الثلاثاء 19 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: أخنوش وبنموسى و"إضراب" الأيام الخمسة.. تلاميذ "المخزن" في خطر

محمد الشمسي: أخنوش وبنموسى و"إضراب" الأيام الخمسة.. تلاميذ "المخزن" في خطر محمد الشمسي
لم يكد عزيز أخنوش ومعه شكيب بنموسى "يسخنو بلايصهم" حتى قرر الاساتذة المتعاقدون شل الحركة في "مدارس المخزن" بإعلانهم خوض إضراب مدته خمسة أيام كاملة ومتتالية، ملوحين بطلبهم القديم الجديد وهو إلحاقهم بسلك الوظيفة العمومية...
لسنا هنا بصدد محاكمة قانونية وشرعية ملفهم المطلبي، فذاك شأن يعنيهم وحدهم  في علاقتهم بالحكومة والوزارة الوصية على القطاع ، فلكل واحد من الطرفين قوله ودليله وبرهانه، لكن ما يعنينا هو المستقبل الدراسي والتعليمي لتلاميذ وتلميذات المدارس العمومية.
فإذا كانت تلك المدارس تعاني أصلا من ترهل وشيخوخة وبطء شديد في الاداء والحركة وانعدام الانتاجية، فإن تفشي كوفيد 19 حفز شيخوختها وعجزها وزاد من ترهلها، ثم إن الوزير المنتهية صلاحيته أمزازي صب زيته فوق نيرانها بتأخير الدخول المدرسي شهرا كاملا، وليأتي إضراب لخمسة أيام فيكون بلغة الملاكمين هو "الكاو" لما تبقى من تلك المدرسة المنهارة الميتة أصلا، و"الضرب في الميت حرام" كما يقول الفقهاء، مدارس تحولت الى فضاءات يكبر فيها الاطفال  ويلهون ويتعلمون أشياء اخرى كثيرة وخطيرة غير العلم النافع المنتج بقيمه ومثله، كل ذلك لأسباب متداخلة ومتشابكة و"مخلطة مجلطة ومْرونة"..قد يحتل فيها الاستاذ المرتبة الاخيرة في قائمة أسباب التقهقر، ولو ان هناك أساتذة وأستاذات في عز الازمة تراهم يناضلون ويحاولون واحيانا بمجهود شخصي لمنح الصغار لقاح المعرفة.
ولن نلقي هنا باللائمة على الاساتذة المضربين، ولو أننا نعاتبهم فقط على اختياراتهم الطوعية بالايجاب والقبول لتوقيع عقودهم وهم يعلمون علم اليقين انها تتضمن بندا يقضي بعدم إلحاقهم بسلك الوظيفة العمومية، فاطلعوا ووافقوا ووقعوا والعقد شريعة المتعاقدين، لكنهم بعد ذلك اتخذوا من مصائر "الدراري والدريات" قوة شنوا بها ضغطا قويا للتحلل من مضمون ذلك العقد، وإلزام الحكومة على "التبرؤ" منه، فقد كان عليهم تصفية حساباتهم مع الحكومة والوزارة بعيدا عن مستقبل "صغار الشعب"، وبعيدا عن حق هؤلاء الصغار في المعرفة،  لكنهم أخرجوا خلافهم مع الوزارة ومع الحكومة من تحت غطاء القانون ورموا به في المسيرات الاحتجاجية في الشارع، وإذا كان ذلك  حق من حقوقهم فإن الذي ليس من حقهم ولا من حق الحكومة ولا من حق الوزارة هو ان يدفع "اولاد الشعب" ثمن الحرب المفتوحة بين الطرفين، وان يكتووا بلهيبها وهم ليسوا طرفا فيها ، فلم يمض على الدخول المتأخر بثلاثين يوما كاملا غير أسبوعين ، وهذه عطلة عيد المولد النبوي على الابواب وينضاف اليها "الإضراب الخماسي" لنتيقن أن عطلة الصيف اجتاحت فصل الخريف، وأن "الدراري ماغادين يقراو تا حاجة" علما ان هذه " تاحاجة" هي خلاصة ما يجنيه التلاميذ من "مدارس المخزن" حتى بدون إضراب.
ان المسؤولية كل المسؤلية تقع على الوزارة ومعها الحكومة، وليس على الاساتذة سواء اضربوا او لم يضربوا من حرج، فالتعليم حق دستوري توفره الدولة وتلتزم بصيانته وحمايته، وعلى الحكومة ان تجد لأبناء "مدارس المخزن" حلا بل حلولا، لعل اخماد الاضرابات أقلها وأولها، ولا يمكن إشعال الفتائل ما بين جمعيات الامهات والاباء من جانب وتنسيقيات الاساتذة المتعاقدين المضربين من جانب آخر، و مخرج الحكومة او الوزارة مع المضربين لا يخرج عن مسلكين، إما إمساك بمعروف والاستجابة لمطالب المتعاقدين ، او تسريح بإحسان وإنهاء للعقود ورفع الامر للقضاء ، كل هذا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه  لمصير ومستقبل جيل لعله العمود الفقري لكل نموذج تنموي، أما الاكتفاء بوصفات من العقاقير المسكنة او المهدئة او "المبنجة"، وغزوات الكر والفر بين الخصمين فلن يزيد جروح "مدارس المخزن" إلا تعفنا ومزيدا من سيلان قيح سندفع ثمنه جميعا يوم نجد أنفسنا أمام ملايين الصغار وقد كبروا بلا تعلم ولا تعليم ...
على حكومة اخنوش ان تبرهن على خطاب الحزم والحسم الذي انبنت عليه في قصية الاضرابات المتتالية للاساتذة المتعاقدين، وأن تفتي في شأنهم بفتوى يكون "تلاميذ مدارس المخزن" هم الرابح الاول فيها ومنها، لأنه منذ ظهور "بدعة تلك العقود" والمدارس الحكومية تعيش الغليان والتلاميذ يدفعون الاثمان.