الخميس 28 مارس 2024
فن وثقافة

عبد العالي بلقايد: في العلاقة بين العيطة وباقي الأشكال الفنية

عبد العالي بلقايد: في العلاقة بين العيطة وباقي الأشكال الفنية مجموعة مخاليف الحوز

نقدم لهذا المنشور بتساؤلات حول طبيعة نشأة العيطة، وماهي المراحل التي قطعتها ككيان، أو بناء لكي تصل إلى مرحلة الاكتمال والارتقاء من حيث هندستها التي تميزت بشكل مركب، غير بسيط والذي يضاهي في تبنينه أرقى الأنماط الغنائية الموجودة بالمغرب، كالأندلسي، والملحون.

 

فالشكل الذي انتهت إليه العيطة يعطي الانطباع بأنها مرت من مراحل، ومن سيرورة تفاعلية داخلية وخارجية .

 

أولا: لابد من رصد التفاعل بين مكونات البنية فيما بينها، كمعطى داخلي.

ثانيا: بين عناصر البنية وأشياء العمران سواء تعلق الأمر بالأنماط الغنائية التي قد تكون عاصرتها العيطة واستفادت منها، لغاية تطوير بنيتها من حيث المبنى والمعنى. ومن حيث المعطيات السوسيو ثقافية.

 

هل سنتبع ما رسخه الباحث عبد العزيز بن عبد الجليل في كتابه مدخل في تاريخ الموسيقى المغربية، وبالتالي نتعقب التطورات التي لحقتها عبر مراحل التاريخ المغربي وحقبه: إدريسية، مرابطية، و....و... وهل هذه المنهجية ستسعف أم لا؟

 

فيما نعتقد أن جل الباحثين سواء المغاربة، أو الفرنسيين، أغفلوا البحث في العيطة وأعطوا اهتماما للموسيقى الأندلسية، والأمازيغية، أكثر من الألوان الأخرى لدواعي كثيرة.

 

لكن الباحث عبد الجليل بن عبد العزيز، في إشارة له، والتي لم تكن معززة بشواهد، يعتبر بأن الحوزي ظهر في العصر الموحدي لما استقدم الموحدون بنو هلال إلى المغرب وفي ذلك يقول: (فكان لهذا الحادث تأثير بارز على الموسيقى المغربية، إذ بقدومهم ظهر إلى الوجود نوع من صنوف الطرب ألا هو الطرب الحوزي)، الصفحة 7 من كتاب مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية.

 

إلى أي حد هذا المعطى يمكن الاستئناس به؟

 

في جزء أخر من الكتاب يشير الباحث بأن البحث يظل مفتوحا في التفاعل مع مقاربة ظهور العيطة الحوزية مع قدوم بنو هلال.

 

الذي لا يستقيم مع المنطق في طرح بن عبد الجليل بأن متن العيطة كان بلغة غير اللغة الكلاسيكية والتي هي العربية الفصحى، التي تكسرها اللغة المحلية من حيث المبنى، ومن حيث التركيب.

 

في تقديرنا بأن الهلاليين قد أدوا بعض الملاحم الخاصة بهم باللغة العربية، وبالاعتماد على الربابة بالأساس. أما ظهور اللغة المغربية فيحتاج إلى وقت طويل لكي يتدرب اللسان المغربي على العربية، ولكي يتم بناء اللغة كمؤسسة اجتماعية، لأنها تواضع واتفاق بين مجموعة من الناس على علامات معينة والتي ستعمل على بنينة الجماعة لسنيا وثقافيا بالمعنى الأنتربولوجي.

 

وفي نهاية العصرين الموحدي والمريني سيظهر فن "اَلْـﯕْرِيحَةْ" الذي سيعرف بالملحون كفن مغربي والذي سيزدهر بشكل ملحوظ في العصر السعدي والذي سينتشر بالجزائر وسيسميه الجزائريون بـ "اَلْحَوْزِي اَلْمْدَوَّرْ".

 

وفي اعتقادنا سيكون بن عبد الجليل قد نقل هذا الاستنتاج عن بعض الدراسات الفرنسية التي سمت كل ما يخالف الغرناطي بالجزائر "حَوْزِي مْدَوَّرْ" أي كل ما يغنى بغير اللغة العربية الكلاسيكية.

 

إذن كيف السبيل إلى إبراز، المراحل التي قطعتها العيطة حتى تصل إلى هذا المستوى من النضج على المستوى الموسيقي، وعلى مستوى بنية القول؟

 

قد لا تسعف المراجع في هذا المبحث لأنها منعدمة كما أن فن العيطة ظل ضمن اللامفكر فيه فبالأحرى التأريخ له. ولذلك فإن عملا كهذا يبقى مؤسسا على استنتاجات واحتمالات ليس إلا.

 

ومن بين الاستنتاجات التي قد تفيد في البحث هو أن العيطة وخاصة الحوزية تتضمن مجموعة من "اَلسُّوسَاتْ" التي هي مقطوعات صغيرة يتم إضافتها إلى العيطة الأم إما لتقارب التِّيمات أو لغاية ضبط العيطة موسيقيا. ولكن كيف لنا أن نبرهن على ذلك؟

 

فالسُّوسة في العيطة شبيهة بالسّرّابة في الملحون، وقد لجأ إليها شيوخ الملحون (أي السّرّابة) ليتمكنوا من ضبط القصيدة موسيقيا وبالتالي فموقعها هو الصدر .

 

يذهب ابن خلدون إلى كون الشباب والنساء يؤدون مقطوعات لا تحتاج إلى لحن لأنها ليست مركبة. وهذه المقطوعات هي التي ساهمت في ضبط قصائد الملحون موسيقيا لأن البدايات الأولى لم تكن لغة موسيقية حاضرة، فتم اعتماد هذه المقطوعات التي سهلت ضبط الكلام المغنى سواء كان عيطة أو ملحون بخلاف الطرب الأندلسي الذي كان يخضع للغة موسيقية سواء على مستوى اَلْمِيزَانْ أو النَّوْبَاتْ .

 

قد تكون السُّوسَةْ هي البدايات الأولى للعيطة، كما قد تكون السَّرّابَةْ هي كذلك طفولة الملحون. وهذه التيمة سنخصص لها مجموعة من المنشورات في القادم مما ننشر ونتقاسمه مع أحبابنا محبي فن العيطة.