الجمعة 19 إبريل 2024
مجتمع

المحكمة الإدارية تضع حدا لـ"حرب القضاة" حول هذا الإشكال الدستوري

المحكمة الإدارية تضع حدا لـ"حرب القضاة" حول هذا الإشكال الدستوري محمد اتركين

أشاد محمد اتركين؛ بالحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط؛ بشأن قرارها، حول الإشكالية التي سبق لأستاذ المادة الدستورية أن طرحه قبيل الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة بشأن متى تصبح هذه الاستقالات من الأحزاب قانونية، هل بمجرد تقديمها للجهة التنظيمية في الحزب، أم لابد من الموافقة عليها من قبل هذه الجهة، وتعليقات منه على هذا القرار قال الأستاذ أتركين:

سعدت كثيرا بهذه الانعطاف التي أحدثتها المحكمة الادارية بالرباط، بهيئة اجتمع فيها ما تفرق في غيرها، فقدمت لنا حكما متناسقا، مترابطا، سليم البناء، قوي التعليل، مقنع الحجة…انتهى إلى إقرار القاعدة الآتية:

"ثبوت تقديم طلب الاستقالة من حزب والترشح باسم حزب جديد لا يجعل من المعني الذي رفض طلب استقالته في وضع المنخرط إراديا في أكثر من حزب في آن واحد، ولا تتحقق فيه بالتالي موانع الترشيح..

ربط نفاذ مفعول الاستقالة بقرار الحزب بقبولها، يجعل المنتمي للحزب المعبر عن رغبته في الانسحاب منه، والذي رفض طلبه بالاستقالة في وضع المكره على البقاء في تنظيم سياسي عبر صراحة عن رفضه استمراره في الانتماء إليه، وهو ما من شأنه الإخلال بمبدأ حرية الانتماء السياسي المقرر دستوريا والمكرس قانونا. رفض الطعن...نعم".

هذا الحكم الصادر تحت رقم: 3512، بتاريخ 20 شتنبر 2021، هو اجتهاد منسجم مع الدعوات الفقهية في الموضوع، والسوابق القضائية للمجلس الدستوري. ولبنة جديدة لحوار القضاءين الإداري والدستوري.

يذكر أن الدكتور محمد اتركين، سبق له أن تساءل في تصريح له لجريدة "أنفاس بريس"، حول محددات التحلل من الانتماء الحزبي، وهل يكفي في ذلك تقديم استقالة ورفعها إلى الجهة التنظيمية المعنية؟ أم أن الأمر يتعدى ذلك، إلى ضرورة التقيد بمقتضيات النظام الأساسي للحزب، وإن جنحت إلى تقييد "حرية المغادرة"، المنشأ، وفق توازي الشكليات، من "حرية الانتماء؟ هذا النقاش، يستحضر المادة المنظمة لهذا الموضوع، وهي المادة 22 من القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، التي تنص على أنه " يمكن لكل عضو في حزب سياسي، وفي أي وقت شاء، أن ينسحب منه، شريطة الالتزام بالإجراءات المنصوص عليها في النظام الأساسي للحزب في هذا الشأن، مع مراعاة أحكام المادة 20..."

تنظيم هذه المادة على مستوى، الأنظمة الأساسية والداخلية للأحزاب السياسية، متباين، ويصل في بعض الأنظمة، إلى درجة تقييد أثر ومفاعيل الاستقالة، بشرط الموافقة عليها. هذا الشرط الذي يجعل من نظام للحزب، مقيدا لحق دستوري ومفسرا للقانون التنظيمي للأحزاب السياسية، عرف تأويليين قضائيين متضاربين:

- الأول، صادر عن المجلس الدستوري، وهو الذي يوثر التوقف عند مستوى التحقق من وجود استقالة مكتوبة، واضحة، معبرة عن إرادة "الانسحاب" من الحزب، دون التثبت من مدى احترام الاستقالة للشكليات المقررة في البناء الداخلي المنظم لمؤسسة الحزب السياسي، مبرره في ذلك، أن هذه المرجعية لا ترقى، في قيمتها وتراتبيتها، إلى مستوى تقييد حق مستمد من أحكام الدستور، ومنظم من قبل قانون تنظيمي، ولو تعلق الأمر بحالة ممارسة القاضي الدستوري لوظيفة القاضي الانتخابي؛

- الثاني، صادر عن الغرفة الإدارية لمحكمة النقض (قرارها رقم 1477/1 في الملف الإداري رقم 1192/4/1/2016 بتاريخ 20 أكتوبر 2016)، والذي يعطي قيمة للأنظمة الأساسية للأحزاب السياسية، ويجعل مقتضياتها ذات أثر معياري، مكمل لأحكام القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، في قراءة نصية للمادة 22 المشار إليها.لكن، هل يحق للقضاء العادي، ولو في درجة محكمة للنقض، أن يعطي لنص القانون التنظيمي المكمل للدستور، والذي خضع لرقابة قبلية للقاضي الدستوري، معنى آخر مخالف لما استقر عليه قضاء المجلس الدستوري، الملزمة قراراته، لـ "الجهات القضائية"، بنص الفصل 134 من الدستور؟ هذا سيؤدي لا محالة إلى تضارب الاجتهاد، وإلى تطبيق مزدوج لمقتضى قانوني واحد، بأثر مختلف على المركز القانوني نفسه، بحسب ما إذا كانت الانتخابات تشريعية أو متعلقة بالجماعات الترابية...إنها في النهاية، إعلان "لحرب القضاة" التي عانت منها أنساق قانونية عدة نتاج غياب "حوار قضائي" بين المحاكم الدستورية ومحاكم النقض... 
لقد كان الرئيس الدكتور محمد أشركي، مستشرفا لهذه الوضعية متوقعا حدوثها، لذلك، سارع إلى إرساء "حوار للقضاة"، بين أعضاء المجلس الدستوري وأمينه العام، وبين قضاة محكمة النقض والمسؤولين القضائيين، في مواضيع مُؤطرة بنَفَس وانشغال مقارن.. لكن ككل البذرات الطيبة، سرعان ما تذبل، حين يغيب المبادرون إليها، وتفقد وهجها بعد برهة، لأنها لم تحظ بمن يتعهدها بالعناية والرعاية.. وذلك إشكال آخر..