الجمعة 29 مارس 2024
في الصميم

منحة مغادرة الحكومة.. العار الذي يطارد الوزراء بالمغرب!

منحة مغادرة الحكومة.. العار الذي يطارد الوزراء بالمغرب! عبد الرحيم أريري

في الوقت الذي تنصرف فيه رادارات النخب بالمغرب إلى اقتراع 8 شتنبر 2021، وما سيسفر عنه من نتائج وتحالفات حزبية لتشكيل الحكومة، هناك «بؤرة وبائية ريعية» لم تشملها كشافات ضوء المراقبين، ونعني بها فضيحة "بريم مغادرة الحكومة".

 

فمعلوم أن حكومة العثماني المنتهية ولايتها تضم 23 وزيرا بالإضافة إلى رئيس الحكومة (أي 24 عضوا). وكل واحد من هؤلاء الوزراء سيتسلم بمقتضى قانون ظالم، وتشريع مافيوزي، منحة مغادرة العمل الحكومي. المنحة يبلغ قدرها 10 أشهر من التعويضات الشهرية التي كان الوزير يتسلمها أثناء "تاويزاريت".

 

معنى هذا أن رئيس الحكومة سيحصل على ريع فاحش بقيمة 900 ألف درهم كمنحة المغادرة، بينما سيقتسم الوزراء 23 الآخرين، غنيمة 700 ألف درهم لكل واحد منهم. أي أن مجموع ما سيوزع من علف وريع على العثماني ووزرائه هو حوالي 17 مليون درهم (أي مليار و700 مليون سنتيم). مما يمثل فضيحة بكل المقاييس لأن الأعراف الحكومية في كل الدول المتمدنة ترفض ارتكاب هذه المجزرة المالية في حق الخزينة العامة لكل بلد..

 

صحيح، هناك فورة في المجتمع المغربي ضد تراكم الامتيازات والغنائم المالية لفائدة الطبقة السياسية التي تدبر الشأن العام (بالحكومة وبالبرلمان وبالجماعات الترابية)، وصحيح أن هناك مد في المجتمع ضد استمرار تعليف الوزراء والبرلمانيين ومنتخبي الجماعات الترابية بامتيازات خيالية، وكلنا نتذكر الحملة التي خاضها العديد من نشطاء "النيت" ببلادنا ضد معاش الوزراء والبرلمانيين.

 

لكن هذه الفورة والحملة، أخضعت لميزان المقارنة مع الأنظمة السياسية بباقي دول المعمور، مما جعل أصواتا تميل إلى وجوب الحذر في المضي في تبني غلو في خطاب يروم تجفيف منابع الأجرة والتعويض والامتيازات للوزراء الذين «تخلوا» عن مناصبهم المهنية و"تفرغوا" للعمل الحكومي، وبالتالي الحاجة إلى الإبقاء على أجرة «محترمة» للوزير والبرلماني وللعمدة ولرئيس الجهة، لكي "يقدم كل ما يملك من قيمة مضافة" للشأن العام!!

 

لن ندخل في السجال حول صواب هذا الطرح أو ذاك (بحكم أن المقام لا يسمح بذلك)، لكن ماهي الحجة لتسلم الوزير «قفة من المال الحرام» تساوي 10 أشهر من المانضة، تحت مبرر "منحة مغادرة الحكومة"؟!

 

هل رئيس الحكومة بالمغرب لما ينهي مهامه سيموت جوعا؟ وهل الوزراء لما سيغادرون مكاتبهم الحكومية بعد 8 شتنبر، سيتشردون بالشارع؟!

 

فمعلوم أن كل وزرائنا ميسورون، بل و"مرفحين إلى حد التخمة" (على الأقل بالنسبة للأغلبية الساحقة منهم)، ولهم مناصب مهنية جد محترمة تضخ عليهم موارد قارة ولهم حسابات بنكية منفوخة، فلماذا الحرص على الإبقاء على منحة العار ومنحة نهب المال العام؟!

 

إن كل وزير مغربي ارتضى الحصول على هذا الريع وتسلم هذه «المنحة-القرصنة»، لا حق له مستقبلا في أن «يفتح فمو» ويعطي دروسا للمغاربة في الأخلاق والقيم وبناء الوطن، بل لا حق له أصلا في أن يتولى منصبا عاما أو مسؤولية عمومية، لأن الأصل في العمل السياسي (برلماني أو حكومي أو جماعي) هو التطوع، وليس استغلال المنصب ليهرف كل مسؤول على مدخرات الشعب المغربي...