الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

الحريشي: القرار الفرنسي بتشديد إجراءات منح الفيزا للمغاربة تحكمت فيه الهواجس الانتخابية

الحريشي: القرار الفرنسي بتشديد إجراءات منح الفيزا للمغاربة تحكمت فيه الهواجس الانتخابية علي الحريشي مع مشهد من أمام قنصلية فرنسا بالدار البيضاء

يرى علي الحريشي، عميد معهد العلوم السياسية بجامعة مونديا بوليس بالدار البيضاء، أن القرار الفرنسي القاضي بتخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة يطرح الكثير من التساؤلات حول توقيته، خاصة أن عدد طالبي التأشيرة خلال السنتين الأخيرتين انخفض بشكل كبير مقارنة مع عام 2019، مؤكدا أن القرار تحكمت فيه هواجس الأجندة الانتخابية للرئيس ماكرون بالدرجة الأولى.

كما يتطرق إلى تحول المغرب إلى قوة إقليمية متوسطة أصبحت تثبت نفسها، وإلى الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وهو الأمر الذي أصبح يزعج الأوروبيين الحلفاء القدامى للمغرب، بعد أن أضحت موازين القوى تميل لصالح المغرب، علما أن البلدان الأوروبية ظلت تراهن على توازن معين في المنطقة من خلال ملف الصحراء المغربية...

 

+ كيف تنظر إلى القرار الفرنسي القاضي بتشديد إجراءات منح التأشيرة للمغاربة؟

- أعتقد بأن القرار الفرنسي القاضي بتخفيض عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة يطرح الكثير من التساؤلات حول توقيته، خاصة وأن عدد طالبي التأشيرات خلال السنتين الأخيرتين المتزامنتين مع جائحة كوفيد 19 انخفض بشكل كبير مقارنة مع عام 2019، وهي السنة التي سجل فيها 420 ألف طلب تأشيرة بينما تسلمها 346 ألف شخص، وفي عام 2020  لم يتمكن سوى 98 ألف شخص من تسلم التأشيرة، وخلال العام الجاري تقدم 24 ألف شخص فقط بطلب التأشيرة ولم يتسلمها سوى 18 ألف شخص. وبالتالي فالقرار الفرنسي غير مفهوم بما أن عدد طالبي التأشيرة الفرنسية انخفض بشكل كبير. ويمكن القول إن القرار الفرنسي يدخل ضمن أجندة انتخابية، خاصة أن المرشحين للانتخابات الفرنسية يركزون خلال حملاتهم الانتخابية على عامل الهجرة وموضوع التأشيرة ودخول المهاجرين إلى التراب الفرنسي.

وإذا قمنا بتحليل القرار الفرنسي من الناحية المنطقية، ففرنسا تقول إن المغرب يرفض استقبال المغاربة المرحلين الذي قدموا إلى فرنسا عبر الهجرة السرية، بينما وزير الخارجية المغربية يؤكد أن 400 مغربي تسلموا جواز السفر لتميكنهم من العودة إلى المغرب. واذا كانت فرنسا تتخذ مجموعة من التدابير الاحترازية بالنسبة للذين يرغبون في ولوج ترابها، فإن المغرب يطلب الإدلاء بوثيقة اختبار كوفيد 19، وهذا الاختبار غير إلزامي طبقا للقانون الفرنسي.. إذاً الأمر يتعلق بمشكل قانوني. وأعتقد بأن هذه الضجة أثيرت بشأن 200 أو 300 مهاجر وهو عدد ضعيف جدا، ففرنسا تصرح بأنه تم إرجاع 138 شخصا بينما المغرب يؤكد بأن الأمر يتعلق ب 400 شخص..

 

+ الملاحظ أن التوتر الحاصل الآن مع فرنسا يأتي مباشرة بعد التوتر مع ألمانيا ومع إسبانيا، فهل الأوروبيون منزعجون من التقارب المغربي مع قوى معينة؟

- إذا قمنا بتحليل تاريخ العلاقات الفرنسية – المغربية أو العلاقات الإسبانية – المغربية بعد استقلال المغرب، فإن هذه العلاقات كانت تتم في إطار التعاون، وكانت هذه العلاقات غير متكافئة، واليوم لما تحولت العلاقات من علاقات تعاون إلى علاقات شراكة استراتيجية منذ عام 2003 مع فرنسا، أصبحت موازين القوى متقاربة ولم يعد هناك مجال للحديث عن رجحانها لفائدة فرنسا، علما أن فرنسا هي الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، وإسبانيا هي الشريك التجاري الأول للمغرب. وإذا كان المغرب قد تحول إلى قوة إقليمية متوسطة أصبحت تثبت نفسها، وخاصة في إفريقيا، من هنا يمكن تفسير انزعاج الأوروبيين أي الحلفاء القدامى. فالمغرب أصبح يتمتع بعلاقات شراكة مع دول جنوب/جنوب في إفريقيا، وقد كان الخطاب الملكي واضحا في هذه الإطار، فالبلدان الأوروبية صديقة للمغرب ولديه علاقات معها ولكن سنعيد النظر في هذه العلاقات بما يضمن التكافؤ، كما أن المغرب منفتح على العديد من البلدان في العالم، بالإضافة إلى فرنسا واسبانيا. بالإضافة إلى أن الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء أحدث رجة بأوروبا، علما بأن البلدان الأوروبية كانت تراهن على توازن معين من خلال ملف الصحراء المغربية. وموازين القوى الآن بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية (أقوى دولة في الأمم المتحدة) بمغربية الصحراء أصبحت تميل لصالح المغرب. واليوم أصبح بإمكان المغرب أن يكسب حلفاء أقوياء، وهذا الأمر يدخل في إطار الدبلوماسية المنتهجة من طرف جميع البلدان في العالم. فالعلاقات الدولية تعتمد على معطى الواقعية، وكل دولة في العالم تحاول جاهدة الدفاع عن مصالحها، والمغرب كقوة إقليمية متوسطة تحاول حجز مكانها داخل القارة الإفريقية وهذا من شأنه أن يحدث التغيير في التوازنات مع فرنسا.

 

+ هل يمكن القول إن فرنسا تمارس نوعا من “الابتزاز” لتحقيق مكاسب معينة؟

- الأمر ممكن، فالمغرب لديه شراكات اقتصادية مع فرنسا، لكن لا يمكن القول بوجود “ابتزاز” من طرف فرنسا، بل الأمر يتعلق بممارسة الضغط، مع عدم إغفال أن المغرب أيضا أصبح يمارس نوعا من الواقعية في علاقاته الخارجية مع البلدان، ولابد من استحضار الواقعية الديمغرافية الى جانب الواقعية السياسية. فهناك الكثير من الفرنسيين المقيمين بالمغرب (العدد يصل إلى 80 ألف) أو الذين يزورون المغرب. فالسياح الفرنسيون يحتلون رأس القائمة، بالإضافة إلى مزدوجي الجنسية، كما لا يمكن إغفال العدد الهام من المغاربة المقيمين بفرنسا. فلا يمكن منع المغاربة من زيارة أفراد عائلاتهم المقيمين بفرنسا، لذا فالقرار الفرنسي يدخل ضمن الأجندة الانتخابية للرئيس ماكرون بالدرجة الأولى.