الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عمر مروك: أزمة التأشيرات هو رد فعل فرنسا عن عدم رضاها بتراجع نفوذها الاستراتيجي مغاربيا

عمر مروك: أزمة التأشيرات هو رد فعل فرنسا عن عدم رضاها بتراجع نفوذها الاستراتيجي مغاربيا عمر مروك
قرار فرنسا تشديد شروط منح التأشيرات للمغاربة وتخفيض نسبة القبول للنصف ظاهريا هو قرار غير مبرر ويعاكس منطق التعاون والاعتماد المتبادل بين المغرب وفرنسا في قضايا عدة ومنها ملف الهجرة، الا انه ينبغي الاحاطة بالأسباب والخيوط الخفية لاتخاذ مثل هذا القرار.
هناك اسباب تتعلق بالداخل الفرنسي وأخرى تتعلق بالسياسة الخارجية للمغرب في علاقتها بالواقع الجيو- سياسي الدولي:
فيما يخص الداخل الفرنسي، يعيش النظام الفرنسي على وقع ضبابية في الرؤية بسبب الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي سبب عدم الرضى وأدى إلى خروج عدة مظاهرات ضد اجراءات الاصلاح الضريبي وارتفاع تكلفة المعيشة، تظاهرات وصلت احيانا إلى الدعوة لاستقالة الرئيس ماكرون ، هذا الاخير حاول اختزال الازمة بكون ازمة المجتمع الفرنسي هي ازمة هوية وأزمة عدم اندماج للجالية خصوصا المغاربية وعدم انصهارها مع قيم العلمانية الفرنسية .
بالتالي اتبع ماكرون استراتيجية محاولة ايجاد هوية فرنسية على المقاس لمسلمي دول شمال افريقيا حتى تكون في المقام الأول غير مرئية؛ وثانيا غير مؤثرة عليه سياسيا ولا تشكك في الوضع الراهن لسياسات فرنسا التمييزية اتجاه دول معينة مثل المغرب.
وبالتالي فالتقليص من نسبة التأشيرات للمغاربة للنصف والزيادة في القيود هو ظاهريا نوع من التمييز على أساس القانون لكنه يخفي في الاصل بعده الانتخابي من أجل استمالة اليمين المتطرف في الرئاسيات المقبلة لسنة 2022 .
من جهة ثانية، لم تواكب السياسة الخارجية الفرنسية الواقع الجيوسياسي المعاصر وأن العالم اليوم يقوم على الاعتماد المتبادل وعلى تعدد الاقطاب والتحالفات، وليس بالمنطق الاستعلائي الماضوي وتبعا لنظرية المركز والمحيط.
مما جعل النفوذ الفرنسي خارجيا يتراجع بشكل ملحوظ في اطار صراع النفوذ الاقتصادي والاستراتيجي مع القوى الجديدة و على مستوى عدة جبهات آخرها كان بسبب تراجع استراليا عن صفقة الغواصات لصالح امريكا ، مما ابان على تراجع قوة فرنسا سواء داخل حلف الشمال الاطلسي اوروبيا، أو افريقيا من خلال دعوة مجموعة من دول الساحل الافريقي لفك الارتباط مع النهج التقليدي الفرنسي الذي يعتبرها حديقة خلفية لمصالحه الاستراتيجية الاستغلالية، و كان اخرها الخلاف مع أمريكا، وكذا الفشل الفرنسي في الملف الليبي ، وعدم القدرة على وقف المد الصيني الذي انهى مع الريادة الفرنسية في المبادلات مع مجموعة من الدول الافريقية .
كل هذا التعثر زاد من تضييق الخناق على النظام الفرنسي داخليا والذي جعله يلخص المشكل في مسألة الاندماج لبعض الجاليات المسلمة ومنها المغرب و كما قال الناطق باسم الحكومة الفرنسية " أنه قرار جذري وغير مسبوق لكنه كان ضروريا لان هذه الدول لا تقبل باستعادة رعايا لا نريدهم و لا يمكننا ابقاؤهم في فرنسا، في حين ان السبب الحقيقي للقرار، جاء كرد فعل لا مسؤول اتجاه عدم رضى فرنسا بتراجع نفوذها الاقتصادي و الاستراتيجي مغاربيا .
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية المغربية: المغرب صار دولة اقليمية صاعدة بامتياز ، ساهمت سياسته الخارجية المبنية على احترام المواثيق الدولية و السعي لاحلال السلام والتخفيف من التوترات في عدة مناطق وسعيه الحثيث من اجل ترسيخ التقارب والتنمية جنوب-جنوب و جعل من المغرب بوابة افريقيا للتنمية وللاستثمار في مؤهلات افريقيا في ظل مبدأ رابح رابح، كل هذا ضرب في العمق التوجه الكولونيالي الماضوي للاستمرار في استغلال الشعوب الافريقية بنظرة استعلائية لاستباحة ثرواتها و التدخل في شؤونها الداخلية . من جهة اخرى برزت قوى دولية جديدة تريد اقتناص فرصة الاستثمار في المؤهلات التي يعرفها المغرب من قبيل امريكا وبريطانيا والصين وروسيا، هذا التعدد في القطبية الاقتصادية والانتعاش الديبلوماسي والرهان الاقليمي لفك التبعية لم تستسغه المصالح الفرنسية وغيرها، وهو ما عبر عنه خطاب ثورة الملك والشعب " انهم لا يريدون ان يفهموا بأن قواعد التعامل تغيرت، وبأن دولنا قادرة على تدبير امورها واستثمار مواردها وطاقاتها لصالح شعوبنا ".
بالتالي فمغرب اليوم ليس هو مغرب الامس، وعلى الخارجية الفرنسية ان تعي ذلك وأن تحلحل الملفات العالقة مع نظيرتها المغربية بنوع من الجدية والمسؤولية بعيدا عن لغة التهديد والوعد والوعيد.
 
عمر مروك ، باحث ومحلل سياسي