الأربعاء 24 إبريل 2024
سياسة

لبكر: الاتحاد الاشتراكي فقد البوصلة وصار يستجدي الاصطفاف مع من كان يصفهم بالأمس بأحزاب الإدارة!!

لبكر: الاتحاد الاشتراكي فقد البوصلة وصار يستجدي الاصطفاف مع من كان يصفهم بالأمس بأحزاب الإدارة!! رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بجامعة  شعيب الدكالي  بالجديدة
كان خطاب الملك في ذكرى 20 غشت الأخيرة محطة فارقة أكد فيه أن انتخابات 8  شتنبر 2021 وسيلة لتكريس البناء الديمقراطي والوصول إلى مؤسسات قوية، سواء على مستوى الحكومة أو البرلمان. وكان الخطاب تذكيرا لما نص عليه الدستور الذي أعطى للمعارضة مكانة متميزة لما ينبغي أن تلعبه من دور في خلق التوازن داخل المحتمع. لكن يبدو أن منطق التهافت على المناصب والغنائم مازال يهيمن على موقف بعض الأحزاب، وبرز للأسف بشكل لافت عند الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في مشاورات تشكيل الحكومة، حيث عبر إدريس لشكر، الكاتب الأول للحزب عن رغبة كبيرة في المشاركة.
«أنفاس بريس» ناقشت هذا المشهد السياسي المثير مع رشيد لبكر، أستاذ القانون العام بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة في الحوار التالي:
 
 
ماهي الأسباب في نظرك التي جعلت الاتحاد الاشتراكي يصل إلى الإذلال في عهد  الكاتب الأول للحزب الحالي؟ ألا يمس موقفه الراهن بالرصيد الوطني لهذا الحزب؟
سؤال يجب طرحه أولا على المنتسبين لهذا الحزب وإلى مناضليه، الذين عليهم الآن، كل من موقعه، طرح هذا السؤال الحارق، وعدم التهرب من الجواب. أما رأيي، فلا يعكس إلا موقف شخص غيور، متعاطف، مع حزب، كان له الفضل في بناء الوعي السياسي لدى العديد من أبناء جيلي بل وأجيال أخرى، ومع قادته الأفذاذ، تشكل حسّنا الوطني  قبل أن يتوارى وجودهم عن الأنظار مع الأسف، فـ «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر».. غيرتنا على هذا الحزب، الذي نعتبره ملكا لكل المغاربة وليس للاتحاديين وحدهم، هي التي تدفعنا للكلام عنه اليوم، بقسوة محب، وليس بشماتة حاقد، فهو ملك لكل المغاربة وليس للاتحاديين وحدهم... الاتحاد الاشتراكي جزء من الذاكرة الوطنية، وصفحة من تاريخنا المشترك لا نرجو طيها... بكل صدق أقول، إن مسلسل اندحار هذا الحزب، ابتدأ منذ أصبح عاجزا عن وشم الحقل السياسي بأي بصمة مميزة، ولسانه غير قادر على إنتاج خطاب خارج عن حدود المعتاد والعادي من كلام السياسة، هذا في وقت كان فيه صوت الاتحاديين وتنظيراتهم، تقلب الموازين وتزعزع المياه الراكدة، فما الذي بقي اليوم، لا شيء غير النقاش عن المنافع واقتسام الغنائم، فأين حظ الشعب وكواكب «الغلابة» والمقهورين في «مرافعات» البؤس هذه التي صرنا شاهدين عليها اليوم؟ مع الأسف، يوشك ألا يبقى من حزب الاتحاد الاشتراكي غير الاسم.. فقد أضحى عنوانا كبيرا لمضمون خارج عن الموضوع تماما... من العادي جدا، أن طالب الشيء يحرم منه، وحتى إذا مسه نصيب منه، فلن يتجاوز نصيب «اللي جاي بلا عراضة»، مثل هذه المواقف، لا نقبلها لأضأل مخلوقات السياسة، فكيف إذا تعلق الأمر، باسم كبير هو الاتحاد الاشتراكي، الذي صار يستجدي الاصطفاف مع من كان يصفهم بالأمس بأحزاب الإدارة، لقد فقد الحزب البوصلة، وسفينته أضحت ضائعة في التيه وفي اللاشيء... أغلب ما ورد في البيان الأخير لمجلسه الوطني يدخل في باب «يخ منو وعيني فيه»، يقول الشيء ونقيضه، يبدي الموقف ثم لا يلبث أن يتراجع عنه.
 
كيف تحول الاتحاد الاشتراكي من حزب يقود المعارك والنقاشات داخل المجتمع إلى حزب يتسول الحقائب الوزارية والدخول إلى الحكومة؟ 
تحول إلى ذلك، عندما قام بتهميش الكفاءات التي يسكنها حب الاتحاد، المتشبعين بالفكرة الاشتراكية، قولا وفعلا... تحول عندما خاصم أصحاب الفكر والتنظير، وتم تركهم مع كتبهم دون أن يسمح بامتداد تجليات ما يكتبون على المشروع الاتحادي.. في السابق، كانت مقرات الاتحاد الاشتراكي مراكز للتنشئة السياسة والتربية على حب الوطن والانحياز إلى  الشرائح المسحوقة فيه... فمن رحم الاتحاد ولد القادة الحقيقيون، الذين تجرؤوا على قول «لا» في أحلك أيام زمن «القمع السياسي»، مع هؤلاء، كان للسياسة معنى، وللمعارضة قول يسمع، لأنها كانت قادرة على فرض الوجود، بالصراحة والإبداع وبالجرأة على قول الحقيقة والدفاع عنها إلى أبعد مدى، ولم تكن بحاجة إلى « شحت» الاعتراف من أحد... أذكر أن مداخلات الاتحاديين في البرلمان أو تصريحاتهم في وسائل الإعلام، كانت دروسا في الفكر السياسي ومقارعات إيديولوجية مبنية على «الصحيح». أما خلال مناقشات قانون المالية، فكانت مداخلاتهم عناوين لمحاضرات متكاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى... كانت البصمة الاتحادية حاضرة في الفعل السياسي تؤشر على الانحياز الكامل للشعب، ولما كان الأمر كذلك، منحهم هذا الأخير الحب والثقة وبادلهم التضحية بالاعتراف، وها هم الكثير من الاتحاديين قد غادروا حياتنا، ولكن تراثهم ما زال حيا وحسهم ناطقا بوجودهم بيننا، فالتاريخ لا يظلم ولا يحابي أحدا وفي آخر المطاف، «لا يصح إلا الصحيح»... الاتحاد الاشتراكي راهنا في وضعية « شرود» واضح، ولم تعد في أجندته أي قضية خالصة يدافع عنها أو موقف وطني يحسب له، ما عدا الدفاع عن حقائب للاستوزار ومناصب لذوي القربي. 
 
كيف يتخلى الحزب عن موقعه في المجتمع  كحزب معارض خاصة في ظل الدستور المغربي الذي بوأ المعارضة مكانة مرموقة ؟
من المفارقات التي عشناها في الانتخابات الحالية، أننا انتقلنا من منطق «التهافت» إلى منطق «تهافت التهافت». الدستور 2011، بوأ المعارضة مكانة مهمة وأصبحت تترأس إحدى أهم لجان البرلمان، وهي لجنة التشريع، وما أدراك ما هي، فهي عصب الحياة في الحياة البرلمانية برمتها، ولكن كل الأحزاب، بمن فيها الأحزاب المرجعية وذات الإرث السياسي الطويل، سقطت في مطب تبخيس دور المعارضة واختارت تقديم طلب الإلحاق بالحكومة ولو من أضيق الأبواب، مع العلم، أن البرلمان برمته، سواء أغلبية أو أقلية، هو مؤسسة للمعارضة بامتياز، إذ الحكومة تحكم، والبرلمان يشرع ويراقب ويقيم السياسات العمومية، إذن فهو، بشكل ما، سلطة الشعب في مواجهة سلطة الحكم، غير أن قواعد السياسة، كما نظر لها الأولون، قسمت الأدوار بين أغلبية حاكمة وأقلية معارضة، وارتأت تشكيل الحكومة من الأغلبية داخل البرلمان تبعا لما حصلت عليه من مقاعد وعقدته من تحالفات، وأسندت مهمة المعارضة إلى الأحزاب التي لم تحز على الثقة التي تؤهلها للمشاركة في الحكم، لكي تقوم بدورها وعينها على الانتخابات الموالية، وهكذا تتجدد دماء الحكم ويكون للسياسة المعنى .. فكيف نؤسس لتناوب حقيقي في ظل تبخيس عمل المعارضة؟ فسواء شاركت الأحزاب أم لم تشارك في الحكم، فلها مهام وطنية جسيمة يمكن أن تضطلع بها... والشعب في آخر المطاف هو الذي سيحكم على أدائها في أي موقع كانت.. 
 
إذا دخلت هذه الأحزاب كلها إلى الحكومة، فمن سيقوم بالمعارضة وحماية ضمير المجتمع لخلق التوازن في المجتمع بين الحكومة والمعارضة؟ 
سؤال أطرحه بدوري على كل هذه الأحزاب المتهافتة، اللاهثة وراء مواقع، هي الآن، وبقوة النتائج التي أفرزتها صناديق الاقتراع، في ملك غيرها وليس لها، هذه هي الديمقراطية التي نعرفها، والتي ليس لها مفهوم آخر غير هذا وقد عاش من عرف قدره... مؤسسة البرلمان مشكلة من أغلبية ومعارضة، ولن يستقيم عملها ويمتد أثرها إلا بوجود هذين الجناحين معا، إذ أن المعارضة القوية لا يمكنها إلا أن تنتج حكومة قوية. أرجو أن يكون كل حزب على وعي بهذه المهمة، وأن يستعد لتحمل المسؤولية متحررا من أي نزعة نفعية ضيقة. فالوطن هدف يسمو على كل المصالح، وغاية يمكن خدمتها من أي موقع.. المعارضة في حد ذاتها، مدرسة لالتقاط النفس وإعادة بناء الذات وتصحيح المسار لأجل كسب الثقة من جديد... ببساطة شديدة، كان على حزب الاتحاد الاشتراكي أن يلعب «دور الكبار»، فإن طلب منه «يد الله» للمشاركة في الحكم فذاك، وإن لم يطلب منه، فسيكون وجوده في المعارضة أشرف له. فإما وجود شامخ ومؤثر كما كان دائما وإلا «بلاش منو».. الاتحاد الاشتراكي ككل الأحزاب التاريخية الأخرى، عمرها طويل ورصيدها النضالي كبير جدا، ولن يرحم التاريخ أخطاءها، إذ «سقطة الكبير كبيرة وسقطة الصغير صغيرة»... الأحزاب العريقة لها سمعة وطنية مشرقة، وعار عليها اليوم تمريغها في وحل المصالح..