدث بسبب الإهمال أو السقي السيء، ولا سيما بالمياه المالحة التي تؤدي إلى فساد التربة وعقمها. أما المجالات الصحراوية فلا مجال لتغيير خصائصها المناخية الطبيعية.

وفيما يخص زاگورة، لا يتعلق الأمر بالتصحر وإنما بزحف الرمال غالبا من محيطها المباشر، الذي تعرض إلى إقحال مشهدي بسبب الضغط البشري على المكونات النباتية الطبيعية رغم هزالها كما وكيفا، مما يتيح تذرية الفتات الصخري الدقيق الرخو بواسطة الرياح ليصبح رمالا منقولة وزاحفة. وتسهم التقلبات المناخية، وعلى رأسها الجفاف المتردد والمستفحل، في تفاقم التدهور الذي يصيب هذه الأراضي جراء الرعي الجائر والاجتثاث والحرث غير المحسوب العواقب لأراض غير مؤهلة لتحمل الزراعة البورية. وهذا التدهور هو التصحر بعينه، والذي يمكن أن يطول أراض مجاورة وغير مجاورة للصحاري، وأكرر أن لا علاقة لهذا بأي زحف مزعوم للصحراء.

 

+ في هذا الإطار، هناك من يعتبر التشجير في بعض المناطق هدرا للمال العام وخير دليل هو الإتلاف الذي تعرض له الحزام الأخضر في زاگورة، ما رأيك؟

- أعتقد أن الهدف الأساسي من الحزام الأخضر بزاگورة هو حماية المدينة ومحيطها المباشر من زحف الرمال، إلى جانب أهداف أخرى مثيرة للنقاش. فعملية التشجير لها فعالية في الحد من هذا الزحف، بتصديها للرياح وإضعاف قوتها وبالتالي الحد من استمرار عملية النقل واحتجاز معظم المنقولات.

وحسب المعلومات المتوفرة، رصدت لهذا المشروع ميزانية ضخمة (46,8 مليون درهم) لتخضير مساحة 300 هكتار، أي بكلفة أزيد من 15 مليون سنتيم للهكتار الواحد، ربما تفوق قيمة الأرض بعدة أضعاف (!) وتضاف لها كلفة التدبير والصيانة والحماية، مع العلم أنه مشروع لا يحقق دخلا ماليا، ولا يشكل "أحد أهم المشاريع المهيكلة" كما أدعى البعض ذلك. وهذا فضلا عن الاعتقاد الخاطئ بأن الحزام الأخضر "سيغير مناخ مدينة زاگورة" كما ورد في تصريحات بعض المسؤولين. فهذا أيضا أحد الأوهام الشائعة، لأن النبات منتوج مناخي وليس العكس، فالصحراء منتوج مناخي طبيعي وتبقى كذلك ولو جاورت بحرا أو أحاطت بها بحار.

ويمكن كذلك تسجيل ملاحظات أخرى مثل تشييد سور أنيق مكلف جدا بهندسته ومواده وجماليته، ليحيط بمنشأة من شأنها استقبال الرمال الزاحفة، وإن بمواصفات تقنية تسمح بتحقيق هذه الغاية وعلى طول يبلغ 12 كلم. أضيف أن الادعاء بأن الأصناف النباتية المعتمدة في هذا التشجير ملائمة للوسط البيئي ومناخه (الفلفل البيروفي أو الوردي، وخاصة الأوكالبتوس الذي يعتبر مضخة للماء) يجانب الصواب، إذ لا حياة لها دون استمرار عمليات السقي الدوري المنتظم، فضلا عن كون الصنف الثاني لا يسمح بنمو أي نباتات تحت أنفوضته وبين جذوره.

وفيما يخص الهدر، فالافتحاص من قبل ذوي الاختصاص والتخصص هو الكفيل بالبت في الأمر. غير أن هذا لا يمنع من التذكير بأن عمليات التشجير لا تجدي كثيرا في الصحاري، والغريب أن ينجز حزام أخضر حول زاگورة بعرض يبلغ 300 متر لمحاربة زحف الرمال، بينما لا يتطلب الأمر أكثر من بضع عشرات من الأمتار، وربما هنا نلمس الهدر وسوء التقدير، ولو كان السقي باستعمال المياه العادمة المصفاة وبأنابيب التقطير. لا يمكن للمناخ الصحراوي أن يتحمل ما تتطلبه هذه الأشجار من رطوبة للبقاء على قيد الحياة إذ تستنزف الموارد المائية الجوفية أو السطحية وتستشف رطوبة التربة وتكاد لا تبقي شيئا منها لبقية النباتات الأخرى.

ومهما تكون أعذار الإهمال الذي يطول هذا الحزام الأخضر، فالكلفة باهظة على مستوى الإنجاز والصيانة والتدبير. وهذا يقودنا إلى الحديث عن الأحزمة الخضراء التي تنجز في أماكن أخرى. فهناك مثلا "السد الأخضر" الذي أنجز في الهامش الصحراوي للسهوب العليا الجزائرية ظنا بأن التصحر فيها يزحف من الجنوب الصحراوي، بينما الإرمال يتخذ مسيرا معاكسا تماما فيصبح المشروع فاشلا، حيث تزحف الرمال من الشمال نحو الجنوب كما هو الحال في الجوار بالهامش الصحراوي للهضاب العليا المغربية ذات المناخ القاحل حيث تنتقل الرمال من السهوب نحو الصحراء وليس العكس. فالرمال تزحف نحو واحة فجيج من هامشها الشمالي (حيث تتزود الرياح من وادي الحلوف ووادي العرجة)، بينما لا وجود لها بتاتا في هامشها الجنوبي المتاخم للصحراء.

ويمكن تسجيل ضعف نجاعة التشجير في محاربة التصحر بالهضاب العليا، لأنه أصبح يعتمد على صنف الصنوبر الحلبي والذي لا يتلاءم مع المناخي القاحل السائد محليا حيث لا يتجاوز المعدل السنوي للتساقطات 200 ملم، إذ يفقر التّرَب من الرطوبة باستنزاف مخزونها المائي، بل يبيد كل النباتات الأخرى عندما يصل إلى مرحلة متقدمة من النمو، حيث لا نجد أي نبات آخر تحت أغصانه وإبره المتحللة بصعوبة والتي لا تُغسَل التربة من محاليلها السلبية. وإذا كنا نقوم بغرس هذه الأشجار من أجل حماية المراعي، فأي حماية نوفر عندما نقضي على تعاشيبها التي تستهلكها المواشي؟

وهناك وجه آخر لمحاربة التصحر بالتشجير في الصين وفي منطقة الساحل الإفريقي، وهي عبارة عن أحزمة ومساحات شاسعة، لكنها ناجحة بسبب المناخ الملائم. فالمشاهد القاحلة في هذه الأماكن ليست منتوجا مناخيا وإنما حصيلة للضغط البشري والحيواني، وبالتالي فإعادة تأهيل أراضيها يبقى عملية ممكنة وغير مكلفة بسبب مناخها غير القاحل تماما، وإن كان الحديث بصددها يقدمها على أن العملية تخضير "المجالات الصحراوية" بينما يتعلق الأمر في الحقيقة بأراض متصحرة.