الأربعاء 24 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد الإله جوهري: مدينة فكيك

عبد الإله جوهري: مدينة فكيك عبد الإله جوهري
فكيك مدينة المدن، واحة الشروق التي لا ترحل عن سمائها الشمس رغم زحف الظلام، جارة الرمل والفضاءات المفتوحة على كل احتملالات وتقلبات العواصف وأمزجة الريح وغضب الأمطار. 
فكيك حاضرة الأصالة والتراث والإنكفاء على النفس بكثير من العفاف والكفاف وكل الغنى أن يتحدث عن تاريخها أحد، رغم ما تكتنف وتحتضن دروبها وقصباتها وواحاتها من أحداث ووقائع تاريخية ورموز تراثية وإنسان صنع مجدا تليدا لا زالت آثاره بادية على الأحجار والأسوار والوجوه البشرية..
فكيك المدارس والمعارف والتربية الفكرية الحرة، ومعهم ومن خلالهم محمد عابد الجابري، ابن دروبها العالمة،  الذي فكك  العقلية العربية، وقرأ التاريخ العربي قراءات واعية.
فكيك منطلق ثورة الشيخ بوعمامة الذي هب من عمق التراب المغربي للدفاع عن الشقيقة الجزائر، لحد أن الجزائريين اعتبروه جزائريا وجزءا لا يتجزأ من تاريخهم النضالي، وهو كذلك، لأن ايمانه الحق الراسخ كان يتلخص في أن منطقتنا المغاربية، بكل بلدانها، بلد واحد أحد، تعرض للتفتيت على ايادي الاستعمار، ومعه الكثير من أنصار الشر والحقد والخسران.
فكيك مصنع الإيمان والأسلحة، التي امدت الأمير عبد القادر، وقت الكفاح والمواجهة مع العدو الفرنسي، بالبارود والعدة والعتاد، وألهمته الصبر والسلوان وقت المحن، وذكرته أنه من هنا، من السلالة الإدريسية الشريفة المغربية التي لا تهزم ولن تهزم.  
فكيك مسالك المقاومة، واحتضان الجيش الوطني المغربي، ومساندة جبهة التحرير الجزائرية، ومعهما كل عابر باحث عن معاني الحرية، وفي نفس الآن، مقبرة للكثير من المتآمرين والخونة.
 فكيك معقل النضال الخالص، حضن من لا حضن له، ومسقط رأس الكثير من الشهداء، الذين ولدوا هنا، أو عبروا بكل شرف كما هو الحال مع عمر بنجلون. 
فكيك، اليوم، عنوان من عناوين الواقع المعطوب زمن التهييج والتسييج وغلق الحدود وحفر الخنادق وتشتيت مجاميع الأهل والأحبة لأسباب سياسوية مصطنعة جد واهية... 
فكيك، كل هذا وأكثر، وهي تستقبلنا بأذرع مفتوحة، وصدور تحمل قلوبا من ذهب، وابتسامات صادقة مرسومة، بشكل دائم، على الوجوه المنحوتة، بيد خالق خصص وقتا طويلا لإبداعها، بنفس الهمة والحب، التي كان يبدع بها الأشياء الأكثر جمالا في الكون المحيط بنا.