الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

العميد يوسف البحيري يحلل موقف المشرع المغربي من عقوبة الإعدام

العميد يوسف البحيري يحلل موقف المشرع المغربي من عقوبة الإعدام يوسف البحيري

شهدت الأسابيع الاخيرة إعادة فتح النقاش العمومي بالمغرب حول إلغاء عقوبة الإعدام، بعد خروج حزب العدالة والتنمية من الحكومة، حيث عاد الأمل لمكونات المجتمع المدني والمؤسسات الوطنية والمدافعين عن حقوق الإنسان بعد وصول الأحزاب الليبرالية إلى زمام الحكم، من أجل وضع ملف إلغاء عقوبة الإعدام على طاولة عزيز أخنوش رئيس الحكومة الجديدة والترافع قصد الدفع بالدولة المغربية نحو إلغاء عقوبة الإعدام من التشريع الجنائي المغربي.

ولهذه الغاية استضافت "أنفاس بريس" العميد يوسف البحيري، أستاذ القانون الدولي بكلية الحقوق بمراكش والمحاضر في العديد من الجامعات الأوروبية، لتقريب القراء من الموضوع:

 

+ في البداية ماذا عن النقاش الفقهي داخل الأوساط القانونية بالمغرب على عقوبة الإعدام؟

- أفضى النقاش العمومي حول عقوبة الإعدام داخل الاوساط القانونية إلى انقسام الآراء حول هذه العقوبة وتأرجح الرأي بين مؤيد لبقاء عقوبة الإعدام ومطالب بإلغائها وذلك حسب مبررات كل من الطرفين، لذلك يتأرجح الرأي بين مؤيد لبقاء عقوبة الإعدام ومطالب بإلغائها ويبقى الانقسام في الآراء حول عقوبة الإعدام هو السمة الرئيسية التي تطبع الاوساط القانونية ومواقف المهتمين بالموضوع.

فنجد أنصار عقوبة الإعدام يعتبرونها فعالة للردع العام وتؤدي إلى انخفاض معدل الجريمة، والأهم حسب آراء أنصار العقوبة أنها تحقق للمصلحة العليا للمجتمع وتحافظ على استقرار الأمن النفسي والسيكولوجي للمجتمع وحماية حياة الأفراد من الاعتداء عليها من قبل الجناة.

يعتبر المؤيدون لعقوبة الإعدام بأن الحكم بهذه العقوبة يشكل وسيلة لردع الجناة وثنيهم من الإقدام على ارتكاب الجرائم وذلك نظرا لما تحدثه عقوبة الإعدام في نفوسهم من رهبة وخوف. كما أن عقوبة الإعدام تحد من حالات العود للجريمة، لأنها لا تسمح للمجرمين المتمرسين والمتسمين بالخطورة بتكرار أفعالهم، إذ يستحيل العود مع تنفيذ عقوبة الإعدام التي تضع حدا نهائيا لحياتهم ولنشاطهم الإجرامي.

أما المعارضون لعقوبة الإعدام فاعتبروا عقوبة الإعدام عقوبة غير عادلة لكونها أقرب إلى الانتقام، تتنافى مع إنسانية الكائن البشري ولا يحق لأحد الاعتداء على حق الجناة في الحياة ولو باسم القانون. خصوصا أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نص في مادته الثالثة "ولكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه"، وكذلك نص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة السادسة على أن "الحق في الحياة حق ملازم لكل إنسان وعلى القانون أن يحمي هذا الحق ولا يجوز حرمان أحد من حياته تعسفا".

فحسب المعارضون لعقوبة الإعدام، إن التطور الحقوقي الذي يعرفه المغرب يستدعي إلغاء عقوبة الإعدام واستئصالها من التشريع الجنائي، فالغاية من العقوبة هي الإصلاح عوض الانتقام من الجاني.

كما يتمسك دعاة إلغاء عقوبة الإعدام، بحجة أن هذه العقوبة تشكل إجهاضا للحياة من الكائن البشري ولا يمكن نزع الروح إلا ممن وهبها. فعقوبة الإعدام هي عقوبة قاسية تتنافى مع الشعور البشري ويشمئز منها الوجدان نتيجة ما يلحق العاطفة البشرية من ألم سواء وقت النطق بالإعدام، أو لحظة تنفيذه. إضافة إلى احتمال الوقوع في الخطأ القضائي وارد، حيث أن القاضي بشر معرض للخطأ، ولا يمكن تفادي هذه الأخطاء بصورة مطلقة. لذلك يمكن استبدال عقوبة الإعدام بغيرها من العقوبات الحبسية المحددة التي قد تفي بتحقيق اصلاح المجرم واعادة ادماجه في المجتمع.

 

+ ما هو موقف المشرع المغربي من عقوبة الإعدام؟

- يلاحظ بأن المشرع المغربي مازال يحافظ على عقوبة الإعدام، إلا أنه وسع من نطاق الظروف القضائية المخفضة والأعذار القانونية إلى درجة أدخلت الكثير من المرونة على سياسة العقاب بوجه عام، وعلى عقوبة الإعدام بوجه خاص، بحيث أن الحكم بالعقوبة العظمى موكول في غالب الحالات إلى تقدير القضاة هذه السياسة العقابية المرنة التي سلكها المشرع المغربي في التعامل مع هذه العقوبة هي التي تفسر العدد المنخفض لحالات الحكم بالإعدام، ثم يضاف إلى ذلك التنفيذ المحدود للأحكام الصادرة بهذا الشأن ومفعول نظام العفو.

إن المغرب ينهج سياسة الحل الوسط وهو حل يقوم على الحد من العقوبة عوض إلغائها كليا، أو التوسع في استخدامها حيث أنه خلال الفترة المتراوحة بين 1982 و2004، لم ينفذ سوى حكمين، أولهما كان سنة 1982 وآخرهما كان سنة 1993 في قضية "الحاج ثابت".

اعتبر المشرع المغربي من خلال منظومته الجنائية عقوبة الإعدام عقوبة جنائية أصلية، بل ووضعها من حيث سلم التراتبية في أعلى الهرم. وبالرغم من هذا التصنيف، فقد حاول التلطيف من الأمر بأن أعطى للمحكمة صلاحية تمتيع المتهم بظروف التخفيف وتطبيق عقوبة السجن المؤبد أو السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة ما لم يوجد نص قانوني مانع، إذا ما تبين لها أن عقوبة الإعدام عقوبة قاسية بالنسبة لخطورة الأفعال المرتكبة من طرف المتهم أو بالنسبة لدرجة إجرامه.

كما أوجد إمكانيات تشريعية تبيح للمحكمة تعويض عقوبة الإعدام أو تحويلها أو تخفيضها أو استبدالها حسب الأحوال، كما هو الشأن بالنسبة لاستبدال عقوبة الإعدام بعقوبة تتراوح بين عشرة سنوات أو خمسة عشرة سنة سجنا بالنسبة للأفعال المنسوبة للأحداث.

إن الجرائم المعاقب عليها بالإعدام في التشريع المغربي موزعة بين تلك المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي والتي ضمت الحيز الأكبر من هذه الجرائم ويمكن حصرها في فئات تجريمية تشمل أساسا الجرائم الإرهابية والجرائم الماسة بالحق في الحياة بالسلامة البدنية للأشخاص، واستعمال وسائل التعذيب أو ارتكاب أعمال وحشية لتنفيذ فعل يعد جناية والإحراق والتخريب إضافة إلى الجنايات والجنح ضد أمن الدولة الداخلي أو الخارجي والجنايات التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام... إلخ.

أما المجموعة الثانية فتهم تلك المنصوص عليها في قانون زجر الجرائم الماسة بصحة الأمة والتي هي بالأساس أفعال القيام بقصد الاتجار بصنع منتوجات أو مواد معد للتغذية البشرية وخطيرة على الصحة العمومية أو مسكها أو توزيعها أو عرضها للبيع أو بيعها.

ثم أخيرا مجموعة الجرائم المنصوص عليها في قانون العدل العسكري بالنسبة للجرائم العسكرية.

فبالرغم من إن التشريع الجنائي المغربي ما يزال محتفظا بعقوبة الإعدام، وينهج قضائيا سياسة التقليص والحد من الحكم بها وتنفيذها، كما أن العفو الملكي يلعب دورا هاما في إعادة التوازن للسياسة العقابية، بشكل يؤدي الى تنفيذ العقوبة في ظل الظرفية الدولية الحالية، على خلفية تنامي جرائم الإرهاب، وارتفاع وتيرة الجريمة المنظمة.

 

+ هل اتجاه المشرع المغربي للحل الوسط من عقوبة الإعدام يتلاءم مع المعايير الدولية؟

- إن وضعية الدولة المغربية بين اصدار المحاكم الوطنية لعقوبة الاعدام ووقف تنفيذها، تتناسب مع معايير وقف تنفيذ عقوبة الإعدام التي أكدت عليها لجنة حقوق الإنسان 2000/65 في الدورة 56 المتعلق بإيقاف تنفيذ الإعدام في الدول التي تحتفظ بعقوبة الإعدام في تشريعاتها الجنائية، فلجنة حقوق الإنسان وضعت معايير محددة بالنسبة للدول التي تصدر محاكمها الوطنية عقوبة الإعدام مع وقف التنفيذ، منها توفير الضمانات الكفيلة للمحاكمة العادلة وحماية حقوق المدانين بعقوبة الإعدام؛ عدم إصدار عقوبة الإعدام إلا على الجرائم شديدة الخطورة، وذلك بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة مستقلة ومحايدة؛ الحق في التماس العفو أو تخفيف الحكم.

كما اعتمد المجلس الاقتصادي والاجتماعي لمنظمه الأمم المتحدة بقراره رقم 50/1984 بتاريخ 25 ماي 1984 ضمانات تكفل حماية حقوق المدانين بعقوبة الإعدام، فهذه الضمانات تأخذ مرجعيتها من أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وتمثل الحد الأدنى من المعايير المتعلقة بالحماية بخصوص: الأحداث، حيث ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حقوق الطفل صراحة على أن أي شخص تقل سنه عن 18 سنة عند ارتكابه جريمة لا ينبغي أن يخضع لعقوبة الإعدام. وقد أصبحت هذه القاعدة جزءا من القانون الدولي العرفي؛ وكبار السن، حيث أن عقوبة الإعدام لا تفرض على الأشخاص الذين يبلغ عمرهم في وقت ارتكاب الجريمة 70 سنة أو أكثر؛ والحوامل: تستثني الضمانات إعدام المرأة الحامل من اجل حماية الطفل الذي لم يولد بعد (طبقا للمادة 6 من العهد)؛ والأشخاص المصابين بأمراض عقلية، حيث لا يجب إصدار أو تنفيذ حكم الإعدام على الأشخاص المختلين عقليا.

 

+ كيف تحللون الحماية الدستورية للحق في الحياة وعلاقتها مع عقوبة الإعدام؟

- تبنى المغرب دستورا جديدا استفتي بشأنه المغاربة في فاتح يوليوز 2011 يكرس حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا وينص على حماية منظومتها، مع مراعاة طابعها الكوني وعدم قابليتها للتجزيء.

وقد نص الدستور المغربي الجديد على الحق في الحياة: " الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق"، (الفصل 20).

فالقراءة التي يمكن تقديمها للحق في الحياة كما ورد في الوثيقة الدستورية الجديدة هو أن الحق في الحياة تضمنه الدولة بواسطة القانون ومن خلال التزاماتها باحترام حقوق الانسان كما هي متعارف عليها كونيا، فلا يمكن تقديم هذه القراءة الضيقة بأن الفصل 20 يرتبط بالمعنى الفيزيائي لبقاء الإنسان على قيد الحياة، وإنما يتكامل الحق في الحياة مع شروط العيش الكريم والتي تتجسد في السكن اللائق والرعاية الصحية والغذاء الكاف.

فالحق في الحياة كما وردت الفصل 20 يجب أن يشمل التدابير التي تكفل المستوى المعيشي الذي يضمن للفرد الكرامة الإنسانية كالماء الشروب والبيئة النظيفة واتخاذ مجموعة من الإجراءات على مستوى الصحة العمومية إضافة إلى تدابير القضاء على أسباب وفيات الأطفال وزيادة المتوسط العمري لدى الساكنة.

إن تنصيص الدستور المغربي الجديد على الحق في الحياة: "الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق"، (الفصل 20) ينسجم الى حد بعيد مع المعايير الدولية لحماية الحق في الحياة بوضع قوانين تجرم القتل والإيذاء الجسدي المؤدي إلى الموت.

فالدستور المغربي أورد الحق في الحياة مقترنا بضرورة حمايته قانونيا وأيضا عدم جواز حرمان أي إنسان من حياته باستعمال أي شكل من أشكال التعسف. وبهذا يكون أساس الحق في الحياة هو حماية القانون للنفس الإنسانية من جميع أشكال التعسف وقد نفهم من هذا النص بان القتل العمد يشكل نموذجا للاعتداء وإجهاض الحق في الحياة ومثالا للإيذاء والخروج عن القانون، كما أن الاغتيالات السياسية والإعدام خارج القانون تندرج في إطار التعسف على نحو ما جاء في المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية.

فتنفيذ الإعدام بدون محاكمة عادلة، هو الذي يشكل إنكارا للعدالة، ويدخل في خانة الإجراءات التعسفية الخارجة عن القانون. كما يترتب على الحماية القانونية للحق في الحياة عدم التذرع بالظروف الاستثنائية، كحالة الطوارئ أو النزاع المسلح في تبرير التعسف في حرمان أي شخص من حقه في الحياة.

غير أنه إذا كانت الظرفية الراهنة قد لا تتلاءم مع الإلغاء التشريعي، فإن الوصول إلى هذا الإلغاء، يمكن أن يتحقق استقبالا مع تغير الظروف، ومع التطور التدريجي للرأي العام. مع التأكيد على أن موضوع العقوبة العظمى، يجب أن يناقش في ضوء قيم وواقع وخصوصيات كل مجتمع. كما أن هذا الموقف الذي يجسده التشريع المغربي لا ينفي وجود إرادة قوية تدفع إلى التفكير والتأمل الهادئ والرصين في موضوع عقوبة الإعدام...