Sunday 10 August 2025
كتاب الرأي

عبد الرحيم بوعيدة: برلمان التصفيق..

 
 
عبد الرحيم بوعيدة: برلمان التصفيق.. عبد الرحيم بوعيدة
في قبة البرلمان، مرّ قانون آخر كما تمر السحب الرمادية في سماء صيفية، لا أحد التفت إلى ما تحمله من مطر أو صواعق.. الأغلبية رفعت الأيادي، والمعارضة كانت مشغولة بانتزاع لحظة خطابية للتاريخ، والجميع مضى إلى التصفيق، وكأن التصويت أصبح غاية بحد ذاته لا وسيلة لصيانة الوطن..

لكن المحكمة الدستورية، تلك التي تجلس على الضفة الأخرى من النهر، التقطت الخيط وأعادت تنبيه الجميع: هناك خلل، هناك ما لا ينسجم مع روح الدستور.. وكأنها صفعت المؤسسة التشريعية لتذكرها بأن مهمتها ليست ملء جدول الجلسات، بل ملء فراغ الضمير الوطني..

ما وقع ليس مجرد خطأ في نص، بل مرآة عاكسة لواقع سياسي نعيشه: أحزاب فقدت حس المراجعة والنقاش، وبرلمان صار في كثير من الأحيان غرفة تسجيل لقرارات جاهزة، لا ورشة تفكير جماعي لصالح الأمة..

إن الخطر ليس في أن يمر قانون معيب، بل في أن تصبح العين السياسية عمياء بإرادتها، ترى الشريط الأخضر للتصويت وتنسى أن خلفه وطن يحتاج لمن يفكر قبله، لا من يصفق بعده..

الدولة تنفق المال على الأحزاب، كي تكون جسرًا للثقة ووسيطًا بين الشعب ومؤسساته.. لكن الأحزاب لا تبحث عن العقول التي تفكر، بل عن الجيوب التي تموّل.. لذلك ليس غريباً أن نجد اليوم في السجون أكثر من ثلاثين برلمانياً معتقلين.. وكأننا أمام برلمان موازٍ، يسخر منه الناس ويحسبونه غرفة ثالثة في المشهد السياسي، لكن من باب التهكم لا من باب الجدية..

ليس خافياً على أي متابع عادي للشأن السياسي أن منسوب الثقة في النخب قد انهار تماماً.. نحن إما فاسدون أو مشاريع فساد قادمة.. وجاءت هذه الحكومة لتقطع ما تبقى من “شعرة معاوية”.. حكومة برائحة واحدة وصوت واحد.. رائحة تخرج من محطات البنزين لتشتري كل شيء.. والنتيجة نفور شعبي وسخط عارم وغلاء يلتهم ما تبقى من قدرة الناس.. إعلام جزء منه أعور.. وبعض النخب المثقفة لا تكتب إلا بيد رئيس تحرير واحد..

وزير الداخلية يتكفل بالمشاورات والإعداد للانتخابات القادمة، وهو معطى إيجابي.. لكن السؤال: هل تستطيع الأحزاب أن تستغني عن أصحاب الجيوب الثقيلة؟ هل تملك الشجاعة لمنع كل مشتبه فيه من الترشح، دون الاحتماء بعبارة “البراءة هي الأصل”؟ الفقيه الفرنسي قال: “حين يتعطل القانون تبدأ الأخلاق في العمل”.. وبناء على ذلك، من له ملف أو شبهة، يجب أن يُبعد..

المغاربة يحتاجون إلى نخب نظيفة.. نخب ترفع الوطن لا الأرصدة.. لقد أضعنا سنوات طويلة نهدر المال العام باسم السياسة.. والنتيجة كما نرى.. رؤساء جماعات وبرلمانيون وراء القضبان.. فكيف سيصوّت المواطن؟ وعلى من؟ سؤال عريض لن يجيب عنه المال، الذي يظن البعض أنه الطريق السيار نحو الفوز..

في هذا الوطن فقر وجهل، لا ننكره.. ساهمنا جميعاً في تكريسه كسياسيين، لأنه كان سلّماً للبعض نحو كراسٍ وثيرة، لا يرون فيها إلا صورهم أو لقب “السيد النائب المحترم”..

للأسف، لم نعد في مخيلة الناس كما كنا.. أصبحنا في الصورة النمطية فاسدين حتى يثبت العكس..

مغرب 2026 ومواطنوه يجب أن يتغيروا.. أن يدركوا أن البناء الحقيقي يبدأ منا نحن.. أن يصبح الإصلاح فعلاً لا شعاراً.. فعلاً يمارس عبر صناديق الاقتراع..
العزوف السياسي والسلبية هما ما أنجب هذه الحكومة التي فتحت أوراشاً شخصية، زادت بها غنى، وزدنا نحن فقراً..

الدولة والمؤسسات تقوم بدورها.. لكنها وحدها لن تستطيع مراقبة الضمائر.. نحن من ندخل الخلوة الانتخابية، ونحن من نقرر.. وبدل أن نزف المال إلى السياسة، لنجرب مرة أن نزف الأخلاق إليها..

إنه حلم.. وأخشى ما أخشاه أن يكون "حلم ولد أهميش”، كما في الحكاية الصحراوية…