الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

يونس التايب: القيادة الجزائرية... تآمر مستمر وحماقات غادرة في الأفق!

يونس التايب: القيادة الجزائرية... تآمر مستمر وحماقات غادرة في الأفق! يونس التايب

لم يكن غائبا عنا، في يوم من الأيام، وجود “غرفة سوداء" في هرم السلطة في الجزائر، لها مهمة وحيدة هي التآمر والتحريض ضد المملكة المغربية، ورعاية حملات العداء لدولتنا ولمؤسساتنا، والاشتغال في السر والعلن ضد مصالح وطننا وضد حقوقنا التاريخية المشروعة.

 ولكن، كنا دائما نقول: الله يهديهم يرجعو عن غيهم. وظللنا نمد يد الخير ونجدد، كل حين، التذكير برغبتنا في التعاون تجسيدا لقناعة راسخة لدى المغرب بأن العمل المشترك هو أفضل طريق لبناء اتحاد مغاربي وتجاوز تحديات كثيرة قادمة في الأفق.

 

لكن، يبدو أن انحسار هوامش التحرك الديبلوماسي للأشقاء، بسبب أزمة الاقتصاد و تراجع عائدات الغاز و البترول، و تآكل رصيد السيولة التي كانت وسيلة الترافع الوحيدة للجزائر لدى عدد من الأنظمة المستبدة، جعل القائمين على “الغرفة السوداء” يصابون بسعار الفاشلين، خاصة، بعدما تأكدوا أن المغرب لن ينخرط في لعبة "شد لي نقطع ليك"، ولن يقع في فخ التفاعل مع الاستفزازات الجزائرية المتتالية، وأن كل تركيز الدولة المغربية منصب على تعزيز المشروع الوطني وتأهيل المسار السياسي، وتطوير المكتسبات المؤسساتية والتنموية بالبلاد.

ولا شك أن السعار الجزائري ازداد بعد تحقيق الديبلوماسية الوطنية لعدد من الإنجازات في ملف قضيتنا الوطنية الأولى، بفضل استراتيجية متعددة الأبعاد وضعها ملك البلاد، في مقابل تراجع صوت الجزائر دوليا وإفريقيا، وخفوت صيتها بسبب تآكل رصيد الصورة "الثورجية" الكاذبة التي راكمتها بسياسة توزيع الدولارات كوقود ديبلوماسي لاختراق عدد من الأنظمة الديكتاتورية الحديثة العهد بالاستقلال، في إفريقيا أو آسيا، و توجيه مواقفها في اتجاه يعاكس مصالح المغرب.

 

ولعل الجميع لاحظ، خلال الأشهر الأخيرة، كيف دخلنا منعرجا خطيرا في العلاقات الديبلوماسية، مباشرة بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، حيث ظهرت حالة من الهستيريا المرضية جعلت الجيران يصابون بهوس اختلاق قصص خيالية للربط بين كل مشكل سببه الفساد التدبير الذي غرقت فيه الدولة الجزائرية، وبين "المروك" أو "المخزن المغربي"، أو "جار السوء" كما يسموننا.

 

وقد رأينا كيف وصل العبث حد ادعاء وقوف المغرب وراء حرائق غابات منطقة القبايل، وكيف تم، قبل أيام، ترويج حديث مضحك عن علاقة بين "قضية" العشب الفاسد لأرضية ملعب مصطفى شاكر، الذي اشتكى منها جمال بلماضي مدرب الفريق الجزائري لكرة القدم، وبين مخطط مزعوم يرعاه "المروك" للإطاحة بمنتخبهم ووقف نجاحاته الإفريقية الأخيرة. ثم بالأمس أعلن عن اكتشاف مؤامرة انطلقت سنة 2014 (ولم ينتبهوا له إلا نهاية 2021!!!) لزعزة استقرار الأشقاء عن طريق صاحب حانة للخمر، قالوا أن "دولة من شمال إفريقيا" تقف وراءه.

 

هكذا، إذن، ودون أن تنتبه بروباجندا الإعلام الجزائري إلى دلالات ترويج مثل ذلك الكلام على سمعة الجزائر أولا، صار المغرب قوة خارقة تتجاوز الحدود والجغرافيا وتخترق الزمن، وتتحدى كل أنظمة المراقبة الموجودة، لتفعل في الجزائر كل ما يمكن تخيله من مخططات تآمرية.

 

ومن دون شك، لم نكن لنصل إلى هذا المنحى السيء والمسار العفن، لولا تأطير الإساءات لبلادنا، من طرف الرئيس الجزائري ورئيس أركان جيشه، عبر خرجات إعلامية متتالية وحوارات تلفزيونية واستعمال لغة عدوانية وتوالي خطب سوريالية، جسدت نموذجا أخلاقيا سيئا لا يليق بشعب جزائري خرج من رحمه مفكرون كبار وعلماء أجلاء وأدباء  محترمين، قبل أن يحل الخرف السياسي بمن هم في غرفة القيادة في بلد المليون شهيد. آسف، أقصد في بلد 5.630.000 شهيد بحسب آخر تحيين قامت به الرئاسة الجزائرية.

 

وأنا أسجل بأسى بالغ كل هذه الوقائع، أخشى أن يكون من هم في "الغرفة السوداء" التي تقود الدولة الجزائرية نحو الهاوية، قد أصبحوا مستعدين لافتعال المصائب واقتراف كل الشرور والجرائم في حق بلدنا، دون استحضار لعواقب مغامراتهم على الشعبين الشقيقين، وعلى استقرار المنطقة برمتها.

وبكل تأكيد أن ما نسمعه هذه الأيام، يدعونا إلى مزيد من اليقظة و التركيز على أولوية الدفاع عن الوطن، لأننا أمام نظام صار عاجزا عن إبداع حلول سياسية لتطوير نفسه، و حل مشاكله الداخلية مع شعبه بالسبل السلمية و الديمقراطية، و بسبب تهالكه الملحوظ أصبح في وضعية من لم يعد لديه ما يخسره، و من هو مستعد لحرق الدار بمن فيها، فقط، للتشبث بالسلطة ضدا في إرادة الشعب الجزائري المقهور.

 

أمام هذا الوضع الدقيق، من واجبنا أن نرفع درجة التعبئة و اليقظة الاستراتيجية للدفاع عن بلادنا ضد كل فعل متهور قد يقدم عليه المسعورون، خاصة إذا زينت لهم ذلك، بعض القوى الخارجية التي تلعب لعبة جيوستراتيجية كبرى بأساليب خبيثة، أو بعض اللوبيات التي تريد خلق مشكل لإلهائنا به، و لجم ديناميكية الأوراش التي نسير فيها لبناء المستقبل الأفضل الذي نطمح إليه.

 

لذلك، أجزم أن الدولة الجزائرية، بمعتوهيها وبعقلائها، في حاجة لمن يهمس لها ببعض الحقائق التي يجب أن تنتبه إليها قبل الغرق أكثر في مستنقع التهور المتصاعد. ومن الحقائق، ما يلي:

 

- أولا، حقيقة أن مغرب اليوم، ليس هو مغرب الأمس، و هو بالتأكيد أقوى بكثير من مغرب 1963. لذا، لا فائدة في الاعتقاد بإمكانية تسجيل نقط ضد المغرب، عبر خلق الأجواء لافتعال احتكاكات مباشرة. وأتمنى ألا يسعى "الأشقاء" لتجريب حظهم معنا من جديد، لأنه سينالهم نفس ما نالهم بالأمس، وبشدة أكبر هذه المرة.

 

- ثانيا، حقيقة أننا واعون بأسلوب المراوغة في الخطاب الجزائري حين يتحدث عن أن خصومة الجزائر هي مع "النظام المغربي"، أو مع "المخزن المغربي" كما يسمونه هناك، و ليست خصومة مع الشعب المغربي. ذلك ادعاء كاذب، وبهتان أكيد، وترويج لهرطقة لا توجد إلا لدى من كان عقله لازال مشدودا إلى مرحلة الستينيات والسبعينيات، وما كان فيها من خطابات عدمية أضاعت على دول المنطقة سنوات من التنمية والديمقراطية.

 

- ثالثا، حقيقة أنه لا يوجد لدينا في المغرب شيء اسمه "النظام" في جهة، و"الشعب" في جهة أخرى مقابلة. وكل محاولة لترويج خطاب يوحي بذلك، هي شكل من الأمية السياسية والفسق الأخلاقي و"قلة الحياء"، لأن على أرض المغرب المجيد جسم واحد موحد يمتزج فيه النظام السياسي والدولة والشعب، في تلاحم قوي حول ثوابت الأمة المغربية، في ظل دستور يؤطر الحياة العامة في وطن واحد موحد يمتد من طنجة إلى لكويرة، مرورا بالكركرات.

 

ومن منطلق تلك الحقائق، على حكام الجزائر أن يستوعبوا أن الشعب المغربي مستعد لصد كل حماقة قد يقترفها المهوسون ب "المروك"، وأننا على استعداد لنهب أرواحنا وكل ما نملكه لحماية هذا الوطن الذي ورثناه عظيما عن أجدادنا، وأننا نحيا كراما بالتحام تام مع مؤسسات الدولة المغربية ومع نظامنا السياسي الذي نعتز به.

وفي التاريخ عبر كثيرة وأحداث كبيرة تشهد على أن أهل المغرب قادرين على جعل المتآمرين يندمون على اليوم الذي قرروا فيه ترك مشاكل الشعب الجزائري المسكين وتخصصوا في الكيد لشعبنا الحر والتآمر على وطننا المجيد. ومن أراد أن يتأكد من صدق ما أقوله يمكنه المحاولة و (سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) صدق الله العظيم.

 

بكل مسؤولية وروح وطنية، أقول "للأشقاء الجزائريين" أن المغاربة سيظلون يهتفون عاش المغرب ... وعاش جلالة الملك ... وعاشت الدولة المغربية.... والمجد والسؤدد لقواتنا المسلحة الملكية ولأجهزتنا الأمنية بكل أنواعها ... وعاش الشعب المغربي البطل والأصيل... وعهدا أن نستمر في تعزيز البناء الوطني وتأهيل مسارنا الحضاري، أحب من أحب وكره من كره. ولتخسأ كل الهرطقات الغبية والعدوانية التي أصبحت تسيء لسمعة الجزائر وللشعب الجزائري المغبون، أكثر مما تسيء إلينا نحن في مملكة مغربية كبيرة على العابثين.