الخميس 25 إبريل 2024
سياسة

الشاعرة بنموسى لرئيس الحكومة: هذه انتظاراتنا في الشأن الثقافي

الشاعرة بنموسى لرئيس الحكومة: هذه انتظاراتنا في الشأن الثقافي وداد بنموسى وعزيز أخنوش
أكدت الشاعرة وداد بنموسى، ألا نهضة بدون "ثورة ثقافية تسهم بنصيب وافر في تغيير العقليات وتهذيب الأذواق وتأهيل المجتمع لاستيعاب قيم التحديث والدمقرطة".
وقالت في رسالة موجهة لرئيس الحكومة المعين عزيز أخنوش، أن هذا يتطلب، إلى جانب الرفع من الميزانية المخصصة للقطاع، إيلاءَه الاهتمام الذي تعرفه باقي القطاعات، وربط "الثقافة الوطنية" بعجلة الرأسمال الاقتصادي، وهو ما ستكون بدايته الرهانَ على وزيرة أو وزير يمكن أن تنقذ، أو ينقذ، الثقافة والمرتبطين بها، وينجح في تعميمها.
فيما يلي الرسالة كما توصلت بها جريدة "أنفاس بريس"، والموجهة لرئيس الحكومة:
منذ مدة ليست بالقصيرة ونحن نستعد لقدومك، نسمع عن استعداداتك وسعيك الحثيث في أن تكون رئيسا للحكومة، عساك تصلح ما أفسده الدهر، منذ مدة ونحن نرقب لحظة رفع يديك إشارة على الفوز بثقة المغاربة، وها قد أتى ذلك الموعد الذي تهيأنا له، فهل ستخيبُ ظنَّ شعب متعطش لانتصارات طال انتظارها؟ شعبٌ كان يتحسر – منذ ما لا يقاس من سنوات – على ما آلت إليه الأمور من عسر وضيق وضباب رؤيا، وازداد الأمر سوءا بهجوم الوباء اللعين الذي جعل البلاد والعباد في اندهاش وهلع ورهاب… 
مناسبة هذه الرسالة السيد أخنوش هو ما لاحظته خلال حملتكم الانتخابية من تغييب تام لأي برنامج ثقافي يهدف بالأساس إلى إنعاش قطاع الثقافة، الذي ظل لأمد طويل صاحب أضعف ميزانية على مر الحكومات. 
فعدا أنكم استعنتم بذكاء ولطف ببعض الفنانين الذين لم ينبهم في النهاية سوى سوء تقدير وهجوم مِمن كان رئيس حكومة قبلك، ولعله لم يفقه أبدا بأنه لا تنمية ولا نهضة ولا تقدم بدون ثقافة تجعل من الشعب قادرا على اختيار من يتولى شؤونه، وقادرا على المطالبة بحقه، والجهر بالخلل، والمساهمة في المضي قدما نحو غد الحريات والديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية…
لقد أهين الفنان وغُيِّبَ المثقف، لأنهما دائما ما كانا يعيشان على الهامش، في انتظار عناية صحية ملكية في نهاية المشوار. فكل ما نرجوه ونتمناه هو أن يُخَصَّ قطاع الثقافة بنفس الاهتمام الذي تناله باقي القطاعات، وأن يُراهن على من سينقذ الثقافة والمثقفين والفنانين والذين يشتغلون في المتاحف والمآثر والمراكز الثقافية ودور الشباب والمسارح وقاعات العروض… 
أما مراجعة الميزانية الهزيلة فأمر حتمي ومستعجل، حتى يتمكن من سيتولى أمر هذا المجال من رسم خارطة طريق جديدة تعطي الإشعاع لبلادنا وتصالحه مع تاريخه العريق، من خلال ترميم المآثر التاريخية ـ التي سعى وزير الثقافة الأسبق محمد الأعرج إلى نفض الغبار عنها، وكشف سوءات منْ تدبَّر شأنها لسنوات طوال – والتي يمكن أن تصبح نقطة جذب حقيقية للسياح ولعلماء الأركيولوجيا وللباحثين في هذا المجال، ومن أجل صون ذاكرة تاريخنا العريق أيضا، وكذا إحداث المزيد من المتاحف والأروقة ودور عرض الفن التشكيلي والمسارح وقاعات السينما، ودعم الفرق المسرحية والغنائية، وكذا دعم المشاريع الثقافية والأدبية، والترويج للكتاب ودعمه أيضا، وتفعيل بعض الامتيازات لبطاقة الفنان، وجعل المعرض الدولي للكتاب موعدا سنويا لتلاقح الأفكار والمعارف وفرصة للقاء بكبار المثقفين والمبدعين والكتاب من كل أنحاء العالم، ومن ثمة خلق إستراتيجية حقيقية لصناعة ثقافية يمكن من خلالها أن نلْحَق القطار السريع الذي بات يعكس صورة المغرب الحديث. 
إنكم، السيد الرئيس، بما عُرف عنكم من كفاءة في إنجاح المشاريع الاقتصادية، مطالبون اليوم بربط الثقافة الوطنية بعجلة الرأسمال الاقتصادي حتى يتحول قطاع الثقافة إلى دينامية حيوية منتجة، ومجال لإيجاد فرص شغلٍ لا حصر لها. وقد ثبت من تجارب البلدان الناجحة أنه لا نهضة بدون ثورة ثقافية تسهم بنصيب وافر في تغيير العقليات، وتهذيب الأذواق، وتأهيل المجتمع لاستيعاب قيم التحديث والدمقرطة. 
نريد إذن وزيرة أو وزيرا يرُج البحيرة الساكنة، ويحدث انقلابا غير مسبوق في هذا القطاع الذي لا يقل أهمية وشأنا واعتبارا عن غيره من القطاعات الهامة، فمنذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي لم تنظم الدولة مناظرة وطنية للثقافة المغربية، بعد أن نظمها محمد بنعيسى أثناء توليه منصب وزير الثقافة. ولعل التوصيات الصادرة عن هذه المناظرة سنجدها مشروعة إلى حد اليوم، ولربما الكثير منها مازال ضمن المطالب المستمرة إلى يومنا هذا… 
لقد خسرنا بسبب الجائحة مثقفين ومبدعين وفنانين من طينة الكبار، أسهموا عميقا في فسيفساء المغرب الثقافي بحس عال من البذل والعطاء والحضور الوازن داخل وخارج الوطن، خسرنا أستاذ الأجيال محمد سبيلا، خسرنا الفيلسوف والسينمائي نور الدين الصايل، خسرنا سيدة الشاشة المغربية ووزيرة الثقافة السابقة ثريا جبران، والناقد الفذ الأستاذ البشير القمري؛ خسرنا الروائي المبدع إبراهيم الحجري، والفنان القدير حمادي عمور، والمطرب محمود الإدريسي والكثير من فناني الثقافة الشعبية من شمال المغرب إلى جنوبه. 
بدأت الساحة تفرغُ من رموزها وعلاماتها وأيقوناتها، وإذا كانت الشعوب تفتخر بعلمائها ومثقفيها ومخترعيها فإن بلادنا تكاد لا تعترف لهؤلاء البَرَرة إلا في مناسبات قليلة نادرة بما أسدوه من جليل الخدمات ورفيعها… إذ غالبا ما يأتي الاعتراف بهم من الخارج، فيُتوجون بأرقى الأوسمة وينالون أرفع الجوائز ويحوزون المراتب العليا من التقدير والحفاوة والرفعة. 
ختاما، لا يسعني السيد الرئيس إلا أن ألخص كل الكلام في كلمة أتمنى أن تُنصت إليها عميق الإنْصات: لا توجد دولة يمكن أن تتطور حقاً ما لم يتم تثقيف مواطنيها.